نادية حرحش تكتب لـوطن: ليلى... بأي ذنب قتلت؟

16/05/2018

تملأ الصفحات أسماء وصور شهداء العودة، تحكي قصصاً لحياة كانت بالكاد تبدأ، أحلام وتوقعات، آمال وطموحات بالكاد ترى افقاً خارج حدود الحصار من كل الاتجاهات.

لوم وتساؤلات، عتب ومطالبة بمسؤوليات.

بين من يحمّل المسؤولين في غزة وزر القتل والذبح الحاصل، وبين من يتساءل عن سلاح المقاومة، يبقى الضحايا من الجرحى والشهداء هم أسياد الموقف.

هناك من يروج لفكرة ان ما يحدث من تعريض الابرياء للقتل ليس الا محاولة لفضح الاحتلال وبالتالي ما يجري من قتل يتحمل مسؤوليته اولياء الامر في البلاد.

وهناك من يروج في صحافة أخرى ان جيش الاحتلال يقتل اولئك المدججون بالسلاح من المصطفين على الحدود الشائكة، وهناك منهم من يروج بأن اولئك قد تم الدفع لهم مسبقاً من اجل ان يموتوا.

والحقيقة لا ارى فرقا بين اعلام يحمل القيادة في غزة المسؤولية عن قتل المتظاهرين وبين اعلام يحمل القتلى والجرحى المسؤولية عن قتلهم.

كعادة الحروب المستمرة هناك حسابات تدفع من قبل الشعب وتؤخذ من قبل اصحاب القرار، ولن تختلف هذه المرة. أتساءل ماذا كنت لأفعل لو كنت بغزة ؟

لو كنت أحمل حلم العودة، لا للعودة تحديدا ولكن من اجل حلم الحراك. وتلك العودة حق لمن يفتقدها، فلا أشك بكم مرارتها والشوق لها من اصحابها . ولكن لو كنت في غزة فيكفيني ان اسعى واهرول من اجل فك حصار غاشم سلبني كل امكانيات الحياة.

هل نريد للمقاومة الاشتباك بالسلاح بينما يقتل الاحتلال الناس وهم عزل بلا هوادة؟

ألن نسمي هذا الاشتباك تضحية مباشرة بالمزيد من الارواح ؟

اليس في عالم السياسة حسابات تفوق ما نراه نحن اولئك الاجساد المسخرة لبذل ذاتها من اجل الوجود الاكبر.... حالنا مؤسف لان قضيتنا المقدسة من اجل حق ظاهر وواضح مدنسة بأيدي قيادات مرتزقة وشعب على الطرف الترف يظن ان التحرر يأتي على قوافل صلاح الدين . ولكن هذا ايضا ليس بغريب عن التاريخ.

ما يحدث في غزة هو تاريخي. ليس لأن اهل غزة ارخص ارواحا او ابخس ثمنا، وعليه فهم لا يعبأوون للحياة  ولكن لأن ما يجري بغزة هو تحدي حقيقي وتصدي لقمع احتلال غاشم.

عدونا واضح ومباشر. والمشهد لا يحتاج الى تبرير.

عندما ننفي الحق في المسيرات السلمية نحو حدود هي حدودنا ونحو بلدات هي بلداتنا، فيجب عدم الاستغراب من نفي هؤلاء اجسادهم الحاجة للحياة.

ما يجري يغزة مواجهة مباشرة مع الطغيان، تحول الى بطولات لا تحصى لان كم الظلم والقهر والبطش لا يحتمل ولا يصدق.

بأي ذنب يقتل هؤلاء الاطفال؟

هؤلاء الشبان والكبار؟

بأي ذنب يقتل مقعد ؟

وبأي ذنب تزهق حياة رضيعة ؟

بأي ذنب قتلت ليلى ابنة الثماني شهور؟

لا تحملوا الضحايا وزر هواننا .

لا تحملوا من يقف على خطوط النار والمواجهة بجسده شهادتنا الزور على ما يحدث من جرائم.

ان الظلم الذي تتعرض له غزة وعلى مدار السنوات لا يتحمله بشري.

ما نراه هو بطولات حقيقية جبارة.

اجساد عارية ، ارواح شابة ، أعمار تفني أمام جبروت طغيان واليات عسكرية مهيبة .

ستحوم روح ليلى ورفاقها الشهداء فوق قلوبنا المتحجرة. ستسأل عيون ليلى التي أطفئت باكرا جدا عن جدوى البصر في بشر أعمت بصيرتهم. 

واختم  بكلمات محمود درويش عن غزة :

"لأن الزمن في غزة ليس عنصرا محايدا... انه لا يدفع الناس الى برودة التأمل... ولكنه يدفعهم الى الانفجار والارتطام بالحقيقة.

الزمن هناك لا يأخذ الاطفال من الطفولة الى الشيخوخة ولكنه يجعلهم رجالا في اول لقاء مع العدو.. ليس الزمن في غزة استرخاء ولكنه اقتحام للظهيرة المشتعلة... لأن القيم في غزة تختلف.. تختلف

القيمة الوحيدة للانسان المحتل هي مدى مقاومته للاحتلال..

هذه هي المنافسة الوحيدة هناك.

وغزة أدمنت معرفة هذه القيمة النبيلة القاسية .. لم تتعلمها من الكتب ولا من الدورات الدراسية العاجلة

ولا من ابواق  الدعاية العالية الصوت ولا من الاناشيد.

لقد تعلمتها بالتجربة وحدها وبالعمل الذي لا يكون من اجل الاعلان والصورة".