مصالحة فلسطينية قادمة برعاية أمريكية ...د. إبراهيم أبراش

18/05/2013
الحوارات الحقيقية حول المصالحة ليست تلك التي تجري تحت الأضواء في القاهرة والدوحة بين حركتي فتح وحماس ،بل تلك التي تجري بالخفاء بين واشنطن من جانب وكل من فتح وحماس على حده ، ،مفاوضات لمصالحة ستكون جزءا من عملية التسوية. حوارات فتح وحماس المعلنة مجرد مهزلة وخداع للناس لان كلا المتحاورين يعلمان أن المصالحة اكبر من قدرتهم على إنجازها وأن المصالحة الفلسطينية الفصائلية لم تعد شانا فلسطينيا خالصا بل باتت جزءا من عملية التسوية وجزءا من عملية إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد.
لن تخرج الفصائل الفلسطينية وخصوصا حركة حماس عن استحقاقات الشرق الأوسط الجديد الذي يُعتبر ما يسمى بالربيع العربي أحد أدواته الإستراتيجية ، وحيث أن هذا الشرق الأوسط الجديد الذي يؤسَس على حساب الثورات أو الهبات الشعبية المغدورة يتم تحت رعاية أمريكية ، وحيث أن من يرعى المصالحة العلنية هما دولة قطر ومصر مرسي وهما طرفان فاعلان في الشرق الأوسط قيد التشكل وحليفان استراتيجيان لواشنطن ومؤيدان لنهج التسوية الأمريكية ،لذا لا نتصور أن يتم إنجاز مصالحة فلسطينية بعيدا عن الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة وعن مشروع التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي كجزء من هذه الإستراتيجية ،كما لن تتعارض المصالحة القادمة مع السياسة العامة لكل من مصر وقطر ،وحيث أن علاقات إستراتيجية تربط حركة حماس بكل من الدولتين السابقتين ،فإن ما نخشاه أن المصالحة الفلسطينية القادمة ستكون تحت رعاية أمريكية وكجزء من التسوية الأمريكية .
وهكذا تتداخل المصالحة مع التسوية السياسية مع الصراع على التمثيل الفلسطيني ،فحركة حماس تشعر بأنها باتت على درجة من القوة والحضور الشعبي بحيث تملك الحق برفض المصالحة التي تضع حركة حماس على قدم المساواة مع بقية فصائل منظمة التحرير والتي تنطلق من أن قيادة النظام السياسي الفلسطيني والشعب الفلسطيني حكرا على منظمة التحرير ،وبالتالي علي حماس أن تدخل المصالحة انطلاقا من القواعد والثوابت التي تقررها المنظمة وحركة فتح . إحساس حركة حماس بنشوة النصر بعد فوزها بالانتخابات التشريعية في يناير 2006 وبعد خوضها معركتين قاسيتين في مواجهة إسرائيل ،وفي ظل أجواء صعود الإسلام السياسي،كل ذلك لا يشجع حماس على تقديم تنازلات للرئيس أبو مازن ولا حتى لمصر الإخوانية أو قطر الصديقة وإن كان لا بد من تقديم تنازلات سياسية فليتم تقديمها مباشرة لواشنطن حتى تأخذ الثمن من واشنطن من خلال رفع حركة حماس من قائمة الإرهاب والاعتراف بشرعية سلطتها في قطاع غزة وعدم ممانعة واشنطن والغرب في أن تتقاسم حماس التمثيل الفلسطيني مع منظمة التحرير الفلسطينية هذا إن لم يكن الحلول محلها. انطلاقا من ذلك يمكن فهم تعثر كل جولات الحوار السابقة دون أن يفهم المواطنون الأسباب الحقيقية لفشلها ،إن حوارات القاهرة والدوحة وقبلها اليمن والسينغال الخ كانت تغطية للحوارات الحقيقية حول المصالحة التي كانت وما زالت تجري بالخفاء على مسارين :

1- حوارات مباشرة ومتواصلة بين منظمة التحرير وواشنطن،وبطريقة مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل ،وهي حوارات تأخذ طابع الضغط والابتزاز المالي حيث توظف واشنطن التمويل المالي كورقة ضغط على السلطة حتى لا تذهب بعيدا في المصالحة مع حماس قبل أن تقدم هذه الأخيرة ما هو متوجب عليها من شروط التسوية السياسية ،كما أن واشنطن استطاعت استيعاب وتدجين – بالمال والفكر- كثيرا من عناصر النخبة السياسية في السلطة الفلسطينية بحيث توظفهم لمواجهة أي تقارب سياسي وجماهيري بين فتح وحماس على قاعدة المشروع الوطني التحرري المتحرر من استحقاقات تسوية أوسلو .2- حوارات بين حركة حماس وواشنطن سواء بطريقة مباشرة ،أو غير مباشرة عبر الوسطاء القطريين والأتراك والمصريين.وهي حوارات تدمج بين المصالحة والتسوية السياسية والتمثيل الفلسطيني،حيث واشنطن لا تمانع في مصالحة فلسطينية على قاعدة الالتزام بمشروع التسوية كما وضعت خطوطها العريضة الأولى اتفاقية أوسلو ثم خطة خارطة الطريق والآن خطة جون كيري الجديدة ،ويبدو أن حركة حماس أصبحت لا تمانع من الانخراط في عملية التسوية وفي المفاوضات – وقد صرح السيد خالد مشعل لقناة c.n.nالأمريكية أنه لا يرفض المفاوضات من حيث المبدأ - وبالتالي فحركة حماس تقترب من الدخول في عملية المفاوضات من بوابة التسوية وليس من بوابة الرئيس أبو مازن أو غيره ،ستدخل المصالحة من خلال فرض وجودها كطرف فلسطيني يمثل الشعب الفلسطيني أو على الأقل كشريك مساو لمنظمة التحرير الفلسطينية.الحوارات الخفية التي تجري تقوم على أساس الصفقة أو الحزمة الواحدة :المصالحة والتسوية السياسية وإشكالية التمثيل الفلسطيني ولن تسمح واشنطن بنجاح أية من المسارات الثلاثة إلا بترابط مع الأخرى . وهكذا كلما اقتربت حركة حماس من الالتزام باستحقاقات التسوية الأمريكية كلما باتت المصالحة ممكنة وباتت حظوظها بالتمثيل الفلسطيني ممكنة،ويبدو أن حماس تشتغل على المسارات الثلاثة وتنجز بعض التقدم من خلال :

1- الموافقة على هدنة مع إسرائيل وهي هدنة تلبي مطلب وقف المقاومة ليس فقط انطلاقا من قطاع غزة بل أيضا في القدس والضفة الغربية ،ووقف المقاومة أحد شروط الرباعية.2- الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وهو ما يعني بطريقة غير مباشرة أو ضمنية الاعتراف بإسرائيل .3- محاربة حركة حماس للجماعات السلفية الجهادية في قطاع غزة وهذا يندرج ضمن الحملة الأمريكية لمحاربة الإرهاب .4- فك ارتباك حركة حماس بسوريا وحزب الله وتخفيف ارتباطاتها بإيران ،وهذا مطلب أمريكي .هذه التحولات في مواقف حماس يجعلها طرفا مقبولا كممثل للفلسطينيين أو لجزء منهم وممثلا لكيان غزة قيد التشكل ،وقد رأينا كيف باتت حركة حماس مقبولة في جامعة الدول العربية التي ترأسها عمليا دولة قطر ،لدرجة دعوتها لاجتماعات الجامعة.

ندرك الوضع الصعب لحركتي فتح وحماس بسبب الضغوط الكبيرة التي تتعرضان له من الفاعلين في النظام الدولي الجديد وفي معادلة الشرق الأوسط الجديد ،ولكننا نأمل ونتمنى من الحركتين أن يكون تعاملهما مع التسوية السياسية الأمريكية من باب المناورة والانحناء للعاصفة حتى تهدأ عاصفة التحولات الجارية في العالم العربي ،وليس من باب التسابق على تقديم تنازلات لواشنطن ،لأن واشنطن غير جادة في تحقيق سلام عادل للفلسطينيين ،وعلى حركة حماس أن تأخذ العبرة من تجربة الرئيس أبو عمار الذي قدم كثيرا من التنازلات لواشنطن وإسرائيل وجارى العرب في مبادرتهم للسلام ،وفي النهاية لم يحصل على شيء بل تم قتله في ظل صمت عربي ودولي مقيت وتجربة أبو مازن ليست أفضل حالا.

وننهي بالقول إن المصالحة الفلسطينية الحقيقية لن تكون إلا على قاعدة مواجهة الاحتلال وليس على قاعدة التنافس على السلطة والحكومة ،وأن أوراق القوة التي يجب أن يتسلح بها كل طرف فلسطيني لانتزاع الحق في تمثيل الشعب الفلسطيني يجب ألا تكون تحالفات مع واشنطن أو مع أي نظام عربي ،فهذه التحالفات لن تكون إلا وقتية ومصلحية. إن الأجدر بتمثيل الشعب الفلسطيني هو الأكثر قدرة على التعبير عن الثوابت الفلسطينية وعن الهوية والثقافة الوطنية ،إنه الأكثر مواجهة وصداما مع الاحتلال،وهذه المواجهة لن يستطيع القيام بها حزب بعينه بل تحتاج لإستراتيجية وطنية تعبر عن الكل الفلسطيني.