"لن أُعانق عرفات".. كواليس اتفاقية أوسلو والطريق نحو عصيان مدني

13/09/2018

كتب: محمود حسنين

تحت أعين المخابرات الأمريكية والعالمية، وتحت سطوة أعين كلينتون الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية تم توقيع اتفاقية أوسلو في 13 أيلول عام 1993 في الساحة الخلفية للبيت الأبيض، الإتفاقية التي طال عمرها اليوم ربع قرن، ولم يأكل الفلسطينينون ثمارها حتى الآن، بل إنها سقتهم الحنظل منذ البداية.

يذكر كلينتون في مذكراته عن الكواليس الخفية لمسرحية توقيع الاتفاقية والتي جرى الإعداد لها قبل أن تنضج بشكل كامل، فيقول انه توجه إلى رئيس وزراء الاحتلال آنذاك إسحاق رابين وقال له "إنك إن كنت حقاً تريد السلام.. عليك مصافحة عرفات"، فرد رابين بشكل قذر وعلامات "القرف" بادية على وجهه: حسناً سأصافحه، ولكن دون عناق"، وكأن المنطق هنا تبدل، القاتل يرفض مصافحة الضحية، وكأن أيدي عرفات ملطخة بدماء الإسرائيليين وأيدي رابين بريئة من دم الفلسطينين الذي ما زال يسيل حتى الآن!.

المُشاهد لصورة مصافحة عرفات ورابين يكتشف التكبر والتعالي الذي يكنه الاسرائيليون للفلسطينيين، وهذا الشيء هو الحقيقة التي يجب عدم التغافل عنها، فالاتفاقية التي تمت بصورة سريّة وظلامية منذ اتفاق مدريد عام 1991 وحتى بزوغها إلى العالم كانت تخدم اسرائيل ليس اكثر.

فالمرحلة الانتقالية التي نُصت في الاتفاقية ومدتها 5 سنوات ها هي تطول اليوم لـ25 عاماً دون أن تحرك ساكناً، وكأنها تقول للفلسطيني "مكانك سر"، فلم تنسحب اسرائيل من الأراضي المصنفة (أ) و(ب) فعلياً، ولم تسيطر السلطة الفلسطينية على المناطق (ج) لتبدأ بعدها مرحلة مفاوضات الحل النهائي، ورغم كل ذلك لم يمنح الفلسطينيون اسرائيل اي حجة او ذريعة تنم على عدم إلتزامهم بالاتفاقية، فالتعاون الأمني أو ما يعرف "بالتنسيق الأمني" مستمر على قدم وساق، وإلقاء ملفات الشعب الفلسطيني ومشاكله على كاهل السلطة لم يجعلها تنكسر، ورغم انتهاء الـ5 سنوات الاولى من الاتفاقية قبل عشرين عاماً لم تصل القضية الفلسطينية الى حل نهائي.

والمتتبع لهذه العملية السلمية منذ البداية يجد ان القدس ما زالت تهوّد، والاستيطان لم يتوقف بل ما زال يقضم أراضي الضفة الغربية، وعدد المستوطنين ارتفع بعد الاتفاقية، كانت أعدادهم 110 ألف مستوطن، أصبحو اليوم 600 ألف مستوطن في الضفة الغربية، ما يعني أن عددهم ارتفع الضعف 6 مرات، والقضية المهمة الأخرى أن اللاجئين لم ينتهي منفاهم ولم يعوّضوا.

فإسرائيل منذ بداية الاتفاقية كانت ترى في هذه الاتفاقية مخرجاً مهماً امام العالم والمجتمع الدولي والذي عادة لا تهتم لقراراته، ولكنها في تلك المرحلة كانت بحاجة الى مزيد من الوقت حتى تفرض الحل على أرض الواقع، بناء على المعطيات الموجودة على الأرض ووفقاً لمصالحها، وقد نجحت في ذلك، فعقدت عدة اتفاقيات سلام مع دول عربية وأقامت علاقات تطبيعية مع أخرى.

اليوم.. يوجد اجماع فلسطيني وعربي ودولي على فشل اتفاقية أوسلو، وخاصة بعد ان قام الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بقتل كل ذرة أمل من بنود هذه الاتفاقية بدأً باعترافه بالقدس عاصمة لاسرائيل، مروراً بوقف تمويل "الانروا"، وإيقاف تمويلها للسلطة الفلسطينية، وآخرها -حتى اليوم- اغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة الامريكية.

اذاً، الدولة الفلسطينية التي كانت مأمولة من اتفاقية أوسلو لا تزال في غيبوبة لن تصحو منها، وحان الوقت لتشيع جثمان هذه الاتفاقية التي ولدت ميتة منذ ان خُط الحبر على الورقة، وبعد وصول حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل الى الحكم ووصول ترامب الى حكم أمريكا جاء القرار واضحاً للرئيس محمود عباس إما ان توّقع على "صفقة القرن"، أو ان تُطرد من أمريكا، وهذا ما حدث.

وأخيراً على الرئيس عباس اليوم قبل غد ان يقوم بحل السلطة الوطنية، ومن ثم اعلان العصيان المدني على الاحتلال، فكل الحقائق الموجودة منذ توقيع هذه الاتفاقية وحتى اليوم تؤدي الى ذلك،فالعصيان المدني هو السلاح الأنجع للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة من أجل نيل حريته واستقلاله، فاليأس من حلم الدولة الفلسطينية قد سيطر على أبناء الوطن، وأمله أصبح ضعيفاً او يكاد يكون مستحيلاً في ظل الظروف الاقليمية والدولية التي تعصف بالقضية الفلسطينية.