الأزمة المالية في الجامعات الفلسطينية...مرة أخرى - بقلم: عقل أبو قرع

04.09.2015 09:12 AM

قبل ايام هددت نقابات العاملين في الجامعات الفلسطينية بأتخاذ خطوات احتجاجية، في اطار مطالب لها علاقة بالازمات المالية وتداعياتها، التي عانت وما زالت تحياها الجامعات، حيث من الواضح ان كل الجهود والاجراءات والسياسات، التي اتبعتها وتتبعها الجامعات الفلسطينية، وحتى لوكانت على حساب الجودة والنوعية والمستوى والسمعة، لم تنجح في ايجاد حلول جذرية للازمات المالية المتراكمة التي عانت وما زالت تعاني منها هذه الجامعات، وما زالت الجامعات تعاني من العجز المالي السنوي والتراكمي، وبسبب ذلك ما زالت تعاني من التخطيط بعيد المدى، وما زالت تعاني من تبني استراتيجية مستدامة للبحث العلمي، وحتى ما زالت تعاني من الاستقرار على اصعدة عديدة.

وبغض النظر عن المسبب الاساسي لهذة الازمات، سواء اكانت الحكومة او وزاراتها المعنية، او ادارات الجامعات ومجالس امنائها، او الاوضاع العامة التي نعيشها من ظروف سياسية وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، او بسبب ضعف التخطيط وتنويع المصادر، او بسبب حتى ثقافة الاستهتار او عدم الالتزام من قبل الطلبة بتسديد مستحقاتهم، او غير ذلك من الاسباب، الا ان هذه الازمة المالية طاردت وعطلت التخطيط والتحديث والتطوير عند ادارات الجامعات، ويبدو انها سوف تستمر في ذلك.    

والخطوات الاحتجاجيه بسبب الازمات المالية في الجامعات الفلسطينيه، ليست بالخطوات الجديدة وبغض النظر عن طبيعة اوحجم المطالب، الا ان هذه الاجراءات تتمحور في النهايه حول تحسين الظروف المعيشيه للعاملين، او بالادق حول الاوضاع الماليه للجامعات وانعكاسات ذلك على حقوق العاملين والتزامات الجامعات نحو ذلك، وهذه المطالب تدور في نفس الاطار الذي دارات فيه مطالب العاملين في كل الفترات التي شهدت تحركات للعاملين في الجامعات الفلسطينيه، وبالتالي فأن نوعية المطالب واسبابها معروفه منذ سنوات، وليست وليدة هذه الايام.

وحين الحديث عن الجامعات الفلسطينيه، فهناك العديد من الاطراف ذات العلاقه، او التي لها مسؤؤليه بعمل الجامعات، بدءا من الحكومة والوزارة المعنيه، ومجلس التعليم العالي هذا اذا ما زال هناك مجلسا للتعليم العالي يعمل بفعالية، ومؤسسات المجتمع المدني، والمجلس التشريعي الفلسطيني المعطل ، وبالطبع الاطر الخاصة، التي ترسم سياسات الجامعات وتتحمل مسؤلية مواصلة عملها وتقدمها، اي مجالس امناء الجامعات.

ومن المعروف ان غالبية الجامعات الفلسطينيه المعروفة، ليست بالجامعات الحكوميه، اي لا تتبع الحكومه او وزارة التعليم العالي بشكل مباشر، اي ان رؤساء الجامعات ليسوا مسؤولين امام الحكومه او بالتحديد الى وزير التعليم العالي، ولكن وحسب الانظمه الموجوده، فأن رؤوساء الجامعات يتم تعيينهم من قبل رئيس او مجلس الامناء الذي يشرف على الجامعه، وبالتالي فهم مسؤؤلون لهم، وبشكل عملي فأن مجالس الامناء هم مسؤولون عن توفير كافة المصادر لتأمين العمل الطبيعي لرؤساء للجامعات ولاداراتها.

وفي نفس الوقت، فأن دور رؤوساء او ادارات الجامعات هو ادارة هذه المصادر بفعاليه، وبشكل يلبي حاجات الطلبة وحقوق العاملين، وتأمين السير الطبيعي لعمل الجامعات، وكذلك العمل على تطوير الجامعات اكاديميا وبحثيا، وهذا الوضع هو الموجود في دول العالم التي تحوي جامعات مماثله للجامعات الفلسطينيه، اي جامعات يحكمها مجالس امناء، ففي الولايات المتحده على سبيل المثال هناك جامعات تتبع الولايات مباشرة (جامعات حكوميه) وبالتالي الولايات مسؤوله عنها وبشكل كامل، وجامعات خاصة ليست للربح، يشرف عليها وعلى تأمين مواردها، واستثمار اموالها مجالس امناء وبالتالي فأن الامور تسير بشكل طبيعي، ولا نسمع عن اضرابات، واذا لم يستطع مجلس الامناء تأمين المصادر للعمل الطبيعي وللتطوير الجامعات، فأنه من المتوقع ان يعلن فشله وبالتالي تبحث الجامعه عن بدائل او اطارات اخرى من اجل العمل بشكل طبيعي.

ورغم الاثار السلبية المتراكمة للازمات المالية التي تعاني منها الجامعات الفلسطينية، الا ان هذه الازمات من المتوقع ان تفتح النقاش حول العلاقة او دور الجهات الرسمية، من حكومة ومن وزارة التعليم العالي ومن مجلس تعليم عال، نحو الجامعات العامة، وهل دور هذه الجهات هو دورا محدودا فقط او دورا غير مؤثر، او فقط يتعلق بالمطالبة بتوفير ذلك الجزء المالي البسيط لدعم الجامعات العامة، وماذا مثلا ان قرر مجلس امناء احدى الجامعات العامة، وهو الذي يملكها،  تحويلها الى جامعة خاصة، او جامعة ذو واجهة محددة، او ذو نمط معين، ماذا يمكن ل وزارة التعليم العالي او للحكومة ان تفعل؟

ومن تداعيات الازمات المالية للجامعات، من المفترض ان يكون فتح النقاش وبشكل واسع حول علاقة الجامعة بالمجتمع، وبالتالي مدى اهتمام هذا المجتمع بها، سواء من خلال المنتج الذي تزودة بة وهم الخريجين والجميع يعرف نسب البطالة بينهم ويعرف طبيعة التخصصات، وكذلك حول علاقة الجامعات بالقطاع الخاص من شركات ومؤسسات ومصانع، وعن علاقتها او بالادق اهتمام مؤسسات المجتمع المدني والاطر والكتل بها، والتي كانت في الماضي بأزمة وبدون ازمة تتسابق لاظهار حرصها او اهتمامها بالجامعات.

ورغم ان الامال ليست كبيرة، في ايجاد حلول بعيدة المدى او حلول جذرية للازمات المالية التي تعاني منها الجامعات، الا ان مواصلة هذه الازمات وبالتالي التهديد بأتخاذ اجراءات بسبب هذه الازمات،  من المفترض ان يفتح الباب واسعا امام نقاش وطني شامل،  ينتج عنة استراتيجية جديدة، تهدف الى احداث التغيير او بالبدء في التغيير في فلسفة واهداف وتطلعات التعليم العالي، وفي طبيعة وفلسفة واليات عمل الجامعات في بلادنا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير