القتل على سياج "سجن غزة" الكبير

03/04/2018

ترجمة خاصة-وطن للأنباء: نشر موقع "واي نت" بالإنجليزية مقالا لحجاي إلعاد، المدير التنفيذي لمركز "بتسيلم"، (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة). تناول الكاتب، وبشكل يميل الى السخرية، المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال على حدود قطاع غزة، الجمعة الماضية، حيث قال "...يبدو ان الفلسطينيين هم المخطئون لأنهم عبروا امام رصاص الجيش...":

يعترف القادة في إسرائيل، بحقيقة أساسية تتعلق بالحياة والموت لشعب اخر، وهي: أن استمرار إسرائيل في سيطرتها  المستمرة على الملايين من الفلسطينيين أمر غير ممكن دون التورط في ارتكاب جرائم حرب. فالقتل والدماء هما المعنى الحقيقي للسيطرة على شعب آخر، لان الأمر لا يتوقف في هذه الحالات على مجرد الاستيلاء على أرض ذلك الشعب فحسب، وفرض نظام قاس من الأسياد والعبيد، وإنكار الحقوق السياسية للمحكومين. كما لا يعني ان يتم حكم هؤلاء الناس من خلال بيروقراطية قمعية لا تنتهي. ومرة أخرى، ان السيطرة على شعب اخر تعني كل ما سبق، بالإضافة الى التورط في عمليات قتل متكررة لا تتوقف الا بانتهاء تلك السيطرة.

وفي هذا السياق، وجد زعيم حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، نفسه يقول في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الامريكية-عندما كانت إسرائيل تقوم بقتل المئات من الفلسطينيين بشكل عشوائي، في عمليات القصف "الجراحية"، خلال العدوان على قطاع غزة، في صيف العام 2014-أن "حماس تقوم بعمليات ابادة جماعية واسعة النطاق".

هكذا ناقش بينيت بالفعل الآثار المدمرة والكارثية لاستخدام إسرائيل أساليب القوة المفرطة ضد قطاع غزة في ذلك العام. ومن الواضح انه حاول أن يجعل الجريمة مقبولة بين الناس من خلال القاء اللوم على الضحية كما نفعل عادة. لكن عدم إدراكه لحجم إراقة الدماء، والعدد الكبير من الشهداء الفلسطينيين، يعكس حجم الهوة بين بينيت، وبين الواقع الذي يعيش فيه.

وفي شهر كانون الأول 2017، تناول رئيس وزراء إسرائيل السابق، ووزير جيش الاحتلال السابق، إيهود باراك، نفس الموضوع، محذرا من ان "محاولة تنفيذ حل الدولة الواحدة ستؤدي إلى وضع يقوم فيه بعض افراد جيش الاحتلال، وجهاز الشاباك بالعصيان عن تنفيذ أوامر يعتبرونها غير قانونية".

وفي يوم الجمعة، 30 اذار 2018، حدث ما حدث. وتلقى الجنود أوامر عسكرية غير قانونية، صدرت عن رئيس الأركان نفسه، الذي فشل في إدراك المخاطر التي نوّه اليها باراك. حيث ان الجنود على حدود قطاع غزة أطاعوا أوامره، فأصيب المئات من الفلسطينيين بنيران حية، بعد ان تم استهدافهم على مدى ساعات عدة. وقد كان حجم الخسائر واضحا لدى القيادة السياسية والعسكرية في دولة الاحتلال. لكن أحدا لم يوقف أوامر القتل، حتى مع علمهم ان حجم الإصابات في صفوف الفلسطينيين وصل الى (100) بين شهيد جريح. كما لم يوقفوا أوامرهم مع علمهم ان الإصابات بلغت (1000) بين شهيد وجريح.

وكالعادة، أعلنت الدعاية الرسمية الإسرائيلية أن حماس هي المسؤول عن كل شيء. تماماً مثلما أعلنت حماس مسؤولية إسرائيل عن إبادة عشرات العائلات واستشهاد مئات الأطفال والشباب خلال القصف الإسرائيلي لغزة في العام 2014. وفي ذلك الوقت، تفوق الناطق بلسان جيش الاحتلال على نفسه في الدعاية والترويج للعدوان الإسرائيلي على القطاع. فقد تباهى في تغريدة على تويتر (تم حذفها لاحقًا) بالقول: "لم تحدث اية أخطاء، ولم يتم تنفيذ أي شيء خارج عن نطاق السيطرة، وكل شيء كان دقيقًا، وكان خاضعا لمقاييس عمل معينة، ونعرف أين سقطت كل رصاصة أطلقها الجيش في غزة".

وقد قام الاحتلال بحذف تلك التّغريدة، وأنكر أقوال الناطق بلسان الجيش. لأنه ان لم ينكرها، يعترف بان تغريدة الناطق صحيحة، مما يعني ان كل المجازر وقعت عن قصد.

ويضيف الكاتب، متهكما، ان من الواضح جدا ان رصاصاتنا "الذكية"، التي اصابت مئات الفلسطينيين، بين قتيل وجريح، كانت تفرق بين المتظاهرين السلميين لتحديد أي منهم كان يشكل خطرا على حياة جنود الاحتلال، كي تصيبه وتتجنب المتظاهرين "غير الخطرين" على حياة الجنود. لا يمكن لهم ان يقنعوا أحدا بانه لم يكن هناك أي إجراء آخر، لتجنب الإصابات القاتلة الكثيرة في صفوف المتظاهرين. حتى تلك النيران التي أطلقت من مسافات بعيدة، تم تصويبها بدقة، وكانت قاتلة. وما هو التفسير للكثير من الاصابات في الظهر، والتي نتجت عنها حالات وفاة او اصابات حرجة. وما التفسير للكثير من الإصابات التي اظهرتها الكاميرات لمتظاهرين أصيبوا بينما كانوا يسيرون مبتعدين عن الجنود، وليس مقتربين باتجاههم.

ان إسرائيل لا تقوم بقتل الناس فقط، بل بقتل الحلول. فعند الحديث عن حل "الدولة الواحدة"، يمكن لأي شخص ان يلاحظ ان إسرائيل لا تحاول "تحقيق أجندة الدولة الواحدة". لان "الدولة الواحدة" ليست أجندة او خطة، انها حقيقة قائمة بالفعل، على حساب حل الدولتين.

ولا يعتبر عناصر الجيش والشاباك في دولة الاحتلال الوحيدون الذين يدركون ان إسرائيل لا تعمل لإنتاج حل "الدولة الواحدة"، لان الدولة الواحدة قائمة بالفعل. بل ان القضاة، وموظفي الخدمة المدنية، والناخبين، والسياسيين في دولة الاحتلال يدركون تماما ان حل "الدولة الواحدة" قائم ويجري تنفيذه بالفعل، سواء تم الإعلان عن ذلك، ام لم يتم.

تدار "دولة غزة الواحدة"، من الخارج وكأنها سجن ضخم، يديره السجانون. وبالتالي، يحدد حراس السجن مقدار الكهرباء، والماء، والطعام، الذي يمكن ان يصل الى ما يقرب من مليوني شخص يعيشون حياة تشبه "حياة الأموات".

وتحت هذه الظروف، تقوم إسرائيل باستخدام النيران الحية ضد الحشود السلمية، فهي ترى انه لا يحق لهؤلاء السجناء الاحتجاج على سجنهم، ولا على ظروفه. كما تعتبر ان يأسهم هو خطأهم، وان اصابتهم وموتهم هي مسؤوليتهم وحدهم.

وبالملخص، يبدو ان لسان حال دولة الاحتلال يقول: "لم تسفك أيدينا تلك الدماء، والمتظاهرون هم من عبروا امام رصاصنا".

لقد كان يوم الجمعة، 30 اذار 2018، يوما داميا بامتياز. وبالمقابل، أصبحت إسرائيل، ومنذ فترة طويلة، على خبرة ممتازة في تبييض الجرائم والأيام الدموية التي ترتكبها. فليس من المجدي ان نتوقع أي تحقيق. وعلى فرض انه جرى التحقيق، من المؤكد انه لن تكون هناك مساءلة في نهاية المطاف. ولن تكون التحقيقات الا مجرد مرحلة روتينية تنتهي بتبرئة القاتل.

وستُظهر إسرائيل في النهاية ان المتظاهرين الفلسطينيين هم من قتلوا أنفسهم بأنفسهم.

ويتساءل: يدرك معظم الناس، وبدون تحقيقات، ان اعمال القتل هذه تمت على يد جيش الاحتلال. وإزاء ذلك، ماذا يمكننا أن نفعل حيال هذا العار؟

ويخلص الكاتب الى القول: "تقتضي عملية السيطرة على شعب اخر فترات من القتل والمذابح. ولا شك بان المزيد من الأيام الدموية تنتظرنا".

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية