في تحقيق استقصائي لـ" وطن": الصحافيون الفلسطينيون في مواجهة الانتهاكات والاعتداءات

23.11.2011 09:23 AM

لم يتوقع المصور الصحفي، مهيب البرغوثي (46عاما)، ان تتحول مهمته المهنية في تغطية الاحداث الى تهمة تعرضه للضرب والإصابة بجروح متوسطة في رأسه وخدوش وركلات في ظهره وكتفه الأيمن، على ايدي جنود الاحتلال الذين يتهموا المصورين بتشويه صورتهم؟!

واكد البرغوثي ان تعرضه للاعتداء من قبل جنود الاحتلال وقع اثناء قيامه بمهمته الاعلامية حينما حاصره جنود الاحتلال ودورياتهم وحاولوا مصادرة كاميراته، حيث قام الجنود باعتقاله والاعتداء عليه بالضرب والاهانة وتكبيله لساعات قبل ان يقوموا برميه على جانب احد الطرقات الرئيسية.

الاعتداء على البرغوثي هي واحدة من الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيين الميدانيين في الخطوط الاولى من المواجهات والاشتباكات بين المواطنين وجنود الاحتلال.

الصحافيون المحليون يخدموا في هذه المهنة بـ"ظهر مكشوف " وفي ظل تدني مستوى الوعي بأبسط قواعد ومتطلبات السلامة المهنية الأمر الذي يضاعف من حجم الاعتداءات والانتهاكات التي يتعرضوا لها إثناء قيامهم بواجبهم المهني.

ويقول المصور الصحفي الذي كان احد ضحايا الفلتان الامني، اسامة السلوادي، ان حماية الصحافيين يتم من خلال التدريب والتأهيل للصحافيين والمصورين على وجه الخصوص اثناء تأديتهم عملهم الميداني وتغطية المظاهرات ، مشيرا إلى أهمية عقد المزيد من الدورات المتخصصة للصحافيين في هذا المجال.

من جانبه يتفق المصور الصحفي، ناصر الشيوخي، مع اهمية تدريب وتأهيل الصحافيين لكنه يلوم بعض الصحافيين الذين يصفهم بالمغامرين والمندفعين اثناء عملهم رغم تشديده على ان حياة وسلامة الصحافيين يجب ان تكون اهم من القصص والصور.

وبينما يخاطر الصحافيون المحليون بحياتهم في سبيل تغطية الأحداث ونقل الحقائق للجمهور، فان حالة من اللامبالاة تسود المؤسسات الإعلامية المحلية تجاه ابسط الالتزامات تجاه هؤلاء الصحافيين الذين يضطروا للتوجه إلى مراكز الأحداث دون أدوات ومعدات الحماية الواجب توفيرها لهم إثناء عملهم، ما دفع العديد من الإعلاميين والمسؤولين لانتقاد تقصير المؤسسات الإعلامية في القيام بالتزاماتها تجاه الصحافيين.

ويقول الاعلامي خالد ابو عكر مدير عام شبكة امين الاعلامية، الصحافيين لا يدركوا خطورة ما يتعرضوا له الا حينما وقوع ذلك الامر الذي يتوجب على مؤسساتهم وعليهم اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر والحفاظ على سلامتهم الشخصية اثناء العمل.

ويرى الاعلامي والصحفي خليل شاهين، وجود قصور حقيقي من قبل المؤسسات الاعلامية في ايلاء موضوع سلامة الصحافيين الاهمية الكافية، مشيرا الى وجود تحسن في دور نقابة الصحافيين في هذا المجال من خلال تنفيذ دورات تدريبية متخصصة في مجالات السلامة المهنية للصحافيين.

وشدد شاهين على اهمية توعية الصحافيين في مجالات السلامة المهنية الامر الذي يساهم في تحسين جودة ونوعية التغطية الاعلامية دون تعريض حياة الصحافيين للخطر.

واكثر ما يزيد من الحاجة لتسليط الضوء على ظروف عمل الصحافيين المحليين، يتمثل في تزايد الانتهاكات والاعتداءات التي يتعرض لها الصحافيين العاملين في الأراضي الفلسطينية، حيث تشير الى المعلومات لدى نقابة الصحافيين والمؤسسات التي ترصد هذه الانتهاكات الى تعرض المئات من الصحافيين للاعتداءات وانتهاكات متنوعة من قبل قوات الاحتلال والأجهزة الامنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

من جانبه يقول نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين، عمر نزال، ان الاحتلال الاسرائيلي هو المصدر الاول للانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيين الفلسطينيين خاصة الصحافيين الميدانيين واثناء المواجهات الامر الذي يجعل الصحافي الميداني هو الاكثر حاجة لمتطلبات وإجراءات السلامة المهنية، مشيرا الى ان نقابة الصحافيين باشرت بتنفيذ مشروع السلامة المهنية منذ 3 اشهر وهى تسعى لتطويره لكنه قال " النقابة لا تملك عصى سحرية لاحداث التغيير الفوري في هذا المجال".

من ناحيته يؤكد مدير عام مركز مدى للحريات الاعلامية، موسى الريماوي، ان مؤسسته التي تقوم بتوثيق الانتهاكات والاعتداءات بحق الصحافيين في الاراضي الفلسطينية، تلاحظ تصاعد الانتهاكات التي تكون في اغلبها بفعل الاحتلال وجنوده وتمركز الانتهاكات في مناطق المواجهات مثل النبي صالح وبلعين وبلعين وعراك بورين والقدس، مشددا على اهمية توعية الصحافيين في مجالات السلامة المهنية .

وتعتبر الاعتداءات الجسدية التي يتعرض لها الصحافييين هي الاكثر حيث اظهرت التقارير ان 218 اعتداءا وقع بحق الصحافيين خلال العام الماضي منها منها 99 اعتداء جسديا اغلبها على ايدي جنود الاحتلال، في حين سجلت 36 حالة احتجاز للصحافيين في العام ذاته لدى سلطات الاحتلال والاجهزة الامنية الفلسطينية و32 حالة اعتقال لصحافيين منها 18 حالة لدى سلطات الاحتلال و12 حالة لدى الاجهزة الامنية.

وبينما اشار وكيل وزارة الاعلام، المتوكل طه، الى استشهاد 16 صحافيا فلسطينيا منذ عام 1967 ، الا ان نقابة الصحافيين والمؤسسات الحقوقية تشير الى ان عدد الشهداء الفلسطينيين من الصحافيين وصل الى 24 شهيدا منهم 20 صحافيا قتلوا برصاص وقذائف الاحتلال.

واشار طه الى تعرض 1017 صحافيا وكاتبا واعلاميا للاعتقال في سجون الاحتلال في حين ان 34 صحافيا اصيبوا بجروح تركت اثرا واضحا على اجسادهم.

واكدت ممثلة الصليب الاحمر الدولي ، نادية الدبسي، قلقها ازاء تصاعد الانتهاكات والاعتداءات بحق الصحافيين الذين يكونوا عرضة للقتل او الاعتقال او الاختطاف والاختفاء وقالت " هذا مصدر قلق دائم رغم ان الصحافيين بما فيهم الصحافيين المستقلين مكفولين بالحماية القانونية الدولية باعتبارهم مدنيين.

ويرى مسؤول العلاقات العامة والاعلام في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، مجيد صوالحة، ان مسؤولية السلامة المهنية للصحافيين يتحملها اكثر من جهة تبدا من الصحفي نفسه ومؤسسته الاعلامية ونقابة الصحافيين اضافة الى غياب المنظومة القانونية والعدالة في فلسطين الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على زيادة تعرض الصحافيين للاعتداءات وانتهاك حقوقهم.

وفي الوقت الذي بادرت فيه نقابة الصحافيين الفلسطينيين بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين الى تأسيس مركز للسلامة المهنية للصحافيين في الاراضي الفلسطينية في اطار مشروع بناء ثقاقة السلامة المهنية في اوساط الصحافيين فان خبراء واكاديميين يشددون على اهمية تضمين هذه الثقافة في المواد التعليمية لطلبة الاعلام في جامعاتنا الفلسطينية.

ويكشف استاذ العلاقات العامة والمحاضر في جامعة بيرزيت د.نشات الاقطش، حالة عدم المبالاة في اغلب جامعات الاعلام في الوطن ازاء موضوع السلامة المهنية ويقول " لقد عملت في خمس جامعات وموضوع السلامة المهنية لا يتم التطرق اليه".

واضاف" موضوع السلامة المهنية امر مهم جدا خاصة ان قرابة 100 صحفي يقتل سنويا وفي عام 2009 قفز الرقم عن ذلك في حين ان عدد الجرحى من الصحافيين يعد بالمئات "، مشددا على اهمية نشر ثقافة السلامة المهنية في الوطن العربي والاستفادة من تجارب المؤسسات الاعلامية الدولية في هذا المجال.

اتفقت مديرة معهد الاعلام في جامعة بيرزيت، نبال ثوابتة، مع الاقطش مع اهمية التوعية بالسلامة المهنية للصحافيين وقالت " هذا الموضوع من الواضح انه مازال غير ناضجا ويحتاج للمزيد من الجهود ، مشيدة بدور نقابة الصحافيين في مباشرة تنفيذ مشروع السلامة المهنية بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين في الاراضي الفلسطينية.

ولحين استكمال نمو بذار ثقافة السلامة المهنية في اوساط الصحافيين الفلسطينيين، فان الصحافيين الفلسطينيين العاملين في المؤسسات المحلية يشددون على اهمية التحرك العاجل والضغط على مؤسساتهم الاعلامية لتوفير الحد الادنى من شروط ومتطلبات السلامة المهنية لهم وعدم تركوا وحيدين في مواجهة المخاطر في الميدان وتعزيز حقيقة ان حياة الصحافي وسلامته اهم بكثير من القصص والصور التي قد يدفعوا حياتهم ثمنا لها.
 

تصميم وتطوير