حوار بين صديقين (2)

14/06/2018

كتبت: ثريا عاصي

ـ س :  ماذا  عن الموقف الآن من  وعد بلفور ، وهل ان التناقض الرئيسي مع دولة اسرائيل مرده فقط إلى كونها تمارس سياسة التمييز العنصري الأبارتهايد ضد الفلسطينيين ؟

ج :  بالنسبة لوعد بلفور فإنه دليل ساطع على أن دولة اسرائيل هي صناعة بريطانيا، فلولا الإستعمار البريطاني في فلسطين لما وجدت الدولة. بكلام آخر " بلفور" هي ماركة إسرائيل المسجلة بما هي صناعة بريطانية . هذا يفسر  إلتزام حكومات الثلاثي الغربي، الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا وفرنسا بأمن إسرائيل وبضمان مصالحها . فهذه الدولة هي امتداد للثلاثي مثلما أن أستراليا  إمتداد له أيضاً على حساب سكانها الأصليين  !  مجمل القول أن الإعتراض هو على دولة قائمة على إقصاء السكان الأصليين أو إبادتهم من أجل إفراغ البلاد تمهيداً لإستقبال المستوطنيين الأوروبيين، هذا يجعل الإعتراض على الدولة الإسرائيلية إعتراضاً مبدئياً وأساسياً ودائماً طالما لم تتبدل طبيعتها .

أما الأبارتهايد فهو بالقطع يستحق الإدانة بالمطلق. تحسن الإشارة هنا إلى أن الإستعمار  الإقصائي أو الذي يسعى إلى إبادة السكان الأصليين، مهما إختلف الأسلوب والوسائل، هو عنصري متغول يمارس الأبارتهايد عملياً في إختيار ضحاياه على أساس عرقي أو ديني أو عقائدي.

نحن مناهضون لدولة إسرائيل إنطلاقاً من أننا ضد  التمييز بين الناس على أساس العرق واللون والدين . بالإضافة إلى كون هذه الدولة تنتهج سياسة الإبادة أو الترحيل ضد الفلسطينين، تعبيراً عن عنصرية بوجه فاشي بشع .

ـ س : ولكن أصل المسألة الفلسطينية في وعد بلفور سنة 1917، بمعنى أننا كنا ضد إقامة "وطن قومي لليهود في فلسطين منذ سنوات 1920 وضد هجرة اليهود الأوروبيين  إلى فلسطينيين، قبل إعلان دولة اسرائيل . أي قبل أن تمارس هذه االدولة سياسة الإبعاد والترهيب . فلقد حاول الفلسطينيون منع استيطانهم وجرت بين الجانبين  الفلسطيني واليهودي الأوروبي صدامات عنيفة  ومعارك بالسلاح . علماً انه آنذاك كان لهولاء اليهود الأوروبيين دولة هي بريطانيا وكان لهم قيادة سياسية تمثلهم هي الحركة الصهيونية، في المقابل لم يكن للفلسطينيين دولة أما قياداتهم فلم تكن تمثلهم حقيقة . كان أنذاك كل مستوطن يهودي عدواً للفلسطيني يريد إقصاءه أو قتله ليأخذ مكانه . بناء عليه كان الإعتراف والتصالح مع إسرائيل غير وارد، وكان كل إسرائيلي جندياً عدواً لكل فلسطيني ؟

ج ـ لا أعتقد انه يمكننا القول أن السياسة القمعية التي تعرض لها الفلسطينيون قبل إعلان دولة إسرائيل تختلف عن السياسية القمعية التي مورست بعد ذلك باسم هذه الدولة، أي أن الأمور ظلت على حالها تحت الإستعمار البريطاني ثم بعده تحت الإستعمار الإسرائيلي . إن موقفي من الإستعمار واضح لا تصالح ولا إعتراف ! 

ولكن الإشكالية هي من وجهة نظري في أن الإسرائيلي في الوقت الحاضر ليس بالضرورة  مستعمراً بالرغم من أنه يعيش على أرض مُستعمرة وفي دولة إستعمارية . إذ من المحتمل  أن يكون هذا الإسرائيلي مناهضاً للدولة الإسرائيلية، ومعارضاً للحركة الصهيونية . أنا أقصد هنا أن الإسرائيلي الذي ولد في فلسطين المحتلة ليس مسؤولاً عما فعله جده أو جد أبيه في فلسطين . فمن حقه أولاً أن يطلع على ما جرى في فلسطين وأن يحدد موقفه، فلا نعتبره عدواً بمجرد كونه مولوداً في فلسطين، أي لكونه إسرائيلياً بالولادة فنكون مثل المستعمرين الإسرائيليين عنصريين .

مجمل القول أن هذا الإسرائيلي حفيد  المستعمرين الأوائل، المولود في فلسطين له حقوق مثله مثل الفلسطيني الذي طرد من بلاده   والذي ما يزال في فلسطين ولكنه تحول إلى مواطن من الدرجة  الثانية أو الثالثة بحسب القوانين العنصرية الإسرائيلية .

لا بد هنا من وضع النقاط على الحروف إيضاحاً لهذه "الإجتهادات" إذا جاز التعبير ومنعاً من أن يستغلها المزايدون ومطلقو الشعارات في بلادنا وما أكثرهم فهم بلوى ولا أصعب ولا أخطر . ليس المطلوب طبعاً أن نتسامح مع شامير وأبناء وأحفاد شامير الذي يقتلون أبناءنا ويقطعون أشجار الزيتون، بالتأكيد لا . علينا أن نستمر في المقاومة  وأن نطور مقاومتنا ضد هؤلاء المجرمين بالرغم من أنهم أقوياء جداً بينما نحن ضعفاء جداً ونحتاج إلى بناء جبهة عريضة لمواجهتهم وأن نحاول بشتى الوسائل والطرق أن نصل إلى شعوب العالم ومن ضمنهم الإسرائيليين، علناً نوقظ ضمائرهم وننعش إنسانيتهم بإطلاعهم على وجهة نظرنا وعلى ما لدينا من حقائق ومعطيات تفند السردية الصهيونية المزيّفة. هذا كله إنطلاقاً من مبدأ عدم إستثناء أية جهة أو طرف يمكنه أن يساعدنا ضد دولة إرهابية مجرمة فاشية وليس التوسط لنا من أجل التطبيع معها .

ـ س : كيف نكون ضد وجود إسرائيل وفي الوقت نفسه نعترف بحقوق للإسرائيليين في فلسطين ؟
ج ـ إسرائيل هي تسمية، أو شكل، ما يهم هو نظام هذه الدولة التي تمثل الحركة الصهيونية فكرا وعقيدة، وهذه توافقنا على نعتها بالفاشية، ولكن المنطق يفرض علينا الإعتراف حقوق أحفاد المستوطنيين الإسرائيليين الأولين حتى لا نحملهم وزر جرائم إرتكبها أجدادهم، هؤلاء الأحفاد ليسوا مهاجرين، وإنما هم فلسطينيون لا ذنب لهم في ما حدث، ومن حقهم العيش مع الفلسطينيين إن هم هم رغبوا في ذلك، بعد إسقاط النظام الصهيوني .

عنما نقول أن الإسرائيليين هم أعداؤنا دون إستثناء بصرف النظر عن مواقفهم وأرائهم فان قولنا يصب في مصلحة اسرائيل ويسر نتنياهو وأمثاله .
الإسرائيلي لا يكون عدواً عندما يعترض ضد الإسرائيليين الذين يقتلون أولادنا ويستولون على أرضنا ويقطعون شجرنا . هناك فرق بين الدولة الإستعمارية التي لا نعترف بها ونقاومها وبين الناس الذين يعيشون في فلسطين وولدوا فيها، شئنا أم أبينا، هذا من حيث المبدأ أما في الواقع فإن الإسرائيليين الأوروبيين لن يقبلوا العيش في مجتمع عربي متخلف ذو عادات قرن وسطية، يُنظر فيه إلى رجال الدين كعلماء وخبراء في تربية الأجيال . لذا نلاحظ أن بعض الإسرائيليين يفضلون  الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية والبلدان الأوروبية إحتجاجاً على السياسة التي تنتهجها إسرائيل فهل نعتبر هؤلاء أعداء؟ مجمل القول أن من حقنا ألا نحترم حقوق من لا يحترم حقوقنا .

ـ س : كيف يكون لأحفاد الإسرائيليين حقوق في فلسطين بالرغم من أنهم لم ينتفضوا ضد إسرائيل ؟
هل يعقل أن تنطلق إنتفاضة أو ثورة دون معرفة ووعي ؟ ماذا فعلنا من أجل تفنيد الرواية الصهيونية وكشف طبيعة الدولة الإسرائيلية ؟ تركنا رجال الدين يلقون مطولات لا تمت إلى الواقع باية صلة، فخلطوا اليهود القدماء في الجزيرة العربية باليهود الأوروبيين . نعم لم ينتفض أحفاد الإسرائيليين ربما لان بعضهم سار على نهج اسلافه المستعمرين (ألا يوجد متعانون فلسطينيون، وماذا عن الحكام )، أو لأن الظروف لم تكن مؤاتية  أو لانهم جهلة ولكن هذا لا يبرر على الإطلاق الخطب التي تشوه أحياناً الحقيقة وتنفر الناس فيبتعدون عنا ويتركوننا وشأننا في المنحدر إلى الإنقراض .

مهما يكن يجب أن لا نستأنس في الوهم، إن إسرائيل دولة قوية جداً، فهي في آن واحد الولايات المتحدة الأميركية زائد بريطانيا زائد فرنسا، ينبني عليه أنه يستحيل الخلاص من قبضة الإستعمار  الإسرائيلي وتصفية هذا الإستعمار ، دون مساهمة الإسرائيليين أنفسهم، فلماذا اللف والدوران.

ـ س : ولكن ليسوا رجال الدين الذين أوجدوا أسرائيل ؟
طبعا ولكن رجال الدين هدموا وسائل التقدم والتعلم والتفكير في بلادنا . فخلطنا بين يهود المدينة المنورة من جهة وبين اليهود البربر في شمال إفريقيا وبين شعوب الخازار في أوروبا الشرقية من جهة ثانية .

أقول وأزعم أن الإسرائيلي في سنة 2018 يختلف عن الإسرائيلي الذي هرب من سياسة القياصرة في روسية ومن سياسة ألمانية في سنوات1940، كما  أزعم أن الفلسطيني اللاجئ في عين الحلوة الذي قاتل الحكومة السورية الى جانب الجيش التركي وفي أفغانستان إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية ليس فلسطينياً كما كان فلسطينياً جورج حبش أو ناجي العلي أ و غسان كنفاني، الذين ولدوا في فلسطين !

لقد بنت السلطات الإسرائيلية حائط الفصل العنصري والطرق الإلتفافية في الضفة الغربية التي لا يستخدمها إلا المستوطنون حتى لا يرى الإسرائيليون الفلسطينيين هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فإنه صار معروفاً أن إسرائيل تسعى  إلى محو مخيمات اللاجئيين الفلسطينيين في  لبنان وسوريا إخفاء "للتطهير العنصري" الذي  اقترفته في فلسطين عن العالم وعن الإسرائيليين أيضا . وفي السياق نفسه فلقد سارعت هذه السلطات في سنوات 1950 إلى جلب اليهود العرب إلى فلسطين بواسطة العمليات الإرهابية أحياناً وبالخديعة أحيانا أخرى، وذلك بهدف إظهار ودعم "يهودية" الدولة الإسرائيلية . إن ما تخشاه إسرائيل أكثر من  الجيوش والسلاح والخطب الحماسية، هو إختلاط الإسرائيليين بالفلسطينيين ، من هنا مواظبتها على بث بذور الكراهية والحقد بين الجانبين . يتجسد ذلك في سلوك جنودها الوحشي في الضفة الغربية ضد الكبار والصغار وفي الأحكام الجائرة التي يصدرها قضاتها ضد الصبية الفلسطينيين . لو توقفت اسرائيل يوماً عن الحرب لتلاشت دولتها، انا على  يقين من أن ذلك سيحدث لا محالة