كيف خدع ترامب الجميع بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل

12/12/2017

ترجمة خاصة-وطن للأنباء-: يمكن النظر إلى قرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل على أنه اختبار للفلسطينيين: فإذا واصلوا الرد على قرار ترامب بأعمال العنف، فسيستنتج ترامب أن الإسرائيليين على حق، وأنه ليس هناك شريك فلسطيني. ولكن، إذا رد الفلسطينيون ردا "ناضجا" من خلال قبولهم لخطة ترامب للسلام، فهذا يعني أن نتنياهو سيواجه مشكلة، وفق الكاتب.

لا شك بأن اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل هو إعلان تاريخي بكل المقاييس. ولا عجب أن ترى، ونحن في المنطقة التي تشتهر بتقديس الرموز، قادة إسرائيل يخرجون عن طورهم ويمطرون موقعي "تويتر" و "فيسبوك" بالكثير من المنشورات والتعليقات التي حملت الكثير من الثناء على خطوة ترامب، وفق الكاتب.

فقد ذهبت وزيرة الثقافة الإسرائيلية إلى القول بأنه يجب نقش اسم "ترامب" على حجارة الحائط الغربي في القدس، وإلى الأبد. في حين قارن وزير العدل الإسرائيلي ترامب بالملوك والزعماء التاريخيين في المنطقة.

من الصعب إخفاء شعور القهر الذي أصاب الفلسطينيين في مقابل شعور الفرح الذي أصاب الإسرائيليين. ولا شك أيضا أن قرار ترامب كان، أولا وقبل كل شيء، نتيجة لاعتبارات سياسية، وضغط من الحزب الجمهوري، والأوساط الإنجيلية، وفق الكاتب.
وقد رغب ترامب في تجنيب نفسه التوقيع مرة أخرى على تأجيل نقل السفارة الأميركية، فوقع القرار الذي كان يتم تأجيله كل ستة أشهر، بعدما كان الكونغرس قد اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل في وقت سابق. وبعد توقيعه على التأجيل للمرة الأولى في شهر حزيران 2017، شعر ترامب بالقلق من أنه سيتعرض لهجوم متواصل من منتقديه في الحزب الجمهوري، إذا ما أخلف معهم وعده الانتخابي بنقل السفارة إلى القدس.

ولهذا جاء ترامب بفكرة إبداعية، وفقا لمصطلح الكاتب، وهي: أن يتمكن من التوقيع على قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من جهة-وبهذا يرضي الحكومة الإسرائيلية، ويكسب تصفيق الإسرائيليين-مع المحافظة على خط مع عملية السلام من جهة أخرى. وهنا كانت الفكرة الماكرة من ترامب: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولكن مع عدم نقل السفارة في هذه المرحلة.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض في تعقيب على قرار ترامب، أن موضوع نقل السفارة سيستغرق من ثلاث إلى أربع سنوات، على اعتبار أن الولايات المتحدة ستقوم ببناء سفارة جديدة لها في القدس. بمعنى اخر، سيتوجب على ترامب التوقيع على تأجيل نقل السفارة ثماني مرات أخرى. ولكن لن يتم إدانته هذه المرة بفضل إعلانه عن القدس عاصمة لإسرائيل.
فضلا عن ذلك، من المتوقع أن يكون ترامب نفسه خارج البيت الأبيض حين موعد نقل السفارة، بسبب نهاية فترتين رئاسيتين (في حال انتقل إلى فترة ثانية). وبالتالي فإنه لن يكون مضطرا، أو موجودا أصلا، لتنفيذ وعده بنقل السفارة إلى القدس. وتماما مثلما ورث ترامب سلفه باراك أوباما، فإن الرئيس القادم سيكون مجبرا على حمل إرث ترامب، بما فيه نقل السفارة، التي سيكون مبناها جاهزا في ذلك الحين.

يضيف الكاتب، لو كان ترامب يريد حقا نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لكان بإمكانه أن يأمر بنقلها إلى مقر مؤقت في القدس في اليوم التالي. كما يمكنه أيضا نقل مكتب السفير ديفيد فريدمان إلى مكتب القنصل الأمريكي العام في مبنى القنصلية الأمريكية الجميل، في شارع أغرون في القدس الغربية. لا يوجد ما يمنع ترامب من اتخاذ مثل هذه الخطوة، وهي خطوة عملية كان يمكن لها أن تثبت جدية نواياه، أكثر من ألف كلمة.

فضلا عن ذلك، لا يوجد أحد في وزارة الخارجية الإسرائيلية يعرف حقيقة فيما إذا كان الأميركيون يخططون لبناء سفارة جديدة أم لا. يملك الأميركيون العديد من الخيارات، فعلى سبيل المثال، وكإعلان نوايا، يمكنهم وضع علامة على قطعة أرض في القدس تفيد: "هذا هو المكان الذي سيتم فيه إنشاء السفارة الأمريكية". لكن ذلك أيضا لم يحدث، ولم يتم شيء أكثر من بيان غير رسمي وجهه ترامب إلى وزارة خارجيته طالبا منها تعيين فريق النقل والبدء فورا في تعيين المصممين والمهندسين المعماريين لمباشرة أعمال بناء السفارة. وفي هذا السياق، قام فريق من الحزب الجمهوري بدراسة عدة مواقع في مدينة القدس، وأصبح بإمكانهم الان تقديم مخطط مناسب لموقع السفارة.

وفي ثنايا بيانه بخصوص القدس، قدم ترامب شيئا ما للفلسطينيين، من خلال ذكره لحل الدولتين، الذي لم يتقدم خطوة واحدة باتجاهه حتى الان. ويضيف الكاتب، على الجميع أن يتذكروا أول مؤتمر صحفي مشترك بين ترامب ونتنياهو، عندما قال ترامب أنه: منفتح على حل "الدولتين، أو، الدولة الواحدة لشعبين". مضيفا "أي شيء يتفق عليه الطرفان". أما هذه المرة، فقد قال ترامب، وللمرة الأولى: "الولايات المتحدة ستدعم حل الدولتين، فقط إذا وافق عليه الطرفان".

كما تلقى الفلسطينيون المزيد من الإشارات في تصريح ترامب، حيث أنه لم يشر إلى أي اتفاق دائم، أو إلى حدود السيادة على القدس في الاتفاق الدائم. مضيفا أن هذه المسائل تخص الأطراف المعنية، وفق الكاتب.
على الجانب الاخر، وجه ترامب ضربة أخرى إلى الفلسطينيين من خلال تجاهلهم تماما، وعدم ذكر تطلعاتهم بأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية. كما تجنب القول بأن القدس ستبقى عاصمة إسرائيل الموحدة، تاركا نافذة معينة لتقسيمها في المستقبل.

ولا شك بأن السؤال المهم المطروح الان هو ماذا بإمكان ترامب أن يفعل وقد أدى إعلانه إلى حالة من الغليان الفلسطيني في كل مكان. كما عبروا عن رفضهم لمبادرة السلام الأمريكية، وأعلنوا أنهم لم يعد في اعتبارهم أن الولايات المتحدة تصلح وسيطا مناسبا. وأمام هذا الوضع، قد تزداد لعبة الشد بين الطرفين، كأن يبادر أو يهدد ترامب عباس بأنه سيواصل دفع الأثمان إن استمر على رفضه.
وقد يخبئ ترامب مفاجأة أخرى للجانب الإسرائيلي، في سياق مبادرة أو صفقة نهائية، قد تتطلب تنازلات من إسرائيل، وفق الكاتب. وعقب إعلان ترامب بخصوص القدس، وإعلان ميري ريغيف بأنها ستحفر اسم ترامب على حجارة الجدار الغربي، لن يجرؤ أحد في اليمين الإسرائيلي على القول بأن ترامب رئيس مناهض لإسرائيل، وسيكونون بالتالي جاهزين لتقبل طروحاته.

وكان نتانياهو على الأرجح أول شخص ألمح إلى تقبل أفكار مستقبلية من فريق ترامب، عندما قال لمصادر حكومية أنه بمجرد أن يقدم ترامب صفقة السلام فلن يكون قادرا على رفضها. ولذلك، فإن نتنياهو وشركائه في الائتلاف يتوقون إلى صفقة ترامب، على الرغم من أن بعضهم يعترف في محافل مغلقة بأن ذلك أمر مزعج، لأنهم يفضلون أن يأتي الرفض من الطرف الفلسطيني.

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية