روابي: حكاية بناء وتحد تروى للأجيال القادمة

13.07.2015 09:44 AM

وطن-رام الله: فكرة انشاء مدينة جديدة عصرية ونموذجية، هي فكرة ريادية، وكأي فكرة أو عمل ريادي وطموح، كان من المتوقع أن يصاحبها جدل ونقاش عام، إلا أن الجوهري في هذا الأمر أنّ بناء مدينة فلسطينية جديدة في ظل سياسة إسرائيلية قائمة على المصادرة والاستيطان، وحجز قدرة المدن الفلسطينية القائمة على النمو، وخصوصًا في ظل نظرة اليمين المتطرف لمستقبل الوجود الفلسطيني، بما لا يتجاوز فرض معازل وكانتونات. 

إن بناء مدينة جديدة في منطقة مستهدفة أصلاً بالإستيطان، وتحويل منطقة مصنفة "ج" الى منطقة "أ"  شكل تحدياً استراتيجياً للسياسة التوسعية للإحتلال، وقد ظهر هذا الأمر في المعيقات الجوهرية التي حاول الاحتلال فرضها، وأبرزها إعاقة  مد المدينة بالمياه في محاولة لإفشالها  "فإسرائيل تعتبر أن أي نجاح فلسطيني، هو فشل لإستراتيجياتها، إلا أن الإهتمام العالمي بالمدينة استطاع ايصال القضية إلى المجتمع الدولي، للضغط على اسرائيل حتى انتزعت المدينة حق مواطنيها بالمياه، وبهذا المعنى تشكل روابي معركة حق وإرادة حياة في مواجهة إسرائيل، كعدو سافر يسعى دائماً لتعقيد وتعطيل حياة الفلسطينين.

النظر من هذه الزاوية يشكل مدخل نقاش موضوعي لأي نقد داخلي أو عام حول روابي، فمشروعية أي نقاش لا يجب أن يغطي أو يطغى على الصورة الأشمل، والمتمثلة بالصراع الوطني بكل مكوناته مع الإحتلال بكل عناصره واستهدافاته، والتي لا تستثني أحداً، وخاصةً المبادرات التي تعزز من قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والتطور، أو القادرة على مواجهة السياسة الإسرائيلية على مختلف الصعد.

عندما بدأت فكرة مدينة روابي عام 2007، كانت رؤية القائمين عليها تتلخص في بناء أول مدينة فلسطينية مخططة مسبقاً في تاريخ فلسطين الحديث،  تتيح إمكانية امتلاك منزل العمر لشريحة عريضة من المجتمع المحلي،  وخصوصاً من الأسر الفلسطينية الشابة والمقبلة على الحياة الزوجية،  وكان الهدف الأساسي متمثل بايجاد مدينة توفر كافة المرافق التجارية والثقافية والصحية والتعليمية، التي ستجعل منها مقصداً لجميع الفلسطينيين، ورافق بداية المشروع أسئلة مشروعة وأخرى غير مشروعة، كما تعرضت الفكرة كأي نشاط فلسطيني وطني الى حملات تضليل وتزييف، لاسقاط أي نجاح، فبالنهاية هذا المشروع هو مدينة فلسطينية عصرية ذكية متكاملة الخدمات،  ستصبح ملكًا للشعب الفلسطيني ورمزًا معماريًا على الأرض الفلسطينية، شُيد بالرغم من الاحتلال الذي يعيث في الأرض هدمًا وخرابًا.

روابي كما خُطط  لها، هي مدينة ليست فقط للسكن، بل للعمل والحياة بكل أشكالها و متطلباتها، وفق استراتيجيات الشركة المطورة ورؤيتها التي ترتكز على أبعاد تنموية واقتصادية واجتماعية هامة، تعود جميعها بالنفع على المجتمع الفلسطيني، فالمدينة توفر العديد من المرافق العامة التي لا تقع ضمن مسؤوليات الاستتثمار المحدودة،  والأمر نفسه ينطبق على البنية التحتية التي زادت من تكلفة المشروع، و ما يبهر الزائر لها هي المعالم المعمارية الفريدة، التي لم تشهد فلسطين لها مثيلاً من قبل، منها  أضخم مساحة ترفيهية في فلسطين "ودينا" والذي صُمم بشكل يعمل على ترسيخ الحياة الثقافية في المدينة، ليشكل باحتوائه على الحدائق والمساحات الخضراء، كما يحتوي على مدرج ذات طراز روماني عريق، والذي يُعد الأول من نوعه في فلسطين، وواحد من أكبر المدرجات في الشرق الأوسط، حيث يستوعب ما يزيد عن خمسة عشر ألف متفرج، وسيستوعب هذا المسرح  المهرجانات وعروض ثقافية وفنية محلية وعالمية لم يسبق لفلسطين أن شهدتها من قبل، والتي من شأنها استقطاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وبالتالي ترسيخ الثقافة والنهوض بالسياحة المحلية.

كما سيسهم تخطيط وتنفيذ مركز المدينة التجاري، في خلق بيئة استثمارية جاذبة، قادرة على استقطاب استثمارات عربية ودولية في العديد من الأعمال كالوكالات العالمية وأعمال الإمتياز التجاري، وتحفيز الاستثمار في القطاعات الواعدة والتي من شأنها خلق آلاف فرص العمل الدائمة مستقبلاً بالمدينة، كقطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصناعات المعتمدة علية.

مدينة روابي ستضم عند إنتهاء العمل بها، 23 حياً سكنياً تحتوي على ما يزيد عن 5000 وحدة سكنية بتصاميم مختلفة، فالمتجول في أحياء المدينة يستطيع أن يستنتج نمط الحياة الحضاري والمريح القادم فيها، ويستذكر الحارات الفلسطينية الأصيلة، كما ويأخذ الزائر انطباعأ أكيداً عن التنظيم العالي والبعد التام عن العشوائية سواء في البناء أو في توفير كافة الخدمات، حتى فيما هو جديد بالنسبة لنا كأن ترى ألعاب للأطفال وأجهزة للتمارين الرياضية في مختلف الأرجاء، وستستوعب المدينة بمراحلها الأولى ما يقارب 25000 نسمة، في حين سيصل عدد سكانها عند اكتمال البناء في حدودها التنظيمية إلى 40000 نسمة.

روابي تصبح كل يوم مدينة نموذجًا وانجازًا ورمزاً للشعب الفلسطيني بأسره ولعموم مؤسساته، فوجودها يفرض تحدي وطني سواء من حيث مستقبل هذة المدينة، ومسؤولية  نموها وتطورها وإتساع رقعتها والإستثمار الأفضل فيها، والأهم الاستفادة من هذا النجاح وتعميمه على أوسع نطاق، بإعتباره نموذجاً فعالاً لتعزيز القدرة على الصمود والبقاء من ناحية أخرى، كما أن المدينة تحولت إلى نموذج حقيقي يجسد قدرة الفلسطينيين على البناء والتطوير في ظل الإدارة الناجحة، و الكفيلة بالاستجابة لاحتياجات الكفاءات الشابة وتوفير فرص العمل لها، ناهيك عن أنها واحدة من الخطط الهامة لحماية الأرض المستهدفة من قبل المشروع الكولونيالي التوسعي الإسرائيلي.

 

تصميم وتطوير