رمضانيات 28: الحريات المعطوبة والإيمان الذي لا تخدشه القاذورات

13/06/2018

كتبت: نادية حرحش

انتهت ليلة القدر ببعض الخسائر البشرية والكثير الكثير من الأوساخ البشرية كذلك، ولكن يجب أن نبتعد عن جلد الذات والنظر إلى الامور بسلبية، ففي نهاية المطاف كان هناك نصف مليون بشري في هذه البقعة الصغيرة من الأرض.

لنقل أن الخسائر البشرية هي أمر الله ، فالحياة والموت بيده هو ، وقد يكون الموت في ليلة كهذه هو بالفعل نعمة بينما تكون أبواب السماء مفتوحة. ولكن هل الأوساخ هي أمر الله ؟

الفكرة هي الذهاب للتعبد في هذه الليلة ، وفي خلال هذا الشهر الفضيل ، والمفروض كذلك أننا المؤمنين الصائمين. ما الذي يجري بعد ساعات الإفطار ؟ كيف نتحول الى متخلفين لأن ما يجري يمكن وصفه بالتخلف فقط.

عندما يعيش إنسان واعي في هذا الزمن ، يصوم ويصلي من أجل مرضاة الله ، ويبكي تضرعا وشوقا من أجل الخالق ، ويرفع ببصره إلى السماء ، ولا ينظر حوله ،ويرمي مخلفات ما أتاحه الله له من خير وكنز هذه الأرض مجرد حفرة للنفايات.

هناك مصيبة في العقل المسلم في هذا الوطن.

كيف تدعون الايمان وكيف تتصرفون كأنكم علية القوم واصطفاء المولى لكم بين شعوب الأرض لتكونوا ممثلي المصطفى في رسالته، ولا تأبهون لأبسط قواعد الانسانية. النظافة!
كيف نتوقع أن نمشي خطوة الى الامام ولا ننظف حولنا! ولكن ماذا نقول في أمة تريد أن تعيّد؟

غزة الجارة المعزولة المحاصرة تستجدي أن يسمعها مؤمن يشكي إلى الله . يهب فينا الخير بعد وقت طويل ، ولكن كما يقال أن تأتي متأخرا آفضل من ألا تأتي ، وتهب رام الله لتعيد غزة. ويخرج الحراك ممتدا من حيفا إلى رام الله....
ألف أو ألفان غير مهم .... كان هناك حراك ووقفة تصيح من أجل غزة....
وكعادة الشعب الذي يمارس الطقوس ولا يمت الإيمان لقلبه بصلة ، لم ترق هذه التظاهرة حتى لأولي الأمر منا.

قبل شهر وفي مناسبة عيد الفصح، كانت غزة ببداية نهر الدم المسفوك فيها ، وتدخلت الحكومة العتيدة بإلغاء الاحتفالات ،بل العطلة نفسها من أجل غزة.

اليوم تخرج علينا الحكومة العتيدة ولقد تعدى عدد الضحايا في غزة المئة ، والجرحى في المستشفيات بشح الأدوية ، والشعب في رمضان وصل به الجوع الى الرمضاء، ببيان صادر عن مستشار الرئيس لشؤون المحافظات ،وبعد التأكيد على ان القدس عاصمة فلسطين !! يقول فيه " إحتراما منا لحق المواطنين في التعبير عن أنفسهم ، واحتراما للعمل بالقانون، ونظرا للظروف الحالية خلال فترة الأعياد ، وللتسهيل على المواطنين في تسيير امور حياتهم العادية في هذه الفترة ، يمنع منح تصاريح لتنظيم مسيرات أو لإقامة تجمعات من شأنها تعطيل حركة المواطنين وإرباكها، والتأثير على سير الحياة الطبيعية خلال فترة الأعياد.
وحال انتهاء هذه الفترة ،يعاد العمل وفقا للقانون والأنظمة المتبعة."!!!!!!!!!!!

في المقابل ، هناك أنصار فتح ضد حماس، في وقت تنزف فيه غزة بفعل الحصار وضرب الاحتلال ، يخرج أولئك لينادوا من أجل انقسام أكبر ، ويحملوا حماس المسؤولية ... لنكتشف من خلال كل هذا تأكيد جديد على ان قطع الرواتب لم يكن امرا تقنيا ولكن فتحاويا سلطويا!

ماذا يمكن أن يقال؟
قد يكون الجواب الوافي في ما كتبه زكريا محمد في منشوره:
: لم يحتملوا غلوة.
لم يحتملوا مظاهرة واحدة من ألفين شخص.
مظاهرة واحدة كانت كفيلة بكشف حقيقة ديمقراطية رام الله . قراران حاسمان :
أولا : فتح تقرر مظاهرة في موعد مظاهرة غزة اليوم. يعني التهديد بالاشتباك، مع ما يحمله ذلك من تهديد للسلم الاجتماعي.
ثانيا: ثم بحجة هذا التهديد يمنع التظاهر في الاعياد. وهاي سنة نبوية، لأنه العيد مش للتظاهر.
يعني فكروا معي : لو الناس عالدوار الرابع شو كان صار ؟ كان أطلقوا النار عليهم."

عن أي حرية يتكلم أولي السلطة؟
حرية من ضد من ؟ منذ متي وهناك احترام للحريات ؟ في وقت لا يستطيع الإنسان التعبير عن رأيه بلايك ولا يستطيع غير الصائم شرب الماء أو اجهار إفطاره؟ في وقت يسمى من يتظاهر ضد الحصار على غزة بالعميل إذا ما تبين تأثير لحراكه.

ما يجري مهزلة ....
ما يجري يشبه المشهد في باب العامود..... صيام يتبعه إفطار. صيام عن الأكل والشرب وإفطار لكل ما يمكن أن يؤكل بجشع.

ما يمت للصيام بصلة من أسباب لا يرتبط مع هذه النفوس التي اختارت الجوع ليعبر عن انتمائها لدين وتركت فضائل الايمان. وسلطة تقيدنا وتقسمنا وتقمع ما تبقى من دم يجري في عروقنا ...

وأنهي بما كتبه يوسف شرقاوي على صفحته  :
" مع الإعتذار للشاعر الراحل "محمود درويش" إلى أين ستأخذني يا أبي؟ إلى دوار الأجندات يا ولدي!"
" إلى آين تأخذني يا أبي؟
إلى جهة الريحيا ولدي
ومن يسكن البيت من بعدنا
يا أبي؟
سيبقى على حاله مثلما كان
يا ولدي!
لماذا تركت الحصان وحيدا؟
لكي يؤنس البيت ،يا ولدي
فالبيوت تموت إذا غاب سكانها!!!