روسيا تسعى لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس

13/09/2017

يكتب تسفي برئيل، في "هآرتس" ان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف امضى نهاية اسبوع مكثف. فخلال زيارته للشرق الاوسط التي استغرقت ثلاثة ايام، التقى الملك سلمان في المملكة العربية السعودية والملك الأردني عبد الله، وأجرى محادثات هاتفية مع الرئيس المصري حسنى مبارك وحاول لأم الشرخ بين دول الخليج وقطر، وتوحيد المواقف حول الازمة في سوريا وانهاء النزاع الفلسطيني الداخلي.

وقال لافروف في مؤتمر صحافي عقده مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ان روسيا "تدير اتصالات مع الدول العربية التي تربطها علاقات بحماس من اجل اعادة الاطراف الى اتفاق المصالحة الموقع بينها والذي يشمل اقامة حكومة فلسطينية موحدة". وبعد يومين من ذلك، أعلنت حماس عن استعدادها لتفكيك المجلس الاداري الذي أنشأته في غزة والتوصل إلى اتفاق بشأن إنشاء حكومة فلسطينية موحدة. لا يزال من السابق لأوانه حبس الأنفاس في انتظار تنفيذ هذا الإعلان على أرض الواقع، ولكن مشاركة روسيا الجديدة في الصراع هي مسألة تستحق الاهتمام بها.

خلافا للاتفاقات التي تم التوصل إليها بين حماس ومصر منذ نحو شهر، والتي سيتم بموجبها إنشاء مجلس اداري في غزة، يقود رجل فتح، الخصم المرير لعباس، محمد دحلان، ويضم في عضويته أعضاء من حماس وفتح، تعود حماس الان للحديث عن تشكيل حكومة فلسطينية موحدة.

هل يلغي هذا الإعلان الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مصر؟ وفقا لمصادر في حماس، فإن الحديث عن مرحلتين متوازيتين. فالمجلس الاداري سيواصل اتصالاته مع مصر، بوساطة دحلان، من أجل فتح معبر رفح بشكل دائم، ربما هذا الشهر. وسيأتي تمويل أنشطة المجلس الجارية من الإمارات العربية المتحدة التي خصصت بالفعل نحو 15 مليون دولار، والتي ترافقت بالتزامات بدفع مبالغ مماثلة في الأشهر المقبلة، وفي الوقت نفسه، ستجدد حماس اتصالاتها مع السلطة الفلسطينية لتحديد تقسيم العمل والإعداد لانتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطيني.

إن التدخل الروسي في الصراع الفلسطيني الداخلي والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لا ينفصل عن الاستراتيجية الروسية في المنطقة، خاصة عن إدارة الأزمة في سورية، التي تم نقلها حصرا إلى موسكو. لقد باتت دول الأردن والمملكة العربية السعودية ومصر، وبشكل لا يقل عن ذلك، تركيا وإسرائيل، تعترف بالفعل بأن روسيا هي القوة الوحيدة التي يمكن أن تحقق المعجزة في سورية، وكل واحدة منها تسعى الآن لتأمين ضمانات لسلامة مصالحها الخاصة.

الأردن، كما إسرائيل، يختلف مع روسيا حول وضع إيران في سورية. فالجيش السوري لا يتواجد حاليا في الجزء الجنوبي من البلاد، لكن الأردن قلق إزاء التغيير في الوضع، ويبدو أنه تلقى وعدا من لافروف، بأنه حتى لو دخل الجيش السوري المناطق المجاورة للأردن، فانه لن يسمح للقوات المؤيدة لإيران، بما في ذلك الميليشيات الشيعية الأجنبية وحزب الله، من الانتشار معه في المنطقة الحدودية. وفي المقابل، طلبت سورية من الأردن توثيق علاقاتها مع النظام السوري، وفتح المعابر الحدودية بين البلدين، وتجديد العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد.

إن روسيا، التي أحدثت ثورة عسكرية في وضع النظام السوري وحجم الأراضي التي يسيطر عليها، تستثمر الآن معظم جهودها في التحركات الدبلوماسية التي يفترض أن تعطي للأسد الشرعية العربية والدولية، ومن هنا تأتي أهمية التحركات الدبلوماسية للافروف في الشرق الأوسط. وسيتم التعبير عن اختبار هذه الجهود في الاجتماع السادس الذي سينعقد في نهاية الأسبوع في أستانا، عاصمة كازاخستان، بين ممثلي الحكومة وممثلي المعارضة. فإذا نجحت هذه الجولة، سيكون من الممكن جدولة الاجتماع الذي سيعقد في جنيف لمناقشة اتفاق السلام.

لكن الجهود الروسية التي تطمح لبناء جدار دعم عربي لتحركاتها في سورية سيتعين عليها التغلب على هوتين عميقتين. الأولى، هي خلافات دول الخليج ومصر مع قطر، والثانية، هي المواجهة السياسية بين السعودية وإيران. بعد فشل الولايات المتحدة في محاولاتها لتحقيق المصالحة بين السعودية وقطر، وفي أعقاب حالة السبات التي المت بالإدارة الأمريكية في موضوع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تتبنى روسيا كلا الصراعين كرافعة لتعزيز مصالحها.

وهنا تدخل أهمية حماس أيضا، والتي لا ينظر إليها على أنها عامل استراتيجي يمكن أن تؤثر على السياسة الإقليمية. ولكن عندما تصبح البيدق في المعركة بين السعودية وإيران، فإنها تصبح عنصرا حيويا يجب تجنيده لصالح النضال الأكبر.
لقد كثفت حماس جهودها هذا العام في إيران، التي وعدت بمساعدتها. ووفقا للتقارير الواردة في وسائل الإعلام العربية، فقد أعطت ايران لذراع حماس في لبنان 20 مليون دولار بالإضافة إلى استئناف التدريب العسكري من قبل حزب الله. ومن وقت لآخر، يتم نشر تصريحات صادرة عن جهات في حماس، في قطاع غزة والخارج، تفيد بأن العلاقة مع إيران على وشك أن تتجدد قريبا أو أن إيران قدمت مساعدات إضافية.

لكن هذه التصريحات تتعارض مع النشاط الدبلوماسي لحماس الذي يهدف إلى إعادة العلاقات مع مصر، وهي تدل على النزاع المتقد بين قيادة عز الدين القسام، التي تدفع إلى تجديد العلاقات مع إيران، والعناصر السياسية التي يرأسها إسماعيل هنية ويحيي سنوار والتي تروج للعلاقات مع مصر والعالم العربي. كما يسود داخل إيران خلاف بين المحافظين الراديكاليين والحرس الثوري حول مسألة المساعدات لحماس. ففي حين يضغط الحرس الثوري الإيراني من أجل تقديم مساعدات جديدة، يعارض الراديكاليون ذلك، على أسس سياسية، قائلين إن حماس خانت سورية ، ولا تستحق المساعدة.

ومن هنا تأتي الأهمية التي توليها روسيا للمصالحة الفلسطينية الداخلية، التي من شأنها أن تمنع حماس من إعادة التقرب من إيران، وبالتالي تلبية تطلعات المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، الأمر الذي قد يجعل هذه الدول تدعم منح الشرعية للأسد.

إذا نجحت روسيا في تحقيق هذه المصالحة، فإنها ستكون قادرة على تحقيق انتصار مزدوج. وستبدو الدولة الوحيدة التي يمكنها حل الصراعات في المنطقة، استمرارا "لنجاحها" في سورية، وستقدم إسهاما تصريحيا هاما للحد من نفوذ إيران. وعلى الرغم من المصالح المشتركة لروسيا وإيران في الحفاظ على نظام الأسد، فإن روسيا ليست متحمسة بشأن النفوذ الإيراني في المنطقة.
السؤال التالي هو كيف سيكون على إسرائيل الرد على التحرك الروسي. لقد عارضت إسرائيل تقليديا الوحدة بين فتح وحماس، خاصة لأن الانقسام يسمح لها بالادعاء بأن محمود عباس لا يمثل جميع الفلسطينيين، وبالتالي لا يمكن أن يكون شريكا (بالإضافة إلى الأعذار الشائعة الأخرى مثل اتهامه بالتحريض ودعم الإرهاب). كما أن الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية يمكنها من تطبيق سياسة مزدوجة من الاضطهاد في كلا المنطقتين.

ولكن إذا قررت روسيا أن المصالحة الفلسطينية الداخلية حيوية لمصالحها الإقليمية، فستجد إسرائيل صعوبة في الإصرار على معارضتها، خاصة عندما تحتاج إلى الضمانات الروسية ضد ترسيخ إيران في سورية. ومن هنا فإن الصمت الإسرائيلي تجاه التحركات الروسية، والهدوء المصحوب بالصلاة بأن يحرق الفلسطينيون طبيخهم، وينقذون إسرائيل من الحاجة إلى تحديد موقف.