نادية حرحش تكتب لـ"وطن": تأملات في أحداث القدس

16/12/2017

لا أريد ان اقوم بدور المحلل ولا المنظر بشأن ما يجري من أحداث بالقدس وحول القدس منذ اعلان ترامب عن القدس كعاصمة للشعب اليهودي. ولكن هناك بعض التأملات التي لا بد من التوقف امامها ومراجعتها على الصعيد الداخلي الفلسطيني ، بشقيه المقدسي والاخر (الضفة-ـ غزةـ الداخل ) ،والصعيد الخارجي الدولي ( العالمي والعربي) . ومن ناحية اخرى يجب التوقف امام كيفية تعامل اسرائيل مع الموقف .

هذه المرة لم يتسابق المتفرج الفلسطيني وغير الفلسطيني على اعطاء تسمية لما يحدث : انتفاضة ثالثة او رابعة، هبة... وقد يكون هذا مفاده الى حالة من الحباط المؤكد ، فلقد تعب المتفرة الناشط كما الخامل من بذل الجهد في تحليل موقف سينتهي كما سبقه من مواقف الى اخماد، وسيترت عليه ككل مرة خسارات اكثر في الارواح والمستحقات الوطنية. فلقد وصل حال الوطن في خيباته الى الحضيض. فلم يعد لدى المرء امل يرجي ولا عشم بأحد. وقد يكون الغيب كذلك هو تساؤل الاكثرية في عدم احماء وتيرة التصعيدات كما حصل ايام التصدي لقرار وضع البوابات على الاقصى .

هل يمكن ان تكون قيادات الاحتلال وحلفائه قد راهنوا ان ما يعني ابناء القدس والفلسطينيين هو الاقصى بحد ذاته لا المدينة. فما يغلب على حراك الناس هو حراك عقائدي ديني خالص. والا فكيف تباطأت الجموع الدفاع عن تسريب اراضي الكنيسة ؟ اعترف انني لا اريد تصديق هكذا تحليل . ولا اريد  الخضوع لهكذا حراك عقائدي لا وطني. فسيكون الوضع بجد مؤلم ، لو ان الجموع التي احتشدت اسابيع التصدي للبوابات على مداخل الاقصى ، لا ترى ان الخطر الذي حدق حينها على الاقصى هو نفسه بل اعظم عندما يطال التهويد الرسمي للمدينة تفعيله الدولي.

الا ان المشهد بالقدس على الرغم من بساطته يؤرق الاحتلال وينغصه ويجعله يقف متأهبا . ما الذي يزعجهم جلوس الناس على ساحة باب العامود ؟ هل تحولت الساحة الى مدخل الانتصار وعنوان السطوة على المدينة ؟ قد تكون كذلك . ولكن ، بينما ينشغل الاحتلال في قمع التجمهر واغلاق المنطقة ومنع الجلوس. لماذا لا يفكر الفلسطينيون بتغيير وجهة وقفتهم الى مكان اخر؟ لماذا لا نقف امام مدخل باب الخليل ؟ او باب الجديد؟ الحقيقة ، ان الوقفة هناك قد تكون اكثر تعبيرا في ظل الانتهاك المعلن عن يهودية المدينة . لماذا لا نستغل نحن الفلسطينيون بالقدس تحديدا مناسبة الاعياد المجيدة ونحول الانظار الى ابواب القدس ، كباب الجديد الذي اضيأت منه شجرة العيد . لقد كان المشهد مبكيا اقرب الى المخزي ، عندما اضيأت الشجرة وتجمهر المحتفلون بينما كان الناس يضربون على بعد مئات قليلة من الامتار بباب العامود. الصور المتداولة من الحتفلين بنفس اللحظات التي كان يتم تداول فيها مشهد ضرب الجالسات على درجات باب العامود كان مشهدا محزنا ومجحفا ، بحق اولئك الذين عانوا البرد وجلسوا وتلقوا الضربات والحبس ، واولئك الذين اكملوا مشوارهم الى ماميلا لشرب الكابتشينو بمقاهي اسرائيلية.

حالة تغييب الوعي هذه ، هي المأساة الحقيقية . والمشهد يتكرر في كل مكان اخر. بينما يتلقى الشبان الضرب والقتل والاعتقال على مشارف البيرة ، تعيش وسط رام الله وكأنك في مدينة اخرى . تتداول المواقع نفسها حتى احتفال رام الله بمبدعي الغربة او لا اعرف ماذا. نعيش وكأننا في اقطاب متنافرة ، ثم نجلس امام شاشات الكمبيوتر ونلعن الاحتلال ونبكي كذبا على الشهداء.

شهيد الامس الذي عكس مدى الاعاقة التي نعيش بها نحن الشعب . كم القوة والعزيمة التي خرجت من جسد ذاك الرجل القعيد ، اكد ويؤكد ان بتر الارجل اقل ضررا من بتر الوعي واعاقة العقل.

بينما يصرخ ذاك الطل بكلماته في لقاءات تلفزيونية ، يقول بوجه امريكا لا ... نكتشف ان الفيلم المسجل له كان بدعم امريكي. انحراف حقيقي حتى في نقلنا للخبر او صناعته. هل توقفت المشاريع الممولة من امريكا حتى ولو بالظاهر منذ اعلان ترامب ؟

لن تتوقف لأن ترامب يراهن، كما يراهن حليفه السعودي ، اننا شعوب تشترى بالاموال القليلة.

نسب ونلعن السعودية ، نروج لمنتجاتها. لا نزال نشاهد شبكات ال ام بي سي والعربية وغيرها صاحبة التمويل الذي يكرس شاشاته للسب علينا . لن افكر حتى بالرهان على ان الناس ستقاطع الحج في العام القادم احتجاجا على الاقل على سفك السعودية للدم العربي وهدرها للحق الفلسطيني بالقدس.

وعلى الارض، لكل اولئك الناشطون بالساحات من وقفات ومظاهرات .عندما حصل حراك الداخل بعد اسبوع من اعلان ترامب ، كان المشهد اقرب الى الخزي كذلك ، بأن ترى العربي الفلسطيني يقف احتجاجا امام سفارة امريكا باسرائيل ، أي مغترب او اسرائيلي محتج. كم تبعد القدس عن طريقكم لتأتوا وتتضامنوا مع اهلها .

مظاهرة في سخنين حاشدة هو اكثر ما يمكن للعرب بالداخل ان يقدموه بعد اسبوعين من اعلان ترامب؟

اقول كلماتي هذه ، اتذكر ان هناك جلسة لمنظمة التحرير والمجلس الوطني لا تزال في طور التحضير للانعقاد.....

بينما تبقى اساليبنا في ردود الافعال هي نفسها .لا تتغير ولا تتبدل ولا تتجدد. نرى الاحتلال يتفاعل ويتطور ويتجدد. استخدام العنف المفرط والاعتقال بدل القتل هو احد التغييرات الملفتة بتعامل قوات الاحتلال المختلفة بالقدس. تصوير المتظاهرين والاحداث، هناك جندي يقنص واخر يأخذ الصور الى جانبه. استفحال التواجد من قبل المستعربين ضمن صفوف المتظاهرين على مداخل البيرة ، والقتل بلا تردد للمتظاهرين يشكل تغييرا مهما في اساليبهم. هم يخشون القتل في القدس واثارة ردود الفعل كأثر، ولكنهم يعرفون ان القتل بالضفة لن يرتب عليهم اي التزام او اكثر ، لن يترتب عليه ردة فعل تتعدى محيط المكان . وفي غزة ، حدث وا حرج ، فقتل الغزي هو عمل بطولي للمتدربين من هؤلاء القتلة.

وعودة الى القدس ، وبعد حصر الاحتجاجات في محيط باب العامود وشارع صلاح الدين ، واستخدام الجنود والشرطة من العرب ليكونوا بالواجهة ، ربما لتقليل القتل وزيادة الاحتقان . فتري الجندي المدجج بالسلاح على اطراف باب العامود يتكلم بالعربية محاولا استقطاب المارة للتسلية. فلكم تخيل هذا الشعور ، شعور قاسي ومجحف ، لا تكاد تميز  من هو عدوك .

من الجيد ان نبقي التواجد بالقدس . من المهم ان لا نوقف حراكنا نحو المدينة . ولكن ، اليس من الاجدى تصعيب الحياة علي المحتل المستكين وراء ثكنته بينما يمنع الجلوس على باب العامود؟ لماذا لا نتوجه الى باب الخليل ، باب الجديد؟

متي سيكون الوقت لنشهد حراكا شبابيا قياديا بالقدس؟ لماذا لا نخرج الى مستوى الحراك الشعبي الممنهج بقيادات شبابية من تلك الشابات الباسلات واولئك الشبان المتصدين للجنود بصدور عارية؟ هؤلاء هم من يفهمون معنى وطن يسلب من وجدانهم . لا نزال ننتظر القائد المخلص. لن يأتي قائد، ولن يكون خير في اي وجه عرفناه والفناه منذ اوسلو او حتي من مخلفات الانتفاضة الاولى . نحن اليوم نقف على عتبات تغيير حقيقي. تغيير لوجه المدينة وهويتها ، ولم يبق الا من لا يزال ينتصر لحقه ولوجوده بهذه المدينة.

للحق قوة .... والقوة بلا جماعة تسحق.