عقيدة ترمب المتطرفة في السياسة كما التجارة : كل شيء، أو لا شيء

30/05/2018

ترجمة خاصة-وطن للأنباء: هي مقاربة ومنهجية، بل عقيدة، قام ترمب بتطبيقها على كل مفاوضات كبيرة شارك بها او كانت محل اهتمامه. فعندما قرر ترمب سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، في وقت سابق من هذا الشهر، خاضت المؤسسة الامريكية للسياسة الخارجية في واشنطن قتالا داخليا وخارجيا حماسا ومريرا نحو تنفيذ التهديد الترمبي، وسحب الولايات المتحدة من الاتفاق. وتحت كل الظروف، وخلال جميع المراحل، كان ترمب طيلة الوقت مصرا على موقفه بالانسحاب، ولم يدخل الشك في نفسه او في قراره بان التراجع ممكننا، وفق الكاتب.

العقلاء من الناس اختلفوا مع وجهة نظر ترمب. كما اتحد خبراء منع انتشار الأسلحة النووية في انتقاداتهم لقرار ترمب، محذرين من أن خطورة أفعاله، وأنها ستؤدي الى تقويض الجهود الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية.

ركز الخبراء النوويون السابقون، بمن فيهم الأميركيون، على الجوانب التقنية بكل تفاصيلها، وبدقة لافتة للنظر، وأصروا على أن الاتفاق النووي مع إيران يخضع لأدق عمليات التفتيش النووية في العالم على الإطلاق، مما أثار استياء ترمب وغيره من منتقدي الصفقة، كون اراء الخبراء تعترض طريقهم وتعبر عن ان العمل النووي الإيراني يقع تحت السيطرة.

وما يزال العديد من العاملين والخبراء في هذا المجال يبدون إعجابهم ويؤكدون على أن الاتفاق، المبرم في العام 2015، يضمن مراقبة سلسلة التوريد التي تغذي البرنامج النووي الإيراني بأكملها. ابتداء من المناجم والمصانع التي تنتج المواد الخام، مرورا بمرافق التخزين، وانتهاء بمراكز الأبحاث، ومواقع التخصيب نفسها.

اما المعارضون للاتفاق النووي، فقد اختلفوا مع هذا التقييم (أي في الفقرة السابقة)، مشيرين إلى أن الصفقة لم تمنح المفتشين إمكانية الوصول إلى المنشآت العسكرية الإيرانية. ووفق هؤلاء، فقد خلق هذا ابهاما وعدم وضوح اما المراقبين النوويين على وجه التحديد، على اعتبار انه سبق لإيران أن جربت التكنولوجيا النووية في صناعات الأسلحة.

أدى هذا النقاش حول الطريقة الأكثر فعالية للحد من الروافع المادية لبرنامج الأسلحة النووية الإيراني، والسيطرة عليه، إلى وجود انقسام حاد حول مزايا اتفاق العام 2015 وعيوبه. غير انه لم يكن هناك أي خلاف حول طبيعة الحكومة الإيرانية، كحكومة شريرة ومدمرة. فقد اتفقت معظم الأطراف على ذلك، ولكنها اختلفت أكثر حول مسائل تقنية بحتة، مثل تكتيكات الرقابة والتحقق. ومع ذلك، يبدو أن النقاش التقني كان له تأثير ضئيل على قرار ترمب السياسي بالانسحاب من الاتفاق. فقد كان ترمب قد قرر كل شيء بلا رجعة، انطلاقا من عقيدته في كره تجزئ الأشياء، والحلول المرحلية، وانصاف الحلول، والتسويات المجتزأة.

ولم يضع ترمب ولا مايك بومبيو، وزير خارجيته الجديد، برنامجا رقابيا عسكريا يقاوم انتاج وانتشار الأسلحة النووية الإيرانية. ولم تقدم إدارة ترمب خطة شاملة تجبر إيران على التنازل أكثر مما فعلت على مدى (9) سنوات من العقوبات، بل أتت، بدلا من ذلك، بقائمة جديدة من القيود الاقتصادية الساحقة.

وفي سياق التفكير "الترمبي"، وعقيدة "كل شيء" لديه، فانه إذا كان أصلا لا يستسيغ الاتفاق مع إيران، ويعتبره غير كاف، فمن المرجح أن يكون غير راض أيضا عن الأنشطة النووية لدى كوريا الشمالية، التي لا تمتلك برنامج لتخصيب اليورانيوم فقط، كما تفعل طهران، ولكن برنامج أسلحة عسكرية معلن، ينتشر عبر عدد لا يحصى من المواقع، في جميع أنحاء البلاد، ويخزن حوالي (60) قنبلة نووية.

وفي كلتا الحالتين، اتخذ ترمب مواقف متطرفة، مطالبا بنزع السلاح الكامل لدى الدولتين، وتفكيك كامل للبنية التحتية النووية، والوصول المطلق للمفتشين إلى أي موقع، وفي أي وقت. وهذا ما يعني ان على إيران وكوريا الشمالية التخلي عن سيادتها. ويبرر مساعدو ترمب انه يجب الإصرار وعدم التراجع لان هذه تعتبر من الدول المارقة ولا يجب التراجع امامها، وفق الكاتب.

ولا يؤمن ترمب بانه يمكن قياس وضع البرنامج النووي الإيراني من قبل العلماء النوويين الذين يفحصون مصادر الكبريت الأصفر، ونوع أجهزة الطرد المركزي وكفاءتها. بل يجب أن ينظر إليه عبر نظرة استراتيجية الى الأهداف التي تخفيها إيران خلف أنشطتها النووية، مؤكدا انها تتعارض مع المصالح الوطنية للولايات المتحدة وشركائها.

ووفقا لعقيدة ترمب، والحديث هنا عن إيران، فان طريقته الشمولية وربط كل شيء ببعضه حيال إيران، قد يعقد أية استراتيجية تهدف إلى احباط الأنشطة الإيرانية. فمطالبة طهران بإنهاء عملها النووي بشكل قاطع، والتخلي عن دعمها لسوريا بشار الأسد، والانسحاب من اليمن، وإنهاء احتجاز السجناء السياسيين دون محاكمة، ووقف نشاط الصواريخ البالستية، ووقف الدعم لحزب الله في لبنان، ودعم حماس في غزة، ربما يؤدي إلى تفاقم كل الأمور.

في الواقع، إنها عقيدة "كل شيء أو لا شيء". وهو اتجاه تصاعدي أمريكي يقدمه ترمب على أساس انه نوع من القيادة القوية، التي انتخب على أساسها. وهو نهج توصل إليه ترمب من خلال كل مفاوضات كبيرة خاضها، وفق الكاتب، او يخطط لخوضها، سواء مع إيران، أو كوريا الشمالية، أو حتى بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

بالملخص، إن عقيدته  هذه تخبرنا ان ترمب لا يريد الا صفقات كبيرة.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي جيروزالم بوست"