تحقيق استقصائي لـ"وطن": "أطفال يتلذذون بالكيماوي"

24.12.2017 12:00 PM

رام الله – وطن – تحقيق نزار حبش : أجساد صغيرة هشة، تنتقي ما طاب لها من سكاكر وزواكي منتشرة في أسواقنا، لا تعي أن السم يختبىء داخل بعضها، هو جهل الكبار وبراءة الصغار الذين تُنتَهك طفولتهم يوميا في ظل رقابة ضعيفة.

في هذا التحقيق نكشف لكم بالفحص المخبري عن تلوث بعض السكاكر والزواكي المنتشرة في أسواقنا كيميائيا.

اضطرابات سلوكية !!

انطلقنا في تحقيقنا من معلومات خاصة حول اعتماد إحدى الحضانات في مدينة رام الله لحمية غذائية على أطفالها، توجهنا اليها فوجدنا أنها تمنع الأطفال من تناول السكاكر والزواكي المصنعة على مدار الأسبوع باستثناء يوم واحد، وتقدم لهم حلويات وعصائر طبيعية كبديل، ما آثار تساؤلاتنا حول دافع إدارة الحضانة للقيام بذلك.

صاحبة الحضانه لميس حجاوي قالت: إنه ومن خلال ملاحظتها وجدت أن الزواكي المصنعة تؤثر على سلوكيات الاطفال من ناحية فرط الحركة وغياب التركيز، مردفة "لم نعد نسيطر على أطفالنا".

واضافت ان الحمية الغذائية اثرت ايجابا على الأطفال، اذ تطورت سلوكياتهم ايجابا واصبحوا اكثر تركيزا، لكن المشكلة تبقى قائمة بسبب عدم السيطرة على غذاء الأطفال في منازلهم .

"الزواكي" في دائرة الإتهام !!

أقوال صاحبة الحضانة أثاردت دهشتنا، لذلك كان من الضروري الاستناد الى رأي طبي حولها، وهو ما أكده أخصائي الطب النفسي للأطفال د. محمد الخواجا، الذي يُشخص أكثر من عشرين حالة أسبوعيا بأعراض مماثلة!.

واكد الخواجا أنه لا توجد احصاءات دقيقة ورسمية في فلسطين حول عدد الأطفال المصابين بفرط الحركة والاضطرابات السلوكية وغياب التركيز، مشيرا الى أنه خلال السنوات الماضية كان يشخص أسبوعيا قرابة الخمسة حالات فقط، بينما ارتفع مؤخرا الى قرابة 25 حالة أسبوعيا.

وربط الخواجا بين الخلل السلوكي وفرط الحركة بسبب الغذاء الذي يتناوله الأطفال وتحديدا السكاكر والزواكي المنتشرة في أسواقنا والإقبال الكبير عليها، حيث قال إن "ارتفاع معدلات السكر والأصباغ الكيماوية يؤثر على خلايا الدماغ سلبا".

وأوضح أن التأثير الأبرز يكمن في حدوث خلل بالسيطرة لدى الأطفال على سلوكهم وتفكيرهم وتركيزهم.

14 عينة عشوائية خضعت للفحوصات المخبرية

المعلومات التي ذكرها الطبيب دفعتنا للخوض أكثر في عمق هذه القضية، فقررنا فحص عينات عشوائية من السكاكر والزواكي المنتشرة في أسواقنا.

واستعانت وحدة "الصحافة الإستقصائية" في "وطن" بخبراء سحب العينات الغذائية في وزارة الصحة، حيث جرى سحب اربع عشرة عينة عشوائية من ساكاكر وزواكي الأطفال في مدينتي رام الله والبيرة.

العينات سجلت وتم ترميزها في بيانات رسمية، وتوجهنا بها الى المختبر المركزي التابع لوزارة الصحة، في وقت قررنا فيه فحص نسبة الألوان كونها الأخطر على صحة الأطفال برأي الكثير من الخبراء.

استغرقت عملية الفحص الكيماوي مدة أطول من المعتاد كما أخبرتنا إدارة المختبر، فانتظرنا على مدار أسبوعين الى أن ظهرت النتائج.

مدير المختبر المركزي في وزارة الصحة ابراهيم سالم، أوضح لنا أن التأخير ناجم عن اعادة فحص العينات لأكثر من مرة.

وقال سالم: هناك فحوصات راسبة تم تأكيدها مرة أخرى بالفحص المخبري لتأكيد النتيجة.

وبعد تحليل دقيق للنتائج نكشف أبرز ما جاء فيها :
- مجموع العينات المفحوصة 14 عينة، منها 13 عينة احتوت على ألوان صناعية كيماوية باستثناء عينة واحدة احتوت على ألوان طبيعية.
- عينتان مخالفتان تجاوزتا الحد الأقصى لما هو مسموح به للأصباغ في التعليمات الفنية الإلزامية والمواصفة الفلسطينية والعالمية، حيث اعتبرتهما وزارة الصحة عينات ملوثة.
- العينتان المخالفتان واحدة لمنتج محلي والأخرى مستوردة من تركيا.
- بلغت نسبة التلوث من مجموع العينات المفحوصة 15%.

الصحة : العينات الراسبة مسمومة !!

مدير عام صحة البيئة في وزارة الصحة ابراهيم عطية، وبعد اطلاعه على نتائجنا المخبرية قال : كل مخالفه للمواصفات العالمية أو الفلسطينية التي وضعت لحماية الصحة وبخاصة الأطفال هي سامة، مردفا "كل زيادة في المواد الكيماوية تحديدا هي سامة، وبطبيعة الحال ما رسب من المواد المفحوصة نسميها مواد مسمومة بالتأكيد".

وأوضح عطية أن المواد الكيماوية عند دخولها للجسم بأكثر من الكمية المسموح بها وبأي شكل كانت تترسب في داخله وتسبب أمراضا خطيرة وقد يكون أخطرها مرض السرطان.

وتأتي تصريحات عطية في ظل احصائيات وزراة الصحة التي تؤكد إصابة حوالي 4000 شخص بالسرطان في فلسطين، بواقع 86 اصابة جديدة لكل مئة الف مواطن.

وفي السياق ذاته، قال د. ابراهيم عفانة الحاصل على شهادة الدكتوراة في الهندسة الغذائية إن ارتفاع نسبة الألوان الكيماوية يمكن أن تسبب أمراضا متعددة كتراكم الحصوات وصولا للسرطانات، مردفا : أقول بشكل قاطع أنها مواد سامة وخطرة وتعتبر مادة ملغومة للأطفال يمنع منعا باتا تواجدها بأي نسبة تفوق الحد المسموح.

انذارات للمخالفين وضبط للبضائع

عرضنا نتائجنا السابقة على مديرية صحة رام الله حيث تحركت طواقمها الرقابية على الفور وقامت بضبط كميات من المواد الراسبة وتوجيه إنذارات للمخالفين جاء فيها :

"السادة شركة ...... يجب عليكم الالتزام بالتعليمات الفنية الإلزامية الخاصة بالألوان، علما أن منتج ...... مخالف للتعليمات الفنية الإلزامية الخاصة بالألوان، وإن لم يتم ذلك تجرى بحقكم المعاملة القانونية".

وقال المفتش في قسم صحة البيئة – مديرية صحة رام الله والبيرة عرفات كبها لـ"وطن"، إن الطواقم الرقابية التابعة للوزارة ضبطت كميات من البضائع المخالفة وتم توجيه انذارات لصاحب المصنع والمستورد للالتزام بالتعليمات الفنية الالزامية الخاصة بالألوان، كما سيجرى فحوصات جديدة على بقية المنتجات لتأكيد سلامتها.

"المواصفات والمقاييس" : نراعي سمية المواد عند إعداد المواصفة

وفي اطار رد مؤسسة المواصفات والمقاييس على نتائج الفحوصات المخبرية قال رئيس لجنة التعليمات الفنية الإلزامية في المؤسسة سليم الجيوسي، إن "المؤسسة وعند إعداد مواصفة السكاكر والزواكي اعتمدت على المراجع الدولية التي تأخذ بعين الإعتبار سمية المواد المستخدمة".

وشدد أن "التعليمات الفنية الالزامية واجبة التطبيق للمستورد والمصنع محليا ويجب على الجميع الالنزام بها".
ويشار الى أننا حاولنا أخذ رد المخالفين على رسوب بعض منتجاتهم إلا أنهم رفضوا التعليق والظهور أمام عدسة الكاميرا، وطالبونا بوقف التصوير، وهو ما تم فعليا.

ووفقا لقانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005م، المادة 27 فقد نصت على ان " كل من عرض أو باع منتج مخالف للتعليمات الفنية الإلزامية، يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أو بكلتا العقوبتين".

"الاقتصاد ": لا نستطيع السيطرة

وأمام ما سبق كان لابد من مواجهة دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، باعتبارها المسؤولة المباشرة عن كل ما في الأسواق من مواد غذائية.

مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد ابراهيم القاضي قال: "إننا لا نستطيع السيطرة على معابر السوق الفلسطيني لأننا نفتقد السيادة على الحدود، وبالتالي يقوم المهربون بإدخال منتجاتهم من أي مدخل من مداخل الضفة، لاسيما وأن كوادرنا الرقابية لا تستطيع الوقوف عند كل مدخل".

وأشار الى أن رقابة الوزارة عكسية، ليس من الحدود وإنما من داخل الأسواق وهذا ما يفسر وجود كميات كبيرة من السكاكر والزواكي المخالفة للمواصفات والتعليمات الفنية الالزامية.

ووفقا لأرشيف وزارة الاقتصاد فقد اتلف ما مجموعه 310 طن من السكاكر والزواكي غير الصالحة للاستخدام الآدمي خلال عام 2016.
وأضاف القاضي أن "كمية (310 طن) أتلف جزء منها من مخازن التجار قبل عملية التسويق، وقسم كبير منها صودر عن البسطات قبل الأعياد في ظل انتشار كميات كبيرة من هذه السكاكر".

واستدرك القاضي قائلا : يمكن أن تتواجد هذه البضائع المخالفه في كل متجر.

وتعذر لوحدة "الصحافة الإستقصائية" في "وطن" الحصول على رقم دقيق لمجموع ما دخل الأسواق من الزواكي والسكاكر في عام 2016، بسبب عمليات التهريب التي أكدت وزارة الإقتصاد انتشارها بصورة واسعة.

وحاولت وحدة "الصحافة الإستقصائية" الحصول على عدد التجار والمنتجين والمستوردين الذين حولوا للقضاء على خلفية انتاجهم أو استيرادهم أو تداولهم لسكاكر وزواكي مخالفة للتعليمات الفنية الإلزامية، والإجراءات القانونية التي اتخذت بحقهم، لكن واجهتنا معضلة تتمثل في قيام الجهات الرقابية والقضائية باضافة مخالفي السكاكر والزواكي ضمن قائمة المخالفات الغذائية التي تشمل كل ما يتعلق بالمواد الغذائية في الأسواق، وغياب التخصيص حول نوع هذه المادة.

دراسات دولية تحذر !!

وتدعو دراسات عالمية عدة الى اتخاذ اجراءات جدية تجاه الملونات الصناعية الكيماوية والحد من استخدامها وانتشارها، كونها تؤثر سلبا على سلوك الأطفال، وهذه الدراسة المرفقة واحدة من عشرات الدراسات التي وجدناها على صفحات الإنترنت ..
https://cspinet.org/sites/default/files/attachment/Seeing%20Red.pdf
 

ما البديل عن "الزواكي الكيماوية" ؟؟

وفي ضوء كل المعطيات والأرقام السابقة فإن أخصائيي التغذية يحذرون الأهالي من استهلاك أطفالهم لأكثر من صنف في الوقت ذاته وهو الأمر الشائع، لأن معظم الزواكي والسكاكر تحتوي على أصباغ صناعية كيماوية كما ظهر في فحوصاتنا، الأمر الذي يضاعف من مخاطرها.

وفي هذا الإطار دعت أخصائية التغذية عائشة الغزاوي الأهالي الى استبدال الزواكي المصنعة بحصة من الخضار والفواكة والتوجه نحو كل ما هو طبيعي، وعرضه بطريقة جاذبة للأطفال.

ومن جهتها، قالت أخصائية التغذية آثار العجولي، إن على الأهالي التحرك الفوري حتى لو أصبح عمر أطفالهم 6 أو 7 سنوات، مردفة : "الوقت لم يتأخر، عليهم تغيير نظام الطعام بالكامل حتى ينمو بطريقة سليمة".

يكفي استهتارا بأجساد أطفالنا !!

وفي ظل كثرة الخروقات المتعلقة بالأغذية في أسواقنا، فإن القضية تحتاج الى مضاعفة الرقابة من قبل كل الجهات المختصة على جشع وجهل بعض المنتجين والمستوردين والتجار ومخالفتهم للقانون، وأمام كل ذلك فإن لسان حال المواطن يقول : "يكفي استهتارا بأجساد أطفالنا".

تصميم وتطوير