نادية حرحش تكتب لـوطن: عام الهزل السياسي ... والشعبي

01/01/2018

نودع العام مع كل ما حمل معه من إنجازات وإحباطات. كلها بإيجابياتها وسلبياتها من صنيعنا.  وان أردنا تقييم الحال فلا يتراءى الى ذهني الا عبارة تحوم في الارجاء، تشكل ما يشبه الضباب صبيحة يوم لا يفهم منه بردا او دفئا . "عام الهزل السياسي والشعبي".

فلم تعد المصائب تؤثر فينا ، على الرغم من كارثيتها. ولا يوجد ما يمكن ان نسميه إنجاز او استحقاق . عبثية الموقف هي سيد الحال .

وقد يقول قائل : هناك معاهدات واتفاقيات دولية وقرارات اممية انضمت إليها "فلسطين" خلال هذا العام اقترب من العشرين، اليست هذه إنجازات تذكر ؟

كان لنا من الساحة الدولية مساحة أخيرة لخوض معركة دبلوماسية وحقوقية استنفذتها السلطة، وتأكدت من انها لن تستخدم، ولن تنفذ، وشكلت عن قصد او جهل ،وسيلة للتأكد من عدم التعرض لإسرائيل : وكأن هذه السلطة ليست الا وجها من وجوه اسرائيل المختلفة المسخرة للاستخدامات على حسب الحاجة. وجه خانع،غير مؤثر، يصنع الكثير من الضوضاء لا يستمع له احد ولا يكترث.

ضوضاء هذا العام تختتم في عدة مواضيع محزنة ، مؤسفة ومؤثرة ( عكسيا).

بيان المثقفين بشأن القدس وتصريح ترامب ، وكأن هذا المثقف يتربع على عرش تحته ارض يعيش بها العوام ، يصدق بها انه في عهد الخلفاء والسلاطين ، متناسيا ان المثقف في العهود السابقة كان صانعا للقرار مؤثرا به ، تجتمع حوله علية القوم لما يتمتع به من علوم وفكر ودهاء متفرد . مثقفنا اليوم سقفه أوسلو وساحته لا تتعدى خارطة طريق ترامب، وعلومه كلمات فسطائية مجمعة على قارعة المقاهي وفي زحام الفراغ . بدهاء أو غباء كان البيان صفعة حقيقية لما تبقى من ثقافة لمدعيها، المأساة انه تم من خلاله زج اسماء عربية محترمة ، ذنبها الوحيد انها تؤمن بقضية فلسطين .

عهد التميمي ، الصبية الجميلة التي تحولت الى أيقونة شعبية ، غلبنا فيها الاحتلال مرة اخرى واستخدمها عن طريقنا بغبائنا الجمعي لتخدمه . بين مشهد تاريخي كانت فيه الطفلة الشقراء تبكي وتركض وراء والدتها التي أخذت بجيب عسكري، ونفس الطفلة تعض العسكري المحتل مدافعة عن اخيها من يد المتعدّي الغاشم. كانت الصبية الفتية وهي تلاحق الجندي الذي بدا عاقلا هادئا وصفعته قد كسرت بتلك اللحظة كل ما كان لها من تاريخ قد اثر في عيون المشاهد عبر السنوات . وبقدر ما اثرت بالنفوس حينها تعاطفا ، خلقت نوعا جديدا من التعاطف ، ولكن هذه المرة مع المحتل .

ما الذي تركه المشهد في عقول الآخرين الذين نسعى للتأثير عليهم ؟ هذا هو السؤال .

وما الذي سيجري لهذه الجميلة القوية اذا ما تم الحكم عليها وتعرض شعرها الجميل للحلاقة كاول فعل تلقائي في غياهب المعتقلات والسجون ؟ كم ستخسر فلسطين او ستكسب من اعتقال لفتاة او شاب اخر من اجل اعلام لا يقدم الا سبقا صحفيا مؤقتا. ستنتهي التصفيقات والتهويلات عند اول قصة مثيرة جديدة ... وقصصنا كثر !!!

في مجتمعنا تقتل النساء ولا نكترث للقاتل الطليق. جريمة نيفين عواودة لا تزال تهز مضاجعنا ولكننا ننام في سبات . جريمة أداتها ملقط حواجب وفديتها تكريس للقبلية واستهزاء بالانسانية ، وانتهت .... ما الذي ستجنيه عهد وهي في السجون ؟ سيتلهف المحامون للدفاع عنها لينالوا قسطا من الشهرة ؟ سيحمل والدها صورتها في جولة جديدة هذه المرة ويسب على الاحتلال الذي لم يترك قريته ؟ ثم ينال شرف كتابة مقال في هآرتس "الصهيونية" ليسب على الاحتلال؟

سيعلق احمد طيبي صورتها في الكنيست بمسرحية هزلية جديدة تشفي غليلنا نحن العوام، بينما يسب على عضو كنيست اخر؟

المقاومة السلمية التي قدمها والد عهد وعائلتها انتهى مفعولها . ولم ينتبه الى ذلك والدها ولم تكن الطفلة التي كبرت لتصير امرأة يافعة ،لتعي ان الصياح وملاحقة الجندي امام الكاميرا وصفعه ستتحول الى جريمة يوثقها والدها . العنف الفلسطيني بكل الأشكال حتى الاشقر منه ، امام الجندي الاسرائيلي المسالم !

لماذا لم يهب الطيبي وغيره بالدفاع عن الام التي هبت مدافعة عن ابنتها عند باب العامود ؟ او الأطفال الذين تم سحلهم وزجهم في المعتقلات في الأحداث الاخيرة للقدس وغيرها ؟ لماذا يظهر كل هؤلاء فقط امام الاعلام والكاميرات ؟

الطيبي وغيره الذي يقف على منصة الكنيست وكأنه حرر فلسطين !!! انت تقف تحت قبة "الصهيونية" على منصة رفعت فيها الولاء لهذه الدولة الصهيونية ، كل ما يصدر من العرب هناك ليس الا طريقة اخرى للدعاية لإسرائيل الديمقراطية .

يا لها من دولة !!!!! جنودها يصفعون من الفلسطينيات الشقراوات ، ومجلسها التشريعي يتم طرد اعضائه اليهود من قبل العرب !!!!! وهناك في المقابل مزرعة متوحشة يقطنها باقي الفلسطينيين ، تخيلوا كم الوحشية من أولئك غير الشقر وأولئك غير أعضاء الكنيست !! ما تفعله اسرائيل في المحصلة مجرد دفاع عن النفس امام هذه الوحشية الهمجية !!!

بين عهد التي ذهبت ضحية اعلام يقوده والدها على الطريقة الغربية التي غررت به وبها، وجعلت من المقاومة مشهدا مسرحيا هزليا ... وبين الطيبي وامثاله من "الصهاينة" بلسان عربي ضوضائي سليط غير مؤثر ... وبين اتفاقيات ومعاهدات اممية لا تقدم ولا تؤخر ...وبيان هزيل تحت اسم مثقفين يضيع ما تبقى من قضية .... تطلق تحت اسمها الأحزاب في انطلاقاتها طلقات فارغة مدوية ...

ويبقى تكسير ونهب شجرة عيد الميلاد لا يشكل الا تعبيرا واقعيا عن حال محال..