نصف طلبة المدارس يصلون الصف الرابع دون ان يجيدوا القراءة والكتابة

14.09.2011 05:53 AM
رام الله – تحقيق وطن: يُجْهِدُ الطفل أنس أسامة (15 عاما) عضلاتِه الغَضَّة في مشاغلةِ معداتِ تصليحِ المركباتِ في محلِ عمِّه بمنطقةِ البيرة الصناعية، بعد أن قرر تركَ مقاعدِ الدراسة في مدرسةِ رفات حيث قضى سبعة اعوام دونَ أن يتعلمَ حتى القراءةَ والكتابة.

حالُ الطفل انس كحالِ كثيرين من ابناءِ جيلِه، تُعطي مؤشرا واضحًا على تدنى مستوى التعليم الذي راهن عليه المجتمعُ الفلسطيني باعتبارِه احدى الوسائلِ المتاحة في حمايةِ وجودِه وسلاحهِ الأمضى في مواجهةِ الاحتلال وسياساتِه التجهيلية التطميسية.

ورغمَ وصولِ الطفل انس إلى الصفِ السابع الاساسي في مدرسةِ رافات الأساسية بنجاح إلا انه لم يتعلمْ مهارةَ الكتابةِ والقراءة ما دفع والدَه إلى إخراجِ طفلِه من المدرسة وتوجيهه للعمل معه في محلِ تصليحِ المركبات، لينضمَّ بذلك إلى غيره من الطلبةِ المتسربين من المدارس.

ويقول انس " وجودي في المدرسة مضيعة للوقت وعملي هنا أفضل بكثير"، مشيرا إلى ان عددا من طلاب صفه يستفسرون منه عن العمل ويؤكدون إنهم يعتزمون مغادرة مقاعد الدراسة في لانهم لا يستفيدون شيئاً" على حد قوله.

وأضاف" انا اقرأ واكتب بشكل خفيف جدا، لان المدرسة مش نافعة وبدي أضيع وقتي في أشي مفيد؟!".

وتبدو مشكلةُ الطالبِ انس عبد الفتاح، نموذجا لحالةً عامةً بين طلابِ صفه الذي غادره، حيث تُظهِرُ الكشوف الرسمية لعلاماتِ الطلبة في ذلك الصف (يضم 26 طالب وطالبة)، ان ستةَ طلابٍ فقط نجحوا في الدراسةِ دونَ إكمال في حين ان عشرين منهم انتقلوا للصفِّ التالي بعد إكمالِهم في موادِّ اللغةِ الانجليزيةِ والرياضيات والعلومِ الاجتماعية في وقتٍ لم تحصلْ سوى طالبةٍ واحدةٍ على معدل 91 بالمئة في مادةِ اللغةِ العربيةِ بينَما انحصرت علاماتُ بقيةِ الطلاب في هذه المادة ما 23 الى 75 بالمئة ما يُظهِرُ إشكاليةً حقيقةً تؤكدُ تدني المستوى التعليمي في فلسطين.

هذه الحالة يمكنُ تعميمُها على آلافِ الطلابِ الفلسطينيين الذين يتسربون من مرحلةِ الدراسةِ الإلزامية للانضمامِ إلى سوقِ العمل بعد فشلِ النظامِ التعليمي الرسمي في تطويرِ مهاراتِهم التعليميةِ في وقت تتنامى فيه مواقفُ سلبيةٌ لدى الطلبة وأولياءِ أمورِهم تجاهَ الدراسةِ والتعليمِ وتَتَجه قناعاتُهم بأن وجودَ ابنائهم على مقاعدِ الدراسة بات مضيعةً للوقتِ ليس إلا.

ويضعُ النجاحُ الشكلي للطالب انس في جميعِ صفوفِ المرحلةِ الأساسية، علاماتِ استفهامٍ على السياسةِ التعليميةِ والتربويةِ في الأراضي الفلسطينية التي تنتهجُها وزارةُ التربيةِ والتعليم العالي، ما يفتحُ المجالَ لإثارةِ العديدِ من الأسئلةِ حولَ مستقبلِ التعليم في فلسطين ومدى قدرةِ النظامِ التعليمي على ابتداعِ وسائلَ تعليميةٍ لتحسينَ صورةِ التعليم في أذهانِ الطلبةِ وتطويرِ قدراتِهم ومهاراتِهم لنيلِ العلمِ والمعرفةِ خاصة ان نحوَ 100 الفِ طالبٍ يلتحقون بالصفِّ الاولِ الاساسي سنويا.

وتعتمد وزارة التربية والتعليم نظاما فيما يخص ترفيع الطلبة في الصفوف من خلال ما يعرف بـ "الترفيع التلقائي" حيث كانت تمنع تسريب الطلبة في الصفوف الاول والثاني والثالث الاساسي في سنوات سابقة لكنها عادت هذا العام وأصدرت تعميما جديدا على مديريات التربية والتعليم في جميع المحافظات منعت فيه رسوب الطلبة حتى الصف الرابع الأساسي، في وقت حددت نسبة الطلبة المسموح بترسيبهم في جميع الصفوف بنسبة 5% فقط.

والدُ الطفل انس، المواطن أسامة عبد الفتاح صبَّ جامَ غضبِه على السياسةِ التعليميةِ في الاراضي الفلسطينية معتبرًا إياها فاشلةً، بكلِّ ما في الكلمةِ من معنى، موجهًا سهامَ نقدِه الى وزارةِ التربيةِ والتعليم وسياساتِها في متابعةِ الأوضاعِ الأكاديمية للطلاب في المدارس وضعفِ الرقابةِ على اداءِ المعلمين والمعلماتِ في المدارس.

ويقول عبد الفتاح،" لقد زرت ابني في المدرسة من اجل التعرف على وضعه التعليمي فوجدته يملأ الكرسي فقط دون ان يتعلم شيئا إلى حد انه لا يقرأ ولا يكتب " موضحا انه اضطر الى إخراجه من المدرسة والحاقة بمحل تصليح المركبات الذي يعمل به.

وأضاف " ان وزارة التربية والتعليم تتحمل المسؤولية كاملة عن تردي الوضع التعليمي لطلاب المدارس ، فلو كان هناك رقابة ومتابعة حقيقية لما وصل الامر الى هذا الحد"، مهاجما هذه السياسة التربوية والتعليمة ووصفها بانها" سياسة فاشلة".

وحسبَ إحصائياتِ وزارةِ التربيةِ والتعليم فان نسبةَ الطلبة المتسربين من المدارس تصلُ الى 3% وهذه النسبةُ مخيفةٌ حين يدورُ الحديثُ عن 20 الى 30 الف طالب وطالبة من المتسربين سنويا.

مديرُ التربية والتعليم في محافظةِ رام الله والبيرة، أيوب موسى عليان أقر بحقيقةِ التراجعِ في مستوى الطلبة ونوعيةِ التعليم مقارنةً مع الزيادةِ الكميةِ في أعدادِ الطلبة الملتحقين بالمدارس الذين تبلغ نسبتُهم قُرابةَ 98% مؤكدا وجودَ مؤشراتٍ حقيقيةٍ تدللُ على ضعفِ الطلابِ في الكتابةِ والقراءة في المرحلةِ الأساسية.

ويُسنِدُ ذلك الإقرارَ بكشفِه عن خطةٍ تعليميةٍ تستهدفُ تحسينَ قدرةِ الطلبة في الصفِ الأول وحتى الرابعِ الأساسيَّيْن في مهاراتِ الكتابةِ والقراءة ما يعتبرُ إقرارا إضافيا لتدني مستوى الطلبة وضعفِ قدراتِهم على الكتابةِ والقراءةِ في المراحلِ الأساسية التي تنعكسُ بصورةٍ دراماتيكيةٍ على مراحلِ الدراسةِ المدرسية وحتى الجامعية.

وتضطرُ بعضُ المدارس الخاصة إلى إعدادِ نموذجين لكشفِ علاماتِ الطلبة، أحدُهما يرصُدُ التقييمَ الحقيقي لمستوى الطلاب، فيما يتواءَم الآخر مع متطلباتِ وزارةِ التربيةِ والتعليم التي تحددُ نسبةَ رسوبِ الطلبة في الصفوفِ الأساسية بما لا تزيدُ عن خمسةٍ بالمئة.

ويقول عليان" ان تحديد نسبة الرسوب في الصفوف بنسبة 5% تعتبر مشكلة يعاني منها النظام التعليمي حيث يلزم المدرسين بان يُرفعوا الطلبة غير المؤهلين تعليميا لكي لا يتجاوزوا النسبة المحددة.

وفي الوقت الذي قلل فيه عليان من تدني نسبة الأمية القرائية والكتابية لدى طلاب المرحلة الأساسية وقوله بان نسبة هؤلاء قليلة ، إلا انه يعود ليؤكد وجود خطة أعدتها الوزارة لتحسين مهارات القراءة والكتابة لهذه المرحلة ما يعني أن الوزارة لديها مؤشرات حقيقية تؤكد وجود هذه المشكلة والانتكاسة في الواقع التعليمي.

وتكشف الباحثة التربوية سائدة عفونة عن أن المؤشرات التعليمية الموثقة تؤكد أن ما بين( 40 إلى 50 %) من طلاب الصفوف الأول والثاني والثالث والرابع الأساسي لا يجيدون القراءة والكتابة في مدراسنا"، الأمر الذي يظهر وجود حاجة حقيقة للتدخل الفعال في مواجهة هذه المخاطر التي تهدد حاضر ومستقبل التعليم في فلسطين.

وبينًما يَعزي المسؤولون التربويون الرسميون ذلك التراجعَ الى ضعفِ أداءِ المعلمين في المدارس، فإن الأمينَ العام لاتحادِ المعلمين الفلسطينيين، محمد صوان يُقِرُّ بوجودِ ضعفٍ في الأداءِ التعليمي وقال" من الواضح ان النظام التعليمي يعاني من إشكالية انحدار وتراجع ويجب الوقوف عند هذا الوضع .

وتابع " منذ عام 1994 ولغاية الآن يجري تدريب وتأهيل المعلمين عبر دورات تدريبية مختلفة لكن ذلك لم يعط نتائج ملموسة على الأرض ما يضع أسئلة على الجميع واجب الإجابة عليها"، رافضا تحميل المعلمين المسؤولية عن تراجع وتدني المستوى التعليمي .

وقال " المسؤولية عن ذلك تتحملها وزارة التربية والتعليم والجامعات الفلسطينية، والدليل على ذلك أن 67% من الطلبة الخريجين الذين يتقدموا للتنافس على الوظائف التربوية يرسبوا في اختبارات التوظيف".

ويتفق عليان مع ما قاله صوان بخصوص اشكالية تخريج الطلبة الجامعيين المتخصصين في مجال التعليم والتربية لكنه اشار الى ان الوزارة لديها خطة متكاملة مع الجامعات الفلسطينية للبدء باعتماد برنامج تاهيل المعلمين من خلال تأهيل الطلبة في الجامعات منذ السنة الدراسية الثانية والزامهم بالتدريب لستة فصول قبل تخرجهم من الجامعة.

الأخصائيون التربويون والمعلمون يعتبرون تراجعَ نوعيةَ التعليم في الأراضي الفلسطينية نتيجةً حتميةً لغيابِ التنسيقِ وضعفِ الشراكةِ بين مؤسساتِ المجتمعِ المدني والأهالي ووزراةِ التربيةِ والتعليم، في حين يعزو البعضُ تراجعَ التعليم العام الى إشكالياتٍ حقيقيةٍ في نظام التعليم.

المعلوماتُ التي جمِعت في اطارِ هذا التحقيق تكشفُ عن إشكالياتٍ مقلقةٍ إزاءَ نسبةِ دوامِ الطلبة على مدارِ السنة ويتضحُ ذلك عندما نجدَ ان عددَ ايامِ دوامِ الطلبة في المدارس الحكومية يصلُ الى 186 يوما يمضى الطلبة 5 ساعات في مدارسهم يوميا.

المنهاجُ الفلسطيني.. اشكاليةٌ اخرى تطفو على سطحِ اشكالياتِ التعليمِ الفلسطيني، فالمنهاجُ مَعَدٌّ على اساسِ زمنِ الحصةِ الصفيةِ 45 دقيقة، بينما ألزم الاتحادُ العام للمعلمين وزارةَ التربيةِ بخفضِ الحصةِ الى 40 دقيقة ما يعني ان نصفَ ساعةٍ خُصِمَت من اليومِ التعليمي الواحد.

وفي ذلك يعلقُ الخبيرُ التربوي عمر عنبر" المنهاج الدراسي الفلسطيني اعد على أساس ان الحصة الدراسية 45 دقيقة لكن الاتحاد العام للمعلمين الزم الوزارة بخفض ساعات التدريس للحصة الواحدة الى 40 دقيقة".

وقال " للأسف الوزارة أذعنت لمطلب الاتحاد ووافقت عليها الأمر الذي يستوجب ضرورة العمل من اجل اعادة النظر في هذه الموضوع واتخاذ القرارات السليمة في هذا الاتجاه".

وكشف عنبر الذي يتولى مسؤولية ادارة التعليم العام في وزارة التربية والتعليم (بعد 38 عاما امضاها في مهنة التعليم) عن وجود نقص حقيقي في معلمي الرياضيات وحتى معلمي اللغة العربية خاصة المعلمين الذكور، مشيرا الى وجود عزوف في اوساط المعلمين الذكور عن الالتحاق بمهنة التعليم .

وقال عنبر " يوجد علاقة مترابطة بين التحاق الطلبة بالنظام التعليمي وبين نوعية التعليم الذي يقدم"، موضحا ان الوزارة ركزت خلال السنوات الماضية على الجانب الكمي من خلال بناء المدارس وتوفير الابنية والمراكز والمعلمين، وآن الاوان لها ان تنتقل نحو التركيز على نوعية التعليم في اعتراف ضمني بحقيقة التركيز على الكم على حساب النوع.

واشار الى اشكالية حقيقية فيما يخص عدد ايام دوام الطلبة في مدراسنا التي تصل في معدلها الى 180 يوما يحصل الطلبة خلالها على 5 ساعات تدريسية يوميا".

مديرُ عام مركز إبداع المعلم، رفعت الصباح يؤكدُ أن ما يقومُ به المركز يتمثلُ في إضافةِ قيمٍ جديدةٍ وتقنياتٍ حديثةٍ في التعليمٍ وإمدادٍ الوزارةٍ بخبراتٍ ذاتِ أهمية، مطالبًا بإصلاحِ نظامِ التعليم في فلسطين بما في ذلك نمطُ الإدارة التي تتولى الإشرافَ على التعليمِ خاصةً النظامَ المركزيَّ المعتمد الذي يعيقُ عمليةَ تطورِ وتحقيقِ الإبداعِ في العمليةِ التعليمية.

وقال "الإصلاح الذي تم في النظام التعليمي هو إصلاح قشري وليس إصلاحا جوهريا، مشيرا الى تدني مستويات التعليم الأساسي بصورة مرعبة"، مؤكدا في الوقت ذاته اهمية تحقيق الشراكة بين مختلف مكونات النظام التعليمي والمجتمع ومؤسسات المجتمع المدني لرسم سياسة تعليمية جديدة.

ويرفضُ الوكيلُ المساعد لشؤونِ التعليمِ في وزارةِ التربية والتعليم العالي، بصري صالح فصلَ التراجعِ في مستوى التعليمِ الفلسطيني عما تُعاني منه العديدُ من الدولِ الأجنبيةِ والعربية فيما يخصُّ تراجعَ مستوياتِ التعليمِ بصفةٍ عامة. رغمَ إقرارِه بوجودِ تراجعِ حقيقيٍّ في مستوى التعليمِ في الأراضي الفلسطينية.

وقال " لا يمكن النظر للتعليم في فلسطين بمعزل عن الإقليم والعالم"، موضحا أن حالة التراجع في المستوى التعليمي هي ظاهرة عالمية بفعل التطورات التكنولوجية ووسائل الاتصال الأمر الذي أدى إلى وجود شكوى دولية وإقليمية من التراجع الأكاديمي الحاصل في كل النظم التعليمية.

ويشيرُ صالح الى وجودِ تراجعِ حقيقيٍّ في مستوياتِ تحصيلِ الطلبةِ في موادِّ الرياضياتِ واللغاتِ والعلوم ويقول: " النظام التعليمي يواجه مجموعة من التحديات الحقيقية ابرزها قدرة التعليم على الاستجابة لتحقيق النوعية التي نريدها للمستقبل في ظل تزاحم وتنوع اهتمامات الطلبة".

ويؤكدُ صالح رفضَه الكامل لأنْ يصلَ الطالبُ الى الصفِ السابع دونَ امتلاكِه مهارةِ القراءةِ والكتابةِ كحالةٍ يُجَسِّدُها بشكلٍ جليٍّ الطالب أنس أسامة عبد الفتاح، لكنه يحمِّلُ المجتمعَ بأكملِه مسؤوليةَ محوِ الأميةِ القرائيةِ، ويقول: هذا امر غير مقبول على الاطلاق وهناك تحديات كبرى ونحن في مرحلة اعادة صياغة النظم القائمة من خلال الخطة الاستراتيجية التي تبنتها الوزارة لاول مرة بما في ذلك الاهتمام بهذه الفئة التي تعاني مما يعرف الامية القرائية والحسابية والحاسوبية".

ويدعو صالح لتصحيحِ ما وصفه بالمفاهيمِ المعتَمَدَةِ من قبلِ الوزارة وبين الممارسات التعليميةِ في المدارس مُقِرًّا بوجودِ خللٍ في طبيعةِ الممارسةِ في المدارس التي لا تعكسُ توجهاتِ الوزارة، مشددا في الوقت ذاته على ان المسؤولية تتحملها كل قطاعات المجتمع ما يستدعي تحقيق الشراكة في النهوض بواقع التعليم في فلسطين وتنمية الوعي باتجاه اهمية تطويره والابتعاد عن استخدام وسائل الماضي في التعليم والانتقال الى تسخير الوسائل الحديثة لاكساب الطلبة المهارات المعرفية والسلوكية التي تقودنا نحو التعليم الذي نريده لبناء الدولة الفلسطينية المقبلة.

وفي الوقت الذي تكشف فيه المعلومات عن تردي وتدهور واقع التعليم في المرحلة الاساسية فان انعكاسات ذلم تتجسد بصورة ماثلة للعيان في نتائج امتحانات الثانوية العامة التي تبلغ نسبة الرسوب فيها ما يزيد عن 40% على اقل تقدير كل عام .

تصميم وتطوير