تدوير الزجاج... واجهة سياحية في الخليل تقلل من التلوث

13/06/2018

وطن للأنباء- ساري جرادات

على بعد أمتار قليلة من أحد الأبراج العسكرية الإسرائيلية التي أقامها الاحتلال عند مدخل مدينة الخليل الرئيسي، يجلس الحاج أبو خالد النتشة (67 عاماً)، أمام محله المخصص لصناعة الخزف والزجاج، هذه المهنة التي وقفت أمام كل المحاولات الداخلية والخارجية الرامية إلى إضعافها ووأدها.
وعلى أعين جنود الاحتلال المتلصصين على النتشة بين الفينة والأخرى وباقي المحال التجارية التي تعمل في تلك المنطقة، يواصل هذا الستيني عمله في صناعة الخزف والزجاج، بحرفية وكدّ، غير آبه ببنادقهم المطلة عليه من نوافذ البرج الصغيرة، فهو يعلم أن ما يهدفون إليه هو تنغيص حياته وحياة حوالي 900 ألف مواطن يعيشون في محافظة الخليل، هذا العدد من قبل الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2017.

ويعمل أبو خالد الذي غطى الشيب رأسه، منذ عقود على جمع وشراء مخلفات الزجاج التالف والمكسور والزجاجات الفارغة، من سكان منطقته والمناطق المحيطة، لإعادة تدويرها واستخدامها في الصناعة.
يقول أبو خالد لـ "آفاق البيئة والتنمية": "أشتري الزجاج منتهي الصلاحية من عمال النظافة الذين يقومون بجمعه من الشوارع والأرصفة والحارات، بالإضافة إلى أنني أوظف عددا من الشبان العاطلين عن العمل، ليقوموا بجمع الزجاج التالف من الشوارع الرئيسية للمحافظة، ومحلات الأثاث المستخدم (الرابش)".

يعمل النتشة على إدخال الزجاج المنتهي الصلاحية لفرن الصهر على درجة حرارة 1000 مئوية، لمدة 12 ساعة، لتخرج بشكلها النهائي المطلوب، كما يتم تغيير الأصباغ كل 12 يوم، لمنح الزجاج أشكالاً وألواناً مختلفة حسب رغبة وطلب الزبائن والتجار، وتكون مرحلة الرسم والتلوين اليدوي على القطعة آخر محطة في مرحلة التصنيع.
يضيف: "يبلغ ثمن الطن الواحد من الزجاج التالف 600 شيقل، (ما يعادل 170 دولار أمريكي)، فيما يستهلك المشغل الذي تبلغ مساحته حوالي 100 متر مربع من 5 إلى 6 طن في الشهر الواحد، بسبب اعتماد مصنعه على الطريقة اليدوية في صناعة الزجاج".
ويقصد بتدوير النفايات، إعادة تصنيع واستخدام المخلفات، سواء المنزلية أو الصناعية أو الزراعية، بهدف التقليل من تأثيرها على البيئة، وتتم هذه العملية عن طريق تصنيف وفصل المخلفات على أساس المواد الخام الموجودة بها، ثم إعادة تصنيع كل مادة على حدة، لتتحول إلى منتجات قابلة للاستخدام.

فوائد تدوير الزجاج

وتقلل عملية تدوير النفايات الصلبة من تلوث البيئة الناتج عن تكدس النفايات وطرق التخلص منها غير الآمنة سواء الدفن أو الحرق؛ كما أن التدوير يقلل من الاعتماد على استيراد المواد الأولية اللازمة لعمليات الإنتاج، فضلا عن التخلص من الإجراءات الإسرائيلية المفروضة على حركة الاستيراد، وتوفير فرص عمل جديدة للشباب الفلسطيني.
وينتجُ عن إعادة تدوير الزجاج منتهي الصلاحية أشكالٌ وأحجام متنوعة من الزجاج الذي يجد ثناءً وإعجابا لدى المتسوقين، حيث بات محله مزاراً للسياح القادمين إلى المدينة للاطلاع على صناعة الزجاج بصورة خاصة وتاريخها بصورة عامة، كما ويعد بحسب سكان المنطقة سفيراً للمحافظة على البيئة ودليلا سياحيا يسعى إلى الارتقاء بمكانة الخليل بين مدن العالم المختلفة.

سلطة جودة البيئة ترحب

وتقوم دائرة سلطة جودة البيئة بدور تخطيطي ورقابي وتفتيشي على كل ما يتعلق بالمنشآت الصناعية، وتشجع التجار وأصحاب تلك المنشآت بضرورة المحافظة على البيئة، ومعالجة المخلفات الناتجة عن مصانعهم، إلى جانب إصدار التراخيص لهم بعد تقديمهم مخططاً يوضح الأثر البيئي للمنشأة المنوي إقامتها.

ويشير مدير دائرة سلطة جودة البيئة في محافظة الخليل بهجت جبارين إلى أن دائرته فرضت إجراءات صارمة على مشاغل ومعامل الزجاج، كونها تعدُّ من النفايات الخطرة على البيئة والكائنات الحية والتربة، ولحماية المياه الجوفية من خطر وصولها إليها.
وثمّن جبارين دور مصانع الزجاج في مدينة الخليل في التخلص من الزجاج التالف بطرق سليمة تحافظ على البيئة وتحمي المواطنين من أخطاره، خاصة وأن مكبات النفايات الموجودة في مدن الضفة الغربية لا تستطيع استيعاب كميات ذلك الزجاج.
ولفت إلى أن إعادة تدوير واستخدام الزجاج يسهم في حماية البيئة، ودفع عجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام، وبدل أن يصبح عائقاً وعبئاً على المواطن والحكومة الفلسطينية، يصبح سلعة ذات قيمة، يمكن تسويقها من خلال عرض منتجات الزجاج للسياح الوافدين إلى المدينة.

معضلة النفايات الصلبة

وينتج القطاع المنزلي في الضفة الغربية يوميا 1722 طنًا من النفايات الصلبة، بينما تنتج المنشآت الاقتصادية 25275 طناً منها يوميا، إلى جانب 20 طنًا يتم إنتاجها من مراكز الرعاية الصحية، ولكن في المقابل يرد يوميا 2506 طن من النفايات الصلبة إلى 161 مكباً في جميع محافظات الضفة الغربية، وفق أرقام المركز الوطني للمعلومات.

والمعضلة في النفايات الصلبة تكمن في نقص مساحة الأراضي التي يمكن تخصيصها كمكبات للنفايات الصلبة، والغازات السامة والمنبعثة منها الضارة بالصحة، والإزعاج الناتج عن انبعاث الروائح الكريهة والحشرات التي تنجذب إليها، والدخان الناتج عن حرقها، وتلوث المياه الجوفية والسطحية بعد تحلّل النفايات الصلبة، وتشويه المناظر الطبيعية.
وفي هذا السياق يؤكد الناشط المجتمعي بهاء الفروخ أن جمع المخلفات الصلبة، وبالأخص مخلفات الزجاج من وسط الحارات والبيوت يحتاج إلى ثقافة مجتمعية بالأخطار الناتجة عنها، ويتطلب من الجهات المختصة توفير حاويات خاصة لوضع تلك المخلفات فيها، ما يساعد على إتلافها بطريقة آمنة.

وطالب الفروخ الحكومة الفلسطينية بمضاعفة جهودها بالتعاون مع المؤسسات التي تعمل في مجال البيئة والمجالس البلدية لزيادة الوعي البيئي في صفوف الشباب، وتشجيع المبادرات البيئية التي تشجع على التخلص من النفايات الخطرة بالطرق التي تكفل الحفاظ على البيئة وحياة الناس.

ومن الجدير ذكره الإشارة إلى أن تاريخ صناعة الزجاج والخزف في مدينة الخليل يعود إلى حوالي 700 عام، حيث بدأت صناعته بأشياء بسيطة مثل تصنيع الخرز والحلي والكرات الدائرية والفوانيس والصحون والساعات والتحف والمزهريات وكؤوس الحجامة والأباريق، ويعمل فيها أبو خالد منذ نحو خمسة عقود، وعلّم صناعة الزجاج بالطريقة اليدوية لأبنائه.
وتشير بيانات الغرفة التجارية في الخليل إلى وجود أكثر من 60 مصنعاً ومعملاً لصناعة الزجاج والخزف في مدينة الخليل، قبل أن تغلق إبان اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، ولا زال سوق القزازين في بلدة الخليل القديمة مغلقاً بقرار من سلطات الاحتلال.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية