خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": صيصان تجربة

18/12/2017

نحن باختصار في نظر الاحتلال ... صيصان تجربة .. ليس أكثر .
وبالمشربح .. طالما أن الغطاء الجوي فوق أرضنا لا نستطيع حمايته، فان أصغر طائرة حربية احتلالية لو "عطست" لكان ذلك كافيا لالحاق الأضرار الفادحة بالأنفس والممتلكات، فكيف لو "ضرطت" أجلكم الله.
لقد نفذ الاحتلال الاسرائيلي منذ أيامه الأولى عمليات محاكاة عسكرية (Military Stimulation) علينا بالاضافة الى اخضاعنا لتجارب في التطبيقات النفسية وراكم على تجاربه هذه من الخبرات العملية الميدانية التي جعلته المتربع على امبراطورية التعامل مع حراك الجماهير.

لم يكن في يوم من الأيام التعذيب الجسدي للمعتقلين الفلسطينيين أشد ايلاما وأبعد تأثيرا واطول امدا من التعذيب النفسي. لذلك خضعنا جميعا وأقصد كل من اعتقل من بيننا الى عملية تعذيب نفسي ممنهج ومدروس قام الاحتلال بتطوير أساليب تعذيبه وفقا لمستخلصات هذه التطبيقات علينا أثناء التحقيق فكنا ( بالنسبة للاحتلال)  صيصان تجربة في هذا المجال.
منذ بدء الاحتلال، جرب الاحتلال علينا كافة أنواع قنابل الغاز، كما وجرب الرصاص الحي والمطاطي وقام وفقا لمعطيات هذا الاستخدام بتطوير أسلحته لتستجيب وردود الفعل المختلفة.

في الانتفاضة الأولى مثلا .. أقام الاحتلال السواتر الترابية والبراميل الاسمنتية عند مداخل القرى وفي أزقة المخيمات ، الى أن أدرك أنها أيضا تعيق حركته ويستخدمها أطفال الحجارة كوسيلة للاحتماء عند امطار جنود الاحتلال بالحجارة، فطور الاحتلال من آلياته العسكرية بحيث قام بتركيب جرافات بسيطة أمامها تجرف في طريقها كل ما يعيق عجلاتها، وطور دورياته العسكرية بحيث غلفها بما يقيها من ضربات الحجارة.

لم تسلم جثامين الشهداء من اجراء التجارب وأخذ الأعضاء لآغراض علمية باعتراف صريح قبل سنوات من الدكتور أيهودا هيس الذي كان يشغل ( بين الأعوام 1988-2004) رئاسة معهد الطب الشرعي الاسرائيلي المعروف ب " أبو كبير". ففي مقالة لآليسون وير في تشرين ثاني 2009 نشرت في(Washington Report on Middle East Affairs
November 2009, Pages 15-17 ) حملت عنوان ( Israeli Organ Trafficking and Theft: From Moldova to Palestine ورد أن صحيفة يدعوت أحرنوت الاسرائيلية قد نشرت في العام 2000 تحقيقا قالت فيه بان الدكتور أيهودا هيس قد قام بنزع أعضاء أموات دون موافقة العائلة بهدف بيعها لمراكز طبية ووجدت جهات قضائية اسرائيلية في العام 2001  أن ذلك قد حدث بالفعل.
في أكثر من عدوان تم بحق قطاع غزّة، وطالما أن قوة الاحتلال تملك الغطاء الجوي، فقد نفذت تجارب ميدانية باستخدام شتى أنواع الأسلحة التي طورتها وقامت بعدها باجراء الدراسات عقب التطبيقات الميدانية لتطوير أسلحتها، بل وتصدير تجاربها الى بلدان العالم التي تريد أن تقمع شعوبها.

لم يكن مستغربا أبدا أن اسرائيل قد عرضت خدماتها في قمع المظاهرات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي فيما سمي زورا " بالربيع العربي" بل وعرضت تجارب محققيها في التحقيق وانتزاع المعلومات وتدريب القوات الخاصة، كيف لا وقد طبقت كل ذلك علينا وكنا على الدوام " صيصان تجربة".

ان القوات الخاصة الاسرائيلية وبضمنها مجموعة " المستعربون" أيام الانتفاضة الأولى قد شاخت وهرمت سنا، ولا بد من ايجاد عناصر شابة أكثر لياقة وتأهيلا ومن الضروري أن تمر بتجربة ميدانية، وجدت اسرائيل فرصتها في الهبة الجماهيرية الأخيرة عقب الاعلان الآمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.

فهل تظنوا أيها الأحبة أن قوات الجيش الاسرائيلي الرسمية بملابسها العسكرية غير قادرة على ملاحقة الشبان واعتقال البعض منهم لتدفع بعناصر من المستعربين للتغلل بين الشباب والقاء القبض عليهم ... انها ببساطة تقوم بعمليات تدريب ميداني لعناصرها الجديدة غير المدربة الا في ميادين التدريب عبر أساليب محاكاة تعكس الواقع، كان لا بد من تجذيرها بممارسة على الأرض وتطبيق عملي من مسافة الصفر . تماما كمن يدرس الطب أو الهندسة بحاجة الى تدريب عملي.
يزداد الطين بله كما يقولون عندما يقدم الكثير منا خدمة للاحتلال بالتقاط الصور ومنها الشخصية (السلفي) في الفعاليات المناهضة للاحتلال ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة فتشكل بذلك مادة غنية لسلطات الاحتلال لاجراء الدراسات واستخلاص العبر والنتائج واستخدام هذه الصورة في عمليات الاعتقال.

اسرائيل تتربع (وبلا منازع) على عرش امبراطورية الدراسات الاستراتيجية المتعلقة بالقمع والتنكيل الجماعي والفردي وبتطبيق هذه الدراسات ميدانيا على الشعب الفلسطيني برمته وبتطوير هذه التطبيقات بحيث تتصدى لردود الفعل المقاومة الفردية والجماعية ومن ثم تعميمها كتطبيقات ناجحة بحق الشعوب المضطهدة في كافة بقاع المعمورة.
كل شىء يحمل في ذاته ضده ، حقيقة لا يمكن دحضها، صوص التجربة أيضا يتسلح جيله بمناعة ورد فعل مقاوم حتى لو تأذى هذا الصوص أو صار تحت التراب، صوص التجربة يترعرع ويصبح ديكا ... وينطبق عندها المثل القائل " ان كنت ريحا .. فقد لاقيت اعصارا".