"واشنطن بوست": ما هي كارثة ترامب المقبلة… الاتفاق النووي الإيراني؟

12/12/2017

وطن للأنباء:  كتب المعلق جاكسون ديهل عن ملامح التشابه بين موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من المصادقة على الاتفاقية النووية التي وقعت مع إيران عام 2015 واعترافه بالقدس كعاصمة لإسرائيل. وفي مقاله في صحيفة «واشنطن بوست» قال فيه إن الرئيس ترامب ورث شرق أوسط يعيش زلزال الحروب الأهلية وقضيتين هشتين: النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والمشروع النووي الإيراني وقام الرئيس باتخاذ قرارين مندفعين وتعبيراً عن غرور وغير الوضع القائم، رغم توصيات فريق أمنه القومي.

والسؤال كما يقول ديهل إن كان الكونغرس والحلفاء الأوروبيون سينقذونه من ضربة كارثية محتملة؟
ويضيف إن رفض ترامب المصادقة على الاتفاقية النووية مع إيران في تشرين الأول (أكتوبر) وقراره الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل في الأسبوع الماضي متشابهان بدرجة مثيرة ويكشفان عن سياسته. ففي كل منهما قدم الكونغرس له سياسة تجبره على التجديد من أجل الحفاظ على التشريعين الصادرين عنه وإلا عرقل سياسات الولايات المتحدة الخارجية أو عرض مصالحها للخطر في الشرق الأوسط وأبعد. وفي كل حالة تردد ترامب وقال إنه لن يفعل ما فعله باراك أوباما أو جورج دبليو بوش أو بيل كلينتون.
ولم يخف سراً أن هدفه الرئيس – بل الأول – أن يثبت اختلافه عن البقية وأنه أحسن منهم. وقال متفاخراً إن «الرؤساء السابقين فشلوا في الوفاء بوعودهم» أما «أنا فوفيت». وحاول المستشارون له أن يقدموا هذه الدوافع المتهورة ووضعها فيما يشبه السياسة: محاولة تجييش الكونغرس والاتحاد الاوروبي لملء ما يرونه ثغرات في الاتفاقية النووية وخطة سلام شرق أوسطية تجلب الفلسطينيين والعرب مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات. وكانت هذه مجرد جهود تجميلية. ففي الحقيقة لم يخطط لا الرئيس أو أي من الإدارة لما بعد القرارات أو مواجهة لتداعياتها، سواء كان عودة العنف في المناطق الفلسطينية أو توسع شقة الخلاف مع الحلفاء. وبدأت مظاهر ذلك تحصل، فقد لاقى وزير الخارجية المحاصر ريكس تيلرسون استقبالاً جامداً عندما وصل إلى بروكسل ضمن جولة أوروبية. وشملت أوصاف الوزراء الاوروبيين قرار الرئيس الأمريكي بأنه «خطير جداً» و «كارثي».
ويقول الكاتب إن العنف اندلع كما هو متوقع في الضفة الغربية. وعلى الأمريكيين أن يأملوا بعدم حدوث هجوم للمتطرفين يشبه الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي نظراً لانشغالهم في نزاعات المنطقة الأخرى. وأكد ديهل أن إيران هي المستفيد الأول من تهور ترامب. فستجد الولايات المتحدة صعوبة في مواجهة التأثير الإيراني في المنطقة ومن خلال تحالفات مع دول الخليج والأردن وإسرائيل لأن التحالفات حتى التكتيكية منها انقسمت بسبب اعترافه بالقدس. ويشير الكاتب هنا إلى دعوة الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله إلى انتفاضة جديدة.
ولو حدثت فعلاً فسيتم التخلص من حليف الولايات المتحدة محمود عباس وستتقوى حركة حماس الحليفة لإيران. ولكن المكسب الإيراني الكبير سيكون لو قام الرئيس بعملية تكسير ثالثة وهي تلوح بالأفق. فرفضه تجديد الإتفاقية الإيرانية منح الكونغرس 60 يوما تنتهي هذا الأسبوع الذي سيقرر إعادة فرض العقوبات من جديد على إيران أم لا.
وفي كانون الثاني (يناير) سيقدم لترامب قراراً آخر يتعلق بموافقته أم عدمها بشأن تعليق العقوبات كما هي أم لا. ويخشى فريقه والنواب في الكونغرس والقادة الأوروبيون من إعلان ترامب عن قرار لا يهدف منه سوى تركيز الأنظار عليه. خاصة أن المفتشين التابعين للأمم المتحدة قاموا وأكثر من مرة بالتأكيد على التزام إيران بمبادئ الإتفاقية. وعندها سيجد نظام آية الله علي خامنئي نفسه أمام خيارين حلوي المذاق: الالتزام بالاتفاقية وعزل الولايات المتحدة أو استخدم إعادة فرض العقوبات واستئناف المشروع النووي. ولن يجد ترامب أمامه أي خيار بل الحرب التي لم تستعد لها بلاده جيداً. وهناك حالة من التعجل داخل الكونغرس وبين القادة الأوروبيين لمنع كارثة جديدة.
وقيل لديهل إن القادة الجمهوريين والديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس ناقشوا تشريعاً محتملاً مع مستشار الأمن القومي أتش أر ماكمستر ويتم من خلاله فرض بعض الضوابط على إيران لا تنتهك روحية الاتفاق الحالي ومقبولة من الأوروبيين، وهي عملية حساسة لا يمكن التوصل إليها. وقد يوازن هذا ويحد من موقف ترامب ويمنعه من تفكيك الاتفاق النووي بدون موافقة الكونغرس.
وقد يقبل الأوروبيون بالتعاون مع الإدارة الحالية من أجل وقف تطوير إيران الصواريخ الباليستية طويلة المدى مقابل عدم تفكيك ترامب الاتفاقية الحالية، رغم أن المشروع الباليسيتي ليس مشمولاً بالاتفاقية. ويختم بالقول إن الجهود في الكونغرس وتلك المرفقة مع الاتحاد الأوروبي لترضية ترامب غير مسبوقة وقد تفشل. ولكن استعداد ترامب الذي أظهره وجهله وانتهازيته لتهديد المصالح الأمريكية والغربية يجعل من هذه الجهود ملحة.

في مقال لبنجامين ميللر، استاذ العلاقات الدولية في جامعة حيفا في مجلة «ناشيونال إنترست» قال فيه إن أربعة حوادث أسهمت بتعزيز التأثير الإيراني في المنطقة. مشيرًا إلى أن طهران هي الرابح الأكبر من الاضطرابات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة والتي عرفت بالربيع العربي حيث نجحت روسيا بتحقيق أهدافها في سوريا وأسهمت في الحفاظ على نظام بشار الأسد. وأصبحت بالتالي العراب الرئيسي لسوريا ما بعد الحرب. وفي الوقت نفسه قوّت إيران من تأثيرها في أربع عواصم عربية وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. وفي الوقت الذي يلقي فيه البعض باللوم على الرئيس السابق باراك أوباما والسياسة اللينة بالمنطقة، فهو الذي وقع الاتفاقية النووية للحد من نشاطات إيران إلا أنه لم يفعل اللازم كي يحد من تأثيرها في المنطقة.

وهو يرى أن اوباما ربما لم يكن قادراً على وقف التمدد الإيراني ولكن الأسباب الحقيقية وراء صعود إيران كقوة إقليمية مهيمنة مرتبطة بأربعة أحداث في الدول العربية التي توسع تأثيرها فيها. وفي كل واحدة منها لعب منافسوها وبدون قصد دورا مهما في تقوية وضع إيران من خلال الرابطة الشيعية العابرة للحدود. وبعبارات أخرى عمل كل تدخل خارجي على تقوية الجماعات الشيعية المؤيدة لإيران في كل واحدة من هذه الدول العربية. وفي بعض الحالات وليست كلها فقد تأثرت الهيمنة بالمنافسة التي أبدتها المعارضة الوطنية للتدخل الأجنبي. ومع ذلك فقد لعبت العلاقات الإقليمية الطائفية العابرة للحدود دوراً مهماً في تحقيق الطموحات الإيرانية لكي تصبح قوة إقليمية. ويضيف الباحث أن إسرائيل هي العدو الرئيسي للنظام الإسلامي في إيران إلا أنها وبطريقة غير مقصودة كانت عاملاً مهماً في بروز أول حالة من التأثير الإيراني في العالم العربي. وحدث هذا في لبنان عام 1982 أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان واحتلال جنوبه حتى أيار (مايو) 2000. وكانت النتيجة غير المقصودة للاجتياح هي ظهور حزب الله. واستلهم الحزب الذي أصبح قوة عسكرية وسياسية أفكاره من الثورة الإيرانية. إلا أن القتال ضد الاحتلال الإسرائيلي عبّأ الشيعة في لبنان مما أدى لظهور جماعة إيرانية وكيلة في النظام السياسي اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية. وضمن هذا لطهران تأثيراً واسعاً فيه حتى لو أثار حنق بقية الجماعات الأخرى غير الشيعية التي تشكل المشهد السياسي اللبناني. وكان نتيجة التدخل الإسرائيلي في لبنان وصول عدو لها إلى الحدود القريبة منها وأدى إلى نزاع شرس عام 2006 وإمكانيات أخرى لاندلاع العنف. وفي الوقت نفسه سمحت «المقاومة» ضد إسرائيل لبناء حزب الله شرعيته وبناء دولة داخل الدولة.

العراق

الحالة الثانية كانت العراق حيث أصبح هذا البلد الذي كان في مقدمة الدول المعادية للثورة الإسلامية الإيرانية ودون قصد مساحة للتأثير الإيراني. ولعبت الولايات المتحدة في هذه الحالة دوراً مهماً. فبعد الغزو الأمريكي عام 2003 للعراق حاولت واشنطن نشر «الديمقراطية» في البلد. وفي بلد منقسم ومتوزع عرقياً وإثنياً عنى إجراء انتخابات أن الجماعة الإثنية أو الطائفية الأكبر هي التي ستفوز. ومن هنا فالعلاقة الطائفية العابرة للحدود بين شيعة العراق وإيران ضمنت للأخيرة تأثيراً كبيراً. ومن هنا فقد أدى الغزو الأمريكي وجهود الدمقرطة لفوز القوى العراقية المؤيدة لطهران، حتى لو كان التحالف معها ليس مرحباً به بين الكثير من العراقيين ومن بينهم الشيعة.

سوريا

في الحالة الثالثة التي أدى فيها التدخل الخارجي لزيادة التأثير الإيراني هي سوريا. وهنا أدى تدخل روسيا- وهي ليست عدوة لإيران حالياً- إلى تقوية ساعد طهران. ولكن العلاقة السورية – الإيرانية قديمة وتعود للثورة الإسلامية عام 1979 كما ان العلاقة بين طهران وموسكو سابقة على التدخل الروسي. وعلى أي حال فقد لعب القصف الجوي الروسي منذ أيلول (سبتمبر) 2015 على حماية نظام الأسد. وكانت الميليشيات المؤيدة لإيران وحزب الله قد بدأت القتال إلى جانب النظام في دمشق قبل أن يرسل فلاديمير بوتين قواته بمدة طويلة. ومثل الحالتين السابقتين انبنى دعم إيران وحلفائها الشيعة للأسد على أبعاد طائفية. ومن هنا ضمن اعتماد نظام الأسد العلوي على إيران والشيعة في النهاية تأثيرها على الحالة السورية. وفي الوقت الذي كان فيه الطيران الروسي مهماً لبقاء النظام لعبت القوات البرية التي وفرها الحرس الثوري والميليشيات الشيعية وحزب الله، دوراً مهماً في حماية المصالح الإيرانية وبالضرورة نظام دمشق. وعليه تخشى إسرائيل من وجود إيراني متواصل ولحزب الله في مناطق ليست بعيدة عن الحدود مع إسرائيل. وهناك قبول روسي لهذا الوجود وإن كان على مسافة بعيدة عن مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. وهناك مخاوف من تصعيد مستمر بسبب وجود قواعد متقدمة لإيران في سوريا.

اليمن

أما الحالة الرابعة، فهي اليمن الذي تستمر فيه الحرب وبثمن باهظ على المدنيين. ولا نعرف نتيجة الحرب بعد إلا أن الشيء الواضح هو فشل القصف السعودي المستمر في هزيمة الحوثيين وإخراجهم من صنعاء.
وأكثر من كل هذا فقد أدت الحملة التي تقودها السعودية لتعزيز التحالف بين الحوثيين وإيران وبالضرورة تنفير قطاعات واسعة من اليمنيين من السعوديين وحلفائهم السنة بشكل خلق قاعدة جديدة للإيرانيين في العالم العربي. وفي هذه الحالة أصبحت قريبة من الحدود السعودية والتي تعتبر طهران العدو الألد لها. ووضع كهذا يفتح مجالاً للتصعيد حالة ترجمت الحرب الباردة بين السعودية وإيران إلى مواجهة.

مستقبل إيران

ومع ذلك فاستمرار النزاع في الشرق الأوسط يثير أسئلة حول مستقبل إيران في المنطقة. إلا أن التطورات في العقدين الماضيين والتي بلغت ذروتها في الإحتلال الأمريكي للعراق وتداعيات الربيع أدت إلى هيمنة إيرانية بعيداً عن برنامجها النووي. ويرى الكاتب أن أسباب الصعود مرتبطة أولاً بالبعد الطائفي والعلاقات العابرة للحدود بين الدول التي ناقشها وكذلك آثار التدخلات الخارجية حيث ربحت إيران من كل هذه الحروب. وهو ما يضع الكثير من التحديات أمام السعودية وحلفائها السنة وكذا إسرائيل.
ومن هنا كانت الهيمنة الإيرانية السبب الحقيقي وراء التقارب السعودي- الإسرائيلي والذي بدا من تصريحات رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي إزينكوت وتحدث فيها عن استعداد للتشارك الاستخباراتي مع السعودية. واصطفاف كهذا قد يترك آثاره على المنطقة. وهناك ملامح مواجهة متزايدة بين إسرائيل وحلفاء إيران بالمنطقة إلا أن محاولات تحييد من الطرفين قد توقف احتمالات المواجهة. ويرى الكاتب أن التقارب السعودي- الإسرائيلي بناء على قاعدة «عدو عدوي صديقي» ربما أسهم في التقدم على المسار الإسرائيلي- الفلسطيني.وفي هذا السياق يأتي الدور الأمريكي حيث ظلت إدارة ترامب رغم الخطاب المتكرر تفككك علاقتها مع المنطقة. ويعتقد أن التحديات ستتزايد مع تدمير تنظيم الدولة في العراق وسوريا.