محمد ضبابات: شرطي ومصور بيئي مُحترف

16/09/2018

رام الله- وطن للأنباء- عبد الباسط خلف

أبصر محمد ضبابات النور في طوباس خلال شتاء 1983، والتحق بالعمل في جهاز الشرطة، قبلها نال الدبلوم المهني المتخصص في العلوم الشرطية من جامعة الاستقلال. هو أب لثلاثة أبناء، لكن سيرته الذاتية لا تكتمل كما يقول إلا بموهبته في التصوير الاحترافي للتنوع الحيوي.

وقال وهو يحتمي بكوفية حمراء من شمس الأغوار الحارقة: "أهوى تصوير الطبيعة منذ الطفولة، وأعتبر العين السلاح الذي يوثق ما تلتقطه الكاميرا، وأرى أن التقنيات مهمة، لكن الأهم اختيار الشيء المراد تصويره بعناية. وبدأتُ بكاميرا الهاتف النقال، فكاميرا ذات عدسة مقربة ( كانون بور شوت) التي تستخدم عادة للهواة، بعدها اقتنيت آلة تصوير احترافية".
وأضاف ضبابات: أتخصص في تصوير الطيور والحيوانات والطبيعة الجميلة، وأحرص على توثقيها، وأعتبر ملاحقة الطيور صعبة المنال، فهي تحتاج إلى صبر ومراقبة وطول نفس، وأحيانا أنتظر قرابة ساعتين أو أكثر لأجل صوره طائر واحدة.  وحين أقرر التقاط حركه لطائر معين أحتاج وقتًا أطول.

 

بدايات ورصد

 

وتابع: رصد الطيور علم وفن، وبطول الممارسة استطعت تحديد بعض أنواع الطيور من أصواتها، ما سهل علي التصوير والتصنيف، ولتحديد أنواع ما أرصده من طيور فلسطين ونباتاتها استعنت بكتب متخصصة.

ووفق ضبابات، فإنه يخصص كل يوم جمعه لتوثيق بيئة طوباس وغورها، فهي المنطقة التي تذكره بطفولته، فقد نشأ في ربوعها الساحرة، وكان الرفيق الدائم لجده الراحل الحاج جميل الحصني، وعشق منذ صغره الأرض والطبيعة، ولا ينسى هدية والده له في سن السابعة، وكانت آلة تصوير، يحتفظ بها حتى اليوم.
ومضى: "واجهت عوائق عديدة في توثيق بيئتنا وتنوعها الخلاب، والسبب الاحتلال فالتصوير في الأغوار الشمالية ليس بالسهل وتشوبه مخاطر الاعتداء من قبل الجيش والمستوطنين المسيطرين على العديد من المناطق البرية، ولكن لأنني أعرف الأغوار عن ظهر قلب، كانت مهمتي أسهل".

وسرد ضبابات: "نحن أصحاب الأرض، ومن حقنا المحافظة على طيورنا وأزهارنا، وتوثيقها، ونقل مشاهدها. وهناك العديد من الصور التي لم أستطع التقطاها بعد، فالطريق ما زالت طويلة أمامي."

 

غزلان واستيطان

 

وتابع: "سبق أن التقطت مشاهد الغزال الجبلي الذي كان معرّضًا لأن ينفق بفعل قنابل الاحتلال، ووثقت قطيعًا منه في أرض محاطة بالألغام من كل الجهات.
وأضاف ضبابات: الأغوار الشمالية تزهو في الربيع، وللأسف هي مجهولة، وقليلون من يعرفون تفاصيلها، ولذا أوثق بعض التجمعات البدوية والمناطق والمراعي، وأنشرها عبر صفحتي في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبحسب الراوي، فقد اختلفت بيئة الأغوار بشكل كلي بفعل التوسع الاستيطاني، وانقرضت أعدادٌ كبيرة من الطيور، خصوصًا المهاجرة منها، وأصبح غزال الجبل الفلسطيني مهددًا بفعل حقول التدريب ومعسكرات الرماية الحية، وجفف الاحتلال غالبية ينابيع المياه، الأمر الذي أثر سلبَا على التنوع الحيوي في الأغوار الشمالية، ومنطقه نهر الأردن التي تعتبر مسارًا رئيسًا للطيور المهاجرة خلال الربيع والخريف.

وقال: "رغم أن عملي في الشرطة الذي أعشقه وأفتخر به يعدُّ بعيداً عن هوياتي، إلا أنني أنتقل سريعًا بعد إنهاء واجباتي اليومية لمرافقة عدستي، فأنطلق إلى جبال طوباس الشرقية، لأوثق الطيور المهاجرة والمقيمة، وعند وجود متسع من الوقت أذهب إلى الأغوار الشمالية".

وتابع: "أفخر كثيرًا بصورة التقطتها الربيع الماضي لمسن يرعى قطيع أبقاره قرب مستعمرة، وهي لوحة تدلل على عمق التمسك بالأرض ومن شدة إعجابي بالصورة التقطت ما يقارب خمس صور له من زاويا مختلفة.

 

شغف جارف

 

ينشر ضبابات ما يجمعه على صفحته في "فيس بوك"، و"إنستغرام" وثلاثة مواقع عالمية عبر الإنترنت تهتم بالطبيعة والطيور، ولا يلقى أي عائد مادي، ولا يفكر إلا في نقل جمال الأرض والتنوع الحيوي لفلسطين، وتعريف الناس به، وكيفية الحفاظ عليه. ونجح في تنظيم وقته، واقتناء معدات التصوير باهظة الثمن، خصوصًا معدات توثيق الطيور وعدساتها المكلفة.

واختتم حديثه: "لم أفكر في تنظيم معارض شخصية، لكن أعمالي تُنشر في معارض للملتقى الفلسطيني للتصوير والاستكشاف. وأعتبر الكاميرا الشيء الأساسي في تخليد الصور واللحظات التي لا تتكرر، وأهم أداة للتوثيق، على الرغم من انتشار الهواتف الذكية. وسعيد بتأثر أولادي بهوايتي، فقد صاروا رغم صغرهم يعتبرون الكاميرا صديقتهم، ويعشقون استخدامها، وأصبحت معرفتهم بمناطق طوباس والأغوار كبيرة، وصارت الطيور والنباتات تشدهم، وازداد حبهم للأرض، وتضاعفت رغبتهم بالتعرف أكثر على تنوعنا الحيوي".

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية