عندما تصبح ( الجعلصة ) ثقافة شعب! - كتب: عبدالله أبو شرخ

28.11.2015 09:03 AM

وردة واحدة في يد إنسان حي خيرٌ من باقة كاملة على قبره !! – مثل ياباني

لا تستغرب أخي / أختي من هذا العنوان، فالجعلصة هي مصطلح فلسطيني يعني العناد والجدل لأجل الجدل والمعارضة لأجل المعارضة، وهذا الشخص يلقب ب " جعُلُص " وهو موضوع هذا المقال.
جعلص إنسان شبه متعلم، غير قاريء، ولد في بيت مكون من غرفتين، واحدة للأبوين، والأخرى لأخواته وإخوته الثمانية .. خمسة منهم ينامون في الغرفة فيما يفترش الثلاثة الباقون ما تبقى من فراغ مع صراصير المطبخ .. ويختلف أهل العلم في كون الجعلصة الفلسطينية نتاج تربوي أم جيني " وراثي "، فالصراع الدامي بين الإخوة والأخوات على ما تبقى من خبز ودقة في الصباح، يختزن في نفوسهم كراهية وحقد طبقي فظيع مجبول بالجهل. وليتهم يدركون أن التعليم وسيلة لتحسين المستوى المادي، كما فعل اليابانيون والكوريون والألمان وغيرهم.
قبل يومين احتفل محرك بحث غوغُل بنظرية التطور، هذا أمر عظيم ينافي ما تعلمه الجعالصة في ثقافتهم الشفوية، فاندلقت على صفحات التواصل تعليقات من نوع ( هو إحنا مش خلصنا زمان من التطور ؟؟! ) أو ( هو التطور مش أثبت العلماء فشلها من زمان ؟؟! ). جعلصة واضحة ومناكفة لأجل المناكفة ومعاداة للعلم ونظرياته بلا أي مبرر أو سند، سوى ذلك المبرر الذي يروجه الإسلام السياسي بإعلامه الرهيب عن مقال لشبه عالم من الخلقيين المسيحيين أو اليهود عن بطلان التطور، وهؤلاء لا يمثلون أكثر من 3 % من علماء الأحياء والطبيعة ! هؤلاء جعالصة الغرب أيضاً !!
أما جعالصة العمل السياسي، فحدث ولا حرج، إذ يستمع جعلص لنداءات وطنية وثورية ودينية من إذاعات الإف أم، فتأخذه عزة النفس والحمية، فيستل سكين المطبخ ويتوجه لأقرب حاجز محاولا طعن جندي .. أحيانا قد ينجح، وفي الغالب يستشهد أو يتم إعدامه .. تقام له الزغاريد ويزف إلى الحور العين، أما أمه الغلبانة، وبدلا من أن تحزن وتصدم، فإنها تستسلم للأمر الواقع . تزغرد وتهلل وكأنها مشاعر فرح حقيقية على مغادرة ابنها لحياة لم يختزن خلالها سوى مشاهد بيوت الأغنياء بعد أن شاهد أولادهم في المدرسة بلباسهم النظيف والمرتب ومصروفهم المحترم، وكم تحسر على قضمة من شطيرة فلافل ! ألا تعلمون أن الفقراء لا يمتلكون ثمن الشطيرة وأننا بذلك إنما نزرع حقداً وغلاً وكراهية ونفوساً منكسرة مشتعلة بالغضب واليأس ؟ ألم يقل الخليفة عمر بأنه لو كان الفقر رجلاً لقتله ؟؟!
وما دمنا نتحدث عن الجعلصة، فإننا نشير إلى مواجهات وإضرابات يتخللها عنف ومشاهد تحطيم وتكسير ممتلكات عامة .. عشرات الانتفاضات والثورات، وترويج لنظريات العنف " الثوري " الذي قررنا أيام الحاج أمين بأن نلجأ له لمحو إسرائيل عن الخارطة دون امتلاك مقومات القوة أمام عصابات أوروبية خارجة للتو منتصرة من حرب عالمية، بينما أجدادنا في بعض القرى كانوا يعتقدون أن لوح الصبار ممكن أن يواجه الدبابات والمجنزرات أو على الأقل يعطب عجلاتها !
دولة الاحتلال على وشك إطلاق سفينة فضاء، وصادراتها التكنولوجية تجوب أسواق العالم وفي مقدمتها معالجات الكمبيوتر، علماء العالم عاكفون ليلاً نهاراً على البحث عن أسباب مرض السرطان، والجعالصة يعتقدون أن بإمكانهم هزيمة دولة نووية باوسائل بدائية .. الجعلصة فلسفة وثقافة، فقد خاض الجعالصة من قبل انتفاضتين وثلاثة حروب، تضاف إلى التفكير الحربي عند الحاج أمين وعرفات وحبش وياسين والرنتيسي وصدام الذي لم يتغير عن نظرية " العنف الثوري " لتحرير فلسطين من الغرباء الغاصبين ..  لكن على مر السنون والتاريخ، فإن هناك شعب بأسره دفع من آلام فقدان الأحبة والإخوة أثمان باهظة .. من رواء الميكروفون يرتدون كرافاتهم وياقاتهم ويحرضون .. هم لا يذهبون للطعن، وظيفتهم تنحصر في بوستات التهليل والتكبير على الفيسبوك أو في إذاعة إف إم، أما الجعالصة فهم من يدفع الثمن المر والقاسي .. انتشر الفقر كالسرطان، وانتشر الجهل .. وتفاقمت البطالة .. وحصار منع السفر المفروض على الجعالصة من جعالصة آخرين .. السنة الدراسية الحالية توشك أن تنتهي وطلاب الجامعات الخارجية لم يتمكنوا من الوصول إلى جامعاتهم بسبب إغلاق المعبر !
آلاف الشهداء والضحايا وآلاف الثكالى وملايين اليتامى وآلاف الأسرى في أقبية القهر والذل، لماذا ؟؟! لأن الشعب الأعزل لا يعترف بالهزيمة التي اعترفت بها دول عظمى كاليابان وألمانيا ! الجعالصة يفلسفون كل هزيمة وكل نكبة وكل مجزرة وكل مذبحة وكل دمار فتنقلب كلها إلى انتصارات باهرة !!
لم يلاحظ الجعاليص تفوق دولة الاحتلال من النواحي العلمية والعسكرية، لم يهتموا بالتربية الصحيحة أو الإنجاب الصحي، ولا بالمنطق ولا بالحكمة ولا بالعلم ولا بضرورة التغيير العقلاني، أو حتى محاكاة التطور والثورات الصناعية الهائلة في شرق آسيا، لم يلاحظوا أن مجموعة القيم والأخلاق ذاتها بحاجة إلى مراجعة .. فضيحة الجعاليص المدوية في كتاب نوتوهارا ( العرب بعيون يابانية: متدينون جدا فاسدون جداً ) لم تدفعهم لنشر الكتاب أو حتى تأليف كتاب آخر يكذب أو يضحد ما قاله عالم الاجتماع الياباني .. الآن الفكر الجعلوصي أتانا بداعش والنصرة !
والجعلصة والمغمصة والفعلصة لا تعني فقط المعارضة عن جهل، بل تعني الإصرار الغريب على الجدل من أجل الجدل، أو النوم ثم الاستيقاظ في صباح اليوم التالي من أجل تكفير أو تهديد أو تخوين الخصوم من ذوي الرأي الآخر !
طوال تاريخنا ونحن نقتل علماء وفلاسفة، ونحرق كتب وأفكار، والحكام يجلسون على عروشهم بانقلاب أو طعنة خنجر أو ضربة سيف أو طعام مسموم أو طلقة حاسمة ! ما هذه الهمجية ؟؟!
ألا يفكر الجعالصة في تخلفهم وفقرهم وتقدم الآخرين ؟؟! ألا يسافرون في الطائرات التي تمخر عباب السماء ؟! ألا يركبون سيارات كوريا واليابان وفرنسا وألمانيا وأمريكا والصين ؟؟! ألا يفكرون في الدواء الذي يعالجهم ؟؟! ألم يسمعوا بزراعة الأعضاء ؟؟!
حسنا لا نريد من أحد أن يتغير .. عاشت الجعلصة وعاش الجعاليص وعاش النقاش معهم ودامت بطولة الجعلصة والعجرفة مقابل الإف 16 والسلاح النووي !
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير