نذبحهم صغارا

09/07/2018

كتب : حمدي فراج

أكيد ان هناك من يمنّي نفسه العربية ، من أن ترى طفلا عربيا يقفز الى سنته الجامعية الاولى وهو في الثامنة من عمره كما مع الطفل البلجيكي (لورين سيمونز) الذي قيل عنه ان نسبة ذكاءه بلغت 145% ، ليس من باب ان تتفاخر وتتباهى به أمته بين الامم فحسب ، بل لكي تكسر حاجز العجز والتخلف الذي منيت به على مدار قرون طويلة ، والتي أصبحت – صفة العجز والتخلف – كما لو أنها لعنة قدرية حلت علينا الى يوم الدين ، او جينا عربيا خالصا لا فكاك منه الا بتزواجنا من اعراق غير عربية على مدار عشرة أجيال تمتد الى عدة قرون اخرى قادمة.

أمنية النفس العربية هنا ، لا تقتصر ان يرى الفلسطيني نبوغا طفوليا فلسطينيا ، او المصري مصريا او المغربي مغربيا ، بل اي نبوغة في اي قطر عربي بما في ذلك الميئوس منها فقرا وعذابا وبؤسا ، تنضم اليها الاوطان المترفة غناء وفحشا ، ناهيك عن تلك التي ابتليت بالاحتلالات المباشرة وغير المباشرة والتي احدثت فيها تدميرا تصعب فيه الحياة على ابسط صورها.

لا تتطلب أمنية النفس العربية كلية جامعية بعينها كما مع الطفل البلجيكي لورين سيمونز الذي اختار كلية الهندسة ، فقد قال والداه ، انهما ينصاعان خلف رغبته وارادته ، حتى لو كان يريد ان يصبح نجارا ، وفي هذا يكمن الدرس الاول من ان خيارات اطفالنا ليست ملكا لابائهم واجدادهم ، او اعمامهم واخوالهم ، على اعتبار فهم خاطيء شائع ، من ان اطفالنا ملك لنا ، وبالتالي خياراتهم ورغباتهم واراداتهم . كثيرون كانوا سوف يبدون اعتراضاتهم لدى انكشاف نبوغة اطفالهم على كلية الهندسة ، فهذا يريده طبيبا ليفاخر به انه "ابو الدكتور" وذاك يريده تخصص عيون ليعالج عين والده المفقوءة ، وذلك تخصص عظام ليعالج ساقه المكسورة ... الخ.

قبل سنوات ، منّى المفكر السوري هشام شرابي نفسه بأمنية من هذا القبيل ، على شكل مختلف ، حين تساءل : "لماذا لا يوجد لدينا اينشتاين عربي ، او داروين عربي ، او فرويد عربي" ، وبالمناسبة ، فقد برز بعد هؤلاء ، علماء عظام اتباع لاينشتاين وداروين وفرويد ، لم يكن منهم اي عربي ، آخرهم الفيزيائي الفذ ستيف هاوكينغ ، الذي كان كل شيء فيه مشلولا باستثناء دماغه وعصبه البصري ، ولو عاش في اي بقعة عربية ، لطواه الاهمال وطوى عبقريته الفذة ، وعندما مات ، جاد عليه اعراب الفتوى انه ملحد ومصيره جهنم.

أجاب شرابي على تساؤله انه يوجد لدينا العشرات وربما المئات من امثال اينشتاين وداروين وفرويد ، ولكننا نذبحهم صغارا ، في حين ترعى بلجيكا لورين سيمونز.