خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق

07/05/2018

يقول لي رفيقي الطبيب أن ممرضة تعمل أكثر من 15 عاما في مؤسسة قد خيّرت بين تخفيض راتبها وتحويلها الى وظيفة إدارية وبين أن يتم فصلها من العمل.

فما كان منها إلا أن إتصلت بنقابتها حيث تلقت إجابة صادمة مفادها أن هكذا قضايا يجري النظر بخصوصها في وزارة العمل بما معناه " أن النقابة قد كنست يديها من الموضوع".

قال لي رفيقي الطبيب " إذا ما الداعي لوجود النقابة، لماذا لا تكتب عن ذلك".

صدق الطبيب فيما ذهب اليه، فإذا كانت النقابات بشكل عام والنقابات المهنية بشكل خاص لا تدافع عن أعضاءها فما الداعي لوجودها، هل لنقول أن لدينا نقابات وهل لأجل الحصول على " كراسي" وتسجيل أن هذا الفصيل أو ذاك قد سيطر على قيادة هذه النقابة أو تلك؟

وحيث أننا لا نريد أبدا أن نترحم على أيام زمان، عندما كان للنقابات العمالية والمهنية كلمتها، وعندها جمعت بشكل خلاق وحافظت على معادلة موزونة بين النضال الوطني التحرري لكنس الاحتلال وبين النضال الطبقي لتحصيل حقوق العمال والمهنيين من أصحاب رؤوس الأموال، لا نريد أن نترحم على ذلك كله لأننا نريد أن ننظر الى الأمام، إذ ليس لنا أي خيار ( ولا حتى فقوس) إلا المضي قدما الى الأمام.

قانون العمل الفلسطيني المتقدم الى حد ما عن بعض القوانين المماثلة في بعض الدول المجاورة يحتوى على نص أو مادة تعطي مجالا للمناورة لكل صاحب عمل أو مدير مؤسسة للإنقضاض على حقوق العمال، وأقصد بذلك المادة (41(  التي ورد فيها أنه " يجوز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل لأسباب فنية أو خسارة اقتضت تقليص عدد العمال مع احتفاظ العامل بحقه في بدل الإشعار، ومكافئة نهاية الخدمة، شريطة إشعار الوزارة بذلك".

عندها يضع صاحب المؤسسة العامل بين المطرقة والسندان، وفي حالتنا فقد خيّرت المؤسسة " وبذكاء" وبعد أن إستشارت محاميها ، الممرضة بين أن تنتقل الى وظيفة إدارية بنصف الراتب تقريبا أو قليلا أكثر وبين أن تجلس "في البيت"، وبطبيعة الحال فإن هذه الخطوة هي الخطوة الأولى في مسلسل التنكر لحقوق ومكانة الممرضة في الوقت الذي يأتيها رد من نقابتها يطلب منها التوجه الى وزارة العمل.

ولنفترض جدلا أن الممرضة قد توجهت بالفعل الى وزارة العمل التي ستتبع تسلسلا إجرائيا يبدأ أول ما يبدأ بمخاطبة المؤسسة التي تعمل لديها الموظفة، وبالطبع فسوف يغضب ذلك قيادة المؤسسة ويبدأ مسلسل التلويح والتهديد المبطن " وربما المعلن" للموظفة وقد تتم عملية "فبركة" ملف الموظفة – بأثر رجعي - بأن عملها لم يكن جيدا  وإنضباتها الإداري والوظيفي كان متدنيا وفي ذات الوقت سوف "ينبري" (عجبتني ينبري هذه من براية) محامي المؤسسة لتسطير كتاب قانوني لوزارة العمل مستفيدا من نص المادة (41) مبررا الإجراء بمقتضيات العمل مشددا على أن المؤسسة سوف تدفع كامل أتعاب الموظفة دونما إنتقاص وتنهي عملها وقد تتعاقد معها بوظيفة جديدة وراتب جديد، وكل ذلك له صبغته القانونية، أمام التصفيق المنقطع النظير من النقابة التي تمثل هذه الممرضة، وبالطبع رضوخ وزارة العمل وتسليمها بذلك لوجود هذا النص القانوني اللعين.

ولنفترض جدلا أنها ستلجأ الى القضاء الذي كما علمت يوما ما أنه قد أعطى تعليمات مشدده بالتسريع بالنظر في القضايا العمالية، إلا أن التجربة العملية للعديد العديد من المفصولين قد دلت على أن أقل مدة للبت في القضايا بواقع عامين من الزمن، " يتنطح " (عجبتني هاي أيضا) محامي المؤسسة في إطالة أمد القضية لدرجة تصل فيها الممرضة للطلب من محاميها ( الذي بالطبع سيتقاضى أجرا أو نسبة من التحصيل) حل النزاع وديا "تشفط" فيه المؤسسة جزءا لا يستهان به من إستحقاقات الممرضة، ويأخذ محامي الممرضة بعضا من الجزء المتبقي بحيث " تطلع الممرضة مقشرة بصل".

نحن بحاجة الى حالة إستنهاض طبقي أمام غطرسة رأس المال وغطرسة المؤسسة وبطء الاجراءات القانونية وأول ما يبدأ بالتنظيم النقابي داخل المؤسسة ذاتها وبحركة رافضة من زملاء هذه الممرضة، لأن السماح لإدارة المؤسسة بتطبيق إجراء بحق موظف أو موظفة سيؤدي حتما الى إمعان الإدارة في المضى قدما بإجراءاتها التعسفية أمام صمت الزملاء، وعندها يقول من تقاعس يوما " أكلت يوم أكل الثور الأبيض" فمقصلة الفصل سوف تصل الى حد عنقه.

وصدق المثل الشعبي القائل " قطع الأعناق ... ولا قطع الأرزاق" في زمن تتنامى فيه عملية قطع الأعناق وألأرزاق لدرجة أنه لن يكون مسموحا لنا  مستقبلا " أن نتنفس".