نادية حرحش تكتب لوطن .. بناة القدس: الأستاذ عيسى ديب نموذجا يحتذى به

11/10/2017

في ظل تراكمات الظروف المعتمة على مستقبل هذا الوطن، من غياب لأفق سياسي، وانحراف ثقافي، وانهيار تراكمي للمعايير الاجتماعية والاخلاقية، يبقى التمسك بوجود الانسان الصالح اغلى ما يمكن ان نملكه .

ولأن هذا الانسان الصالح ليس فريدا ولا وحيدا، بل هو نتاج طبيعي لكل مخلص ومحب وحامل لرسالة، لا تزال هذه الارض "ولادة" بأبناء يحملون وطنهم على اكفتهم بكل اخلاص وولاء .

حب الوطن لا يقاس فقط بالتضحيات المباشرة كالأسر والشهادة، ولكن بخدمته الخالصة لوجه الله . وجه الله ذاك الذي يتجلى امامنا بجيل نستطيع ان نعول عليه لمستقبل افضل.

فقدت مدرسة الفرير الثانوية قبل أشهر معدودة احد كوادرها المخلصين لمسيرة ابناء القدس وبناتها الاستاذ خضر خضر، عندما خطفه الموت وهو في أوج عطائه.

كم كان من المؤلم فقدان مربي اجيال حقيقي بكاه بحرقة الطالبات والطلاب والأهالي ممن عرفوه .

كم يغيب الموت، وكم يحضر اولئك الذين تيقننا حسن عملهم بعد رحيلهم.

ولأن الباقون على قيد هذه الرسالة العظيمة في التعليم صامدون وحاملون لواء العلم كما حفظناه عن ظهر قلب منذ الصغر ، لأن بهم تبنى اجيال ومن خلالهم نسير على درب الوطن.  وجب التوقف امام الاستاذ عيسى ديب، مسؤول الثانوية في مدرسة الفرير كنموذجا يحتذى به في معنى التربية والتعليم.

في كل مرة انظر فيها الى بناتي، أشعر بالامتنان لهذا الصرح الذي ينشيء جيلا مليئا بالقوة وحب المعرفة والاصرار على النجاح والوقوف دائما امام ما يرونه حق. وكثيرا ما افكر ان هذا قد يكون نتيجة تربيتي لهم ، ولكن اتدارك شعوري بنشوة التربية في كل مرة ارى كيف تتعامل المدرسة مع شؤون الطلاب. ولا يسعني في هذه السطور الا التوقف امام شخصية كعيسى ديب، الذي يحمل الطلاب في المرحلة الثانوية كمن يحمل القدس على اكتافه، احتواء واصرار . احتواء لاختلافاتهم واحتياجاتهم ومقدراتهم، واصرار على ان بهم سيبنى هذا الوطن ومن خلال مرورهم بهذه السنوات بنجاح يكون الطالب هو اساسه.

في اجتماع المدرسة رنت بأذني كلمات الاستاذ عيسى ديب عندما عاهد الاهالى واقسم انه سيقدم كل ما باستطاعته لما هو مصلحة كل طالب. شعرت بدوي الكلمات بصدقها النابع من القلب مباشرة.  " لا تزال هذه المدينة بخير"، رددت في نفسي .

كم نحتاج الى الاخلاص والتفاني في عملنا لنصلح ويصلح حالنا، وقد تكون المدرسة مثالا، فالنتائج ظاهرة في ابنائنا . والعمل على دمج التربية في التعليم والتأثير على ابنائنا واضح، فالمدرسة تتعامل وبمنظومة متناغمة في تلبية احتياجات الطلاب وتحديات الواقع واختلاف القدرات مع متطلبات المناهج التعليمية غير المرنة. ولقد شهدت على التغيير خلال السنوات العشر الاخيرة بتناغم ملفت . ومن مرحلة عمرية الى اخرى ، ترى كيف تتعامل ادارة المدرسة وكوادرها المختلفة مع الصعوبات والتحديات المختلفة .

وتوقفي امام شخصية الاستاذ عيسى ديب ، جاء في وقت نحاول فيه مسك الامل عندما نشعر به امام هذا الكم من غياب ما يجعلنا نتأمل خيرا بأي شيء، في اوقات يتسابق فيها المتسلقون على اكتاف وعروقو ظهور وانفاس المواطن من اجل ظهور او وجود ، وكأن الوطن اصبح ممثلا في شخص . تبقى دنيانا بخير لطالما في هذا الوطن انسان يواظب ويعمل بإخلاص وتفاني من اجل انسان اخر ، من اجل جيل كامل يقدمه بفخر ليكون هذا الوطن ما نصبو اليه .

وبقدر ما أظن ان هناك حاجة وضرورة لتكريم الشخص باسمه ، وتقديم امتناني كمواطنة وام ، كما في حالتنا هذه . فإن الاستاذ عيسى يعد قبطانا ضمن أسطول السفن التي تشكلها مدرسة الفرير في محيط عابر للوطن. لتشكل مرة اخرى وعبر السنوات الاخيرة نموذجا لا يمكن الا الانحناء احتراما له في الادارة التربوية التي تضع بين نصب اعينها مصلحة الطالب الفلسطيني الذي يشكل وحدة متكاملة في صف المجتمع الكبير .

نجحت مدرسة الفرير بأساتذة كعيسى ديب الذي خدم المدرسة على مدار عقود، بأن تحافظ على مستوى تعليمي وتربوي رافق اسمها منذ تأسيسها قبل أكثر من مئة عام ، واستطاعت ان تبقى منارة رغم صعوبة الوضع على كافة الاصعدة . فالمجتمع نفسه تغير واناسه تبدلوا وتغيروا ، ومتطلبات الطلاب واختلافاتهم توسعت ، والضغوطات السياسية ازدادت في ظل تهويد وأسرلة ممنهجة للمجتمع من خلال المدارس. تبقى مدرسة الفرير بصدى صوت الاستاذ عيسى ديب ورفاقه منبرا حقيقا يعكس هوية هذه المدينة بأصالة نشتاق دوما لها .