كيف أسهم التنافس السعودي-القطري في اشعال الحرب وتدمير سوريا

06/07/2018

ترجمة خاصة- وطن للأنباء: نشرت صحيفة "ذي إنترسبت"، مقالا للكاتب أسعد أبو خليل، تناول فيه الدور الذي لعبه التنافس السعودي-القطري، القديم، في اشعال الحرب السورية،مما أطال أمد الحرب، وعمّق معاناة السوريين، ووسّع مأساتهم، وأثخن جراحهم.وبين أبو خليل ان المنافسة بين السعودية وقطر كانت، وما تزال، عاملا رئيسا، في تدمير سوريا، مبيناان المشاركة المميتة لكلا النظامين لم تكن بأي حال من الأحوال معزولة عن السياسات الغربية الطائشة،وغير المسؤولة في الشرق الأوسط (المترجم):

لم يتعد النقاش الغربي حول الحرب السورية، التي طال أمدها كثيرا،النقاش عبر الإنترنت، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ونتيجة لذلك، أصبح الأمر أكثر تبسيطا، وربما أكثر استهتارا.

اسباب الحرب

اما بخصوص أسباب الحرب، فهناك روايتان تسيطران على الموقف.وبينما توفر كل منهما القليل جدا من بذور الحقيقة حول أسباب الحرب، الا ان كلتيهما ترد بشكل روتيني وتبسيطي بنفس القدر،الى الحد الذي اثارت فيه حروبا بين وجهتي النظر عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، فضلا عن كونها مضللة تماما.

تقول الرواية الأولى، التي تتبناها الدولة السورية، أن القوى الغربية، ومعها الأنظمة الخليجية، تآمرت للإطاحة بحكومة الأسد، وحرضت على الاحتجاجات ضدها، واستأجرت المتمردين للقيام بالمهام القتالية في ساحة المعركة.

ووفق هذه الرواية،يعتبر الصراع في سوريا منتجا لمحرضين خارجيين.

اما الرواية الثانية،فتقول إن أسباب الحرب تكمن في المظالم المشروعة التي عبر عنها الشعب السوري ، وأنها ثارت في عصر الانتفاضات العربية، مثلها مثل الدول الاخرى.

ووفق هذه الرواية، يطلب من الناس ان يفهموا ان العنف الذي تمت ممارسته ما هو الا نتاج ثانوي للاحتجاج المشروع من قبل مواطنين سوريين الظلم.

يجمع كلا الطرفين على وجود تراكم للكثير من التظلمات حيث سئم الناس سلسلة طويلة من الوعود الفاشلة. وفي هذه الأثناء، كانت الأنظمة الخليجية، والولايات المتحدة، تخطط لعملية تغيير للنظام في سوريا، والتي يرجع تاريخها إلى العام 2006.

لكن تلك الروايتين، اللتين يتم تداولهما بشكل مستمر، يغطيان على السبب الحقيقي والحاسم للصراع السوري، وطول أمد الحرب بعد ذلك.ان السبب هو المنافسة الشديدة بين السعودية من جهة،وقطر من جهة أخرى. وقد كان لهذا التنافس،بين هاتين القوتين،بعدا حاسما في الحرب.علما ان مشاركتهماالمباشرة او غير المباشرة في الحرب، لم تكن ممكنة إلا بموافقة، او بدعم كامل، من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي.

وفي بداية الامر، كانت التغطية الإعلامية للحرب السورية، في الشرق والغرب، ملونة إلى اقصى حد بمصالح الدعاية الإعلامية لكل من قطر والسعودية. كلا النظامين في البلدين الجارين يسيطران، بشكل مباشر أو غير مباشر، على مجمل وسائل الإعلام المختلفة في العالم العربي تقريبا.

وبالإضافة الى السيطرةعلى وسائل الإعلام، تمكن كلا النظامين من السيطرة، أو التأثير، على روايات الصحافيين والمثقفين الغربيين،عبر الاستثمارات الضخمة في أوساط نخبة السياسة الخارجية في واشنطن، وعلى الأخص من خلال مؤسسات الفكر والرأي. إن مؤسسات الفكر والرأي في واشنطن، مثل معهد "بروكينغز"، ومعهد الشرق الأوسط، ومركز الدراسات الاستراتيجيةوالدولية، مغمورة بأموال الأنظمة في الخليج، وبالتالي تسعى دائما الى عكس جدول أعمال تلك الأنظمة.

انقسم معظم خبراء الشرق الأوسط،وفي مراكز الأبحاث الرائدة، الذين علقوا على الحرب في سوريا،تماما مع الانقسام في الموقف السعودي والقطري. وفضلا عن ذلك، تدخلت دولة الإمارات العربية المتحدة في لعبة مراكز الأبحاث،وروجت لسياسات النظام السعودي تماما.

منذ تأسيس "ايباك"، لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية، استطاعت حكومة إسرائيل ممارسة تأثير واضح في السياسة الخارجية الامريكية. ومن المؤكد أن "ايباك" كانت ستقاتل من أجل تقويض نفوذ اللاعبين الخليجيين الجدد لو كانت وجهات نظرهم حول سوريا غير منسجمة مع مصالح إسرائيل. لكن "ايباك"، والشركات والمراكز التابعة لها،كثيرا ماقامت بدعايات مبتذلة للأنظمة الخليجية.

المنافسة القطرية-السعودية ليست جديدة: كلاهما كان على علاقة قديمة مع النظام السوري

ينسى الكثيرون أن النظام السعودي كان الى جانب حافظ الأسد،قبل بشار الاسد، لما يقرب من (30) عاما، حيث كانت مصالح النظامين في المنطقةمتقاربة في الكثير من الأحيان. ومن الأمثلة على التقارب بين السعودية والأسد، التدخل السوري في لبنان في العام 1976، وفي الحرب على العراق في العام 1991، وتنسيق السياسات حيال خطط السلام التي ترعاها الولايات المتحدة، والتوترمع ياسر عرفات، الزعيم الراحل لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وقد كان التقارب السعودي-السوري خلال هذه السنوات مهما لدور الولايات المتحدة في المنطقة. فقد اعتمد الأميركيون على النظام السعودي للتأثير على السياسة الخارجية السورية، من خلال السخاء المالي للسعوديين. وكان حافظ الأسد عضوا رئيسيا في المحور السوري-السعودي-المصري الذي تشكل بعد الغزو العراقي للكويت في العام1990، وكان واضحا ان هذا المحور احكم هيمنته على السياسة العربيةمنذ ذلك الحين، ولفترة طويلة.

وفي التسعينات، بعد وفاة حافظ الاسد،بدأت مصالح قطر والسعوديةبالتباين. وبحلول أواخر التسعينات،أمست قطر معزولة، بسبب صراعها مع السعودية بشكل أساسي، وقد قام الأمير القطري الجديد (في ذلك الحين، حمد بن خليفة) بإسقاط والده الموالي للسعودية.

وعلى مضض، أصبحت قطر عضوا في معسكر "الرفض"، الذي عارض الطرق التنازعية في النزاع العربي-الإسرائيلي. كما طبعت قطر العلاقات مع إسرائيل، واستضافت القوات الأمريكية. وحينها، اتهم الأمير الجديد، حمد، النظام السعودي بمحاولة الإطاحة به لإعادة تثبيت والده على العرش.وكان اتهام الأمير للسعوديين على الأرجح صحيحا، وفق الكاتب.

بشار الأسد يعزز سلطته في لبنان ضد مصالح السعودية

وعندما بدأ بشار الأسد بتعزيز سلطته في سوريا، حول مجمل سياسته الخارجية في لبنان ضد المصالح السعودية،وضد رئيس الوزراء اللبناني (في ذلك الحين) رفيق الحريري. ونتيجة لذلك،وانطلاقا من هذا التحول في الملف اللبناني، أصبحت قطر حليفالبشار الأسد. وبالمقابل، انسحبت السعوديةمن تفاهمها مع النظام السوري، على خلفية تحديه لها في لبنان وتصعيب الأمور على رفيق الحريري. واستمر هذا التباعد، وتلك المنافسة،الى يومنا هذا، الى الحد الذي أدى هذا الخلاف بين البلدين الى إعادة صياغة شكل الحرب في سورياأكثر من مرة.

ومع وجود الرئيس بشار الاسد على رأس هرم الحكم في سوريا، وتعمق سلطته في لبنان، سعى النظام السعودي إلى تقويض الهيمنة السورية في لبنان. وفي واقع الامر، كانت السعودية جزءاأساسيا من الائتلاف الذي دفع، في العام2004، إلى إصدار قرار مجلس الأمن رقم (1559) الذي دعا الى إنهاء الدور السوري في لبنان، ونزع السلاح من حزب الله.

السعودية تغامر والحريري يلقى حتفه

وفوق ذلك، سعت السعودية إلى إحداث تغيير في هرمية النظام في سوريا، بالاعتماد على بعض العناصر الأساسية في النخبة الحاكمة، ومعظمها من كبار المستشارين من عهد حافظ الأسد.

وخلال تلك الفترة، بدأ رفيق الحريري، السياسي اللبناني المقرب منالسعودية،بالخلاف والتشاجر مع بشار الاسد. ونتيجة لذلك،وصلت العلاقات بين السعودية وسوريا الى مرحلة الانهيار، وقامت العصبة السورية التي ترعاها السعودية داخل سوريا،والمدعومة من الحريري،بتصعيد مضايقاتها ومؤامراتها ضد بشارالأسد.

وكانت هذه بداية النهاية للهيمنة السورية على لبنان. وعلى الأرجح، كان اكتشاف هذه المؤامرة هو السبب وراء اغتيال حياة رفيق الحريري في العام 2005.

قطر وتركيا تخططان لتمكين الإخوان المسلمين في المنطقة

وفي الوقت الذي تخلى فيه السعوديون عن بشار الأسد، كانت قطر تفكر بطريقة أخرى، وتحتفظ بخطط مختلفة للمنطقة. ومما شجع النظام القطري على الصعود والتمدد السريع، هو ضعف السياسة الخارجية السعودية، وصعود الزعيم التركي رجب طيب أردوغان،الحلف الجديد لقطر في تركيا. وقد ضعت كل من قطر وتركيا خطة لنشر تأثير الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة، ابتداء من فلسطين وانتهاء بتونس.

ومن الواضح ان هذين النظامين لم يحرضا على قيام الثورات العربية. فقد بدأت جميع تلك الثورات بشكل عفوي، بسبب شكاوى الناس، المشروعة،عن حالات القمع والتعذيب الممنهج، والظلم الاجتماعي والاقتصادي، والسياسات الخارجية العربية الفاشلة، والخاضعة للمصالح الغربية بشكل تام.

والسعودية والامارات تخططان لفعل معاكس

الا ان التحالف المنافس الجديد في الشرق الأوسط، بين السعودية والإمارات وإسرائيل من جهة، وقطر وتركيا من جهة أخرى، سعت جميعها الى استغلال تلك الثورات وتوجيهها نحو مصالحها الخاصة.

ففي الوقت الذي اندلعت فيه الثورات العربية، في العام 2011، عمل التحالف السعودي-الإماراتي، ومعه إسرائيل في اغلب الأحيان،على الحفاظ على النظام قائما، أو إعادة الطغاة المعزولين إلى السلطة في بلدان الثورات.

وعلى العكس من ذلك، حاولت قطر وتركيا دعم تلك الثورات، من الناحية المالية والإعلامية، في محاولة للارتقاء السياسي بالإخوان المسلمين. وكان انتخاب محمد مرسي، القائد الاخواني المصري، رئيسا للبلاد، في العام 2012، هو ذروة الجهد القطري التركي.

وعندما بدأت الاحداث في سوريا، توقعت السعودية وقطر سقوطا سريعا مدويا للنظام. وعندما لم يحدث ذلك، ولأسباب كثيرة ومتعددة، سعى الطرفان الى رعاية الجماعات المقاتلة وتسليحها، الى الحد الذي يمكنهم من ابقائها تحت السيطرة داخل سوريا. اما السعوديون، على وجه الخصوص،فقد رأوا في الامر فرصة لتحويل الحالة السورية إلى صراع طائفي، لتحقيق غاياتها الخاصة.

جماعات مسلحة تحت أسماء وهمية

وقد ظهرت جماعات متمردة مسلحة بأسماء مختلفة داخل البلاد. وكان أحد أكثر الشخصيات شهرة "الائتلاف الوطني السوري"، وهو جماعة معارضة في المنفى. كما شهد الواقع السوري وجود جماعات أخرى حملت أسماء "وهمية". وقد تم إنشاء هذا المجلس للمعارضة في المنفى، من أجل عرض صورة ورأي المتمردين السوريين حول العالم، على غرار النموذج الذي استخدمه المحافظون الجدد قبل غزو العراق في العام 2003.

لكن مجلس المعارضة هذا، كان في الواقع معزولا عن المتمردين الذين يقاتلون على الارض داخل سوريا. ونتيجة لذلك، كان يقوم بدعاية فعالة للغرب،دون ارتباط بالواقع على الأرض في سوريا.

كان معظم هؤلاء القادة المنفيين منقسمين في ولائهم بين قطر والسعودية، واستمروا بعملهم من الخراج، دون ان يجرؤوا على الوصول الى المناطق السورية التي تسيطر عليها جماعات المعارضة. وبينما كانت الحرب ضد النظام تسعّر الطائفية بشكل متزايد، كانت الجماعات الجهادية المتعصبة المستفيد الأول، وكانت تنجح في استقطاب المقاتلين والمتطوعين، سواءالى ساحة المعركة، أو الى الدعوة الطائفية.

وجدت قطر أن "تنظيم القاعدة" في سوريا أكثر ملاءمة لأهدافها فدعمته. في حين فضلت السعودية دعم"جيش الإسلام"، إلى جانب عصابات مسلحة أخرى ذلت مسميات مختلفة.

كانت قطر والسعوديةتفضلان إعطاء أسماء سهلة ودينية (أي لا تجلب الانتباه والتهديد) للجماعاتالمتمردة التي تدعمها. لكن تلك الخدعة لم تستمرطويلا. وبسرعة كبيرة، سادت الأسماء الدينية والإسلامية المتعصبة بشكل صارخ.

تمويل خليجي للحرب بمباركة أمريكية

غير ان التمويل القطري والسعودي للحرب السورية لم يكن شأنا داخليا يقتصر عليهما، ولم يكن مستقلا. فمنذ البدايات، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن عمليات نقل الأموال والأسلحة إلى سوريا، من الخليج العربي، حظيت بمباركة إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

كان ذلك الدعم مركزا، وكبيرا جدا، ويوميا، في ذلك الوقت،حيث كان كل طرفيتوقع سقوط نظام الأسد بسرعة، ويأمل كل منهم في تنصيب النظام الذي يدعمه بالدماء. غير ان تلك المنافسة القاتلة لم تسر كما كان مخططا لها،وخرجت عن السيطرة، وخصوصا مع إشراك اللاعبين الإقليميين والدوليين في الصراع السوري، مما أطال الحرب، وعمّق معاناة السوريين ووسّع مأساتهم وأثخن جراحهم.

وبالتالي، فان المنافسة بين السعودية وقطر كانت، وما تزال،عاملا رئيسا،في تدمير سوريا. كماان المشاركة المميتة لكلا النظامين كان لها دعم غربي كبير، ولم تكن بأي حال من الأحوال معزولة عن السياسات الغربية الطائشة وغير المسؤولة في الشرق الأوسط.

وبعدها، انشغلت السعودية وقطر بنزاعهما الخاص، بالإضافة إلى حرب اليمن. لكن حياة الشعب السوري ورفاهيته لم تكن في يوم من الأيام أولوية لأي من النظامين،كما لم في يوم من الأيام أولوية لأي من الأطراف الخارجية التي تدخلت في سوريا.

ترجمة: ناصر العيسة،عن: "ذي إنترسبت"

الكاتب : اسعد ابو خليل