حالة التوحد العربي وايمان بلا نظافة

12.04.2016 07:45 AM

كتبت نادية حرحش

وصلنا اليوم بشعوبنا العربية الى حالة التوحد . وكأن اصل الكلمات تكشف لنا تماما أن ما يجمعنا لم يكن أبدا "وحدة" ,بل حالة توحد تنكرنا لها حتى استفحل المرض بنا وتعدينا حالات الانفصام التي لا تفارقنا . فننظر الى انفسنا ونرى كائنات متوحدة التكوين تنكر لها أهلها فتنكرت لأنفسها . وأصبح التوحد هو وحدة مفهوم الواقع المعاش.

نحن شعب عربي متوحد.

في كل جهة نلتفت اليها , من شعوب بشرق البلاد إلى أقصاها . من مصر الى يمن . من شام الى عراق. من فلسطين الى سائر الأرض. خلل جيني ضرب في الانسان العربي , وكأن ضياع البلاد من حروب ودمار وهلاك تركت وراءه  افق هذه الكائنات المتوحدة هائمة على وجوهها تنظر حولها لما خلفته الحروب الاهلية والاستعمارية من دمار.

انتكاساتنا السابقة كانت مغلفة دائما بحجاب الإستعمار والإحتلال . واليوم بينما تعيش الشعوب استعمارات جديدة وسط نكسات لم تزل . تكشف حجاب الاستعمار ليبرز انتكاساتنا الذاتية.

كيف فشلت الثورات بإخراج إنسان عربي افضل ؟ كيف أخرجت الثورات هذه الكائنات المتوحدة ؟

في الأصل بالتوحد , يقوم الأهل متابعة أبنائهم ليتقدموا خطوات لتعديل خلقي يساعد الدماغ على التأقلم مع ما هو قائم من تشوه جيني وتحسينه . ما يحصل معنا معاكس تماما. ما يحصل هو ذلك المنظر لاولئك المساكين بالشوارع هائمين علي انفسهم يلحقهم الاطفال ساخرين ضاربين مستهزئين.

لازلت ألوم الحكومات على تردي احوالنا . ولكن في نظرة ذاتية للواقع الفلسطيني المتردي . لم اعد استطيع بلوم الحكومات على الوضع القائم كليا. فاذا ما افترضنا ان الحكومة كائن ذات خواص جينية محسنة عن تلك المكونة للشعب المتوحد , فان هذه الخاصية تنتهي لتكون الحكومة تدريجيا متوحدة الصفات , لانها تتشكل من الشعب .

هناك عبء جماعي نرميه على الحكومات يزيح عنا المحاسبة فنكتفي باللوم والتذمر والنحيب. ولان الحكومة منا فتكتفي هي الأخرى باستغلال ما تستغله من موارد ونفوذ متيقنة ان افاق الشعب تنحصر في تذمر في يومه العادي ونحب عند نزول مصيبة. فتذوت التذمر والندب حتى توحد بداخل الشعب ليشكل كيانه.

هناك حالة من الضياع المستفحل في كياننا العربي.

في فلسطين , لم يبق شبر من الأرض الا وتم نخره من ثم بلعه . يسقط ابناءنا يوميا  بدماء ارتوت منها الأرض حتى طفحت. ولا نزال نتصارع على حزب وفصيل . نعيش في حالة يغيب فيها القانون وسيادته معدومة وشغلنا الشاغل تشكيل محكمة والشعب في سباق على احقيته بالمنصب الرفيع كالسباق المستميت المستفحل على المناصب الأخرى.

شباب مختفون  في بلد يمكن إيجاد ابرة في ارضه اذا وقعت. وأجهزة امن وسلطات احتلال تعجز عن ايجادهم.. ويجدوهم ام لم يجدوهم الشعب مغيب يعيش في ترهات الاشاعات (اخر الاشاعات او الاخبار تقول انهم وجدوا) .

بينما نتصارع من اجل مناصب قانونية سيادية منقسمين بين مرحبين وشاجبين . لا يزال الشبان مختفون (او محتجزون)  . في مشهد هزلي مأساوي يشبه ذلك المشهد الواقعي في قصة الشاب الإيطالي الذي تم قتله , ولا تزال الأجهزة الحكومية المختصة تحاول تلفيق الجريمة حتى انتهى المطاف بالحكومة الإيطالية لسحب سفيرها من مصر.

وهنا في فلسطين . اختفاء الشبان اصبح شأنا  امنيا إسرائيليا . لان  هذا يدعو للريبة في ظل الوضع القائم. ويبقى السؤال المحوري في هذه المسرحية : كيف من الممكن إيجاد هويات وموبايلات ولابتوب لاشخاص مختفون بجانب (او بداخل) حاوية نفايات تدعي السلطات (ألاسرائيلية والفلسطينية ) تخطيط اصحابهم القيام بعملية ما . تشبه القصة بحبكتها تلك التي قررت الجهات الأمنية المصرية أخيرا بالتثبت فيها بشأن القتيل الإيطالي , بان عصابة متنكرة بزي شرطة خطفته وتم إيجاد وثائقه الشخصية في احد منازل افراد الخلية!!! ولا تزال الاشاعات مستمرة ، ولا يزال الهمس واللمز كل ما يجري ، والتشكيك بالشبان ونواياهمواخلاقهم اصبح سيد الموقف.

ومن استيطان وضياع حقوق فلسطينية استمر جني مآسيها منذ أوسلو حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم. قضية الجزيرتين في البحر الأحمر التي تبين انهما ملك للسعودية اليوم.

لا يهم التفاصيل . فلقد تمت الصفقة. ما يهم هو ردود الفعل مرة أخرى بين شجب وتأييد وضياع للحقيقة.. بلا تهم التفاصيل .. ولكن.

هذه الملهاة التي نعيشها نحن الشعوب العربية ليست من صنيع الحكومات (كاملة) . بل نتاج ثقافي اجتماعي منعدم.

عندما يكون المواطن العربي في مجمله بدولة كمصر على سبيل المثال لا الحصر. فبمصر المشهد واضح لا يمكن الاختلال في عدم فهمه.

شعب يعيش على المقاهي وسط تلوث يستنشقه من عوادم السيارات ويزفره من أنفاسه عبر كم هائل من الدخان القادم من الشيشة والسيجارة. وكأن الهواء الملوث الحاجب لصفاء السماء هو الهواء الطبيعي.

هل الحكومة هي السبب في وجود الشعب على المقاهي بصورة دائمة ؟ هل الحكومة التي تدفع المواطن الى حالة التسميم العامة بالمجتمع ؟

هل الحكومة هي التي تصر على انعدام حالة النظافة من الشارع والمقهى والطاولة؟

هل تقوم الحكومة بتدريب الشعوب على انتهاك الحق العام من شارع وحديقة وتحويلها الى مجمعات للنفايات عامة؟

نحن نعيش حياة موبوءة بقذوراتنا.

في كل مرة امر فيها من حاجز قلنديا ينتابني حالة من الغضب علينا كشعب ولا اكف عن التساؤل من المسؤول عن حالة القذارة المحيطة بنا؟

كنت حتى وقت قريب ولا أزال جزئيا احمل الاحتلال مسؤولية ما . فهناك قصور في الخدمات العامة . الحياة بالقدس قد تكون اكبر مثال في مقارنة بسيطة بين الخدمات والمرافق العامة بين الاحياء العربية والإسرائيلية.

مشاهد القذورات العامة في القاهرة جعلتني افكر بالموضوع بشكل مختلف تماما , ارجعني لمقولة لاحمد امين في مذكراته عندما توقف كثيرا امام النظافة في البيوت التركية وشوارعها.
رحلاتي المتكررة لتركيا جعلتني انحني احتراما لهذا الشعب . فحاله من نظافة شوارع لا يرتبط فقط بحكومته. بالنهاية عامل النظافة هذا هو من الشعب كذلك.

ما الذي يجعل استنبول التي وصل عدد سكانها الى اكثر من 15 مليون بنظافة ونظام وهدوء لا تستطيع القاهرة الوصول اليه  ولا قلنديا ؟

انها المسؤولية الشخصية الذاتية التي نفتقد نحن الشعوب كاشخاص اليها. نفتقد الى هذا الحس الجماعي للمتلكات العامة . هل من واجب الحكومة تعليمنا النظافة؟ هل على الحكومة تعيين شرطي بجانب كل مواطن يشرح له ان رمي القمامة بالطريق خاطيء؟ ان قمع السجائر لا ترمى في أي اتجاه تجده اليد ؟ ما الذي تفعله الأمهات بالبيوت ؟ الاباء؟ اليست النظافة من الايمان ؟

اين الايمان منا عند انعدام نظافتنا ؟

كيف نمشي بشارع نساهم بتلويثه ونجلس بمقهى اكثر من جلوسنا ببيوتنا وقذورات المكان تحيط بنا ؟ ونسب على الحكومة ؟

هل على الحكومة تنظيفنا وفرض شروط استحمام مثلا على المواطنين قبل خروجهم الى الشارع ؟

كمية الذباب والهسهس والناموس وما علم الله به من بعوض لا تجتمع فقط قرب حاويات النفايات بل حول الناس. ما الذي يمنع الناس من الاستحمام وارتداء الملابس النظيفة ؟

بأي شريعة تستيقظ صباحا وتمر من طابور طلاب جامعات تغلق انفاسك لدى مرورهم ؟

بأي شريعة تدخل المسجد لتسجد لوجه الله قتستبيحك رائحة البشر التي تدعي الايمان عنوان لها ؟

اذكر سؤالا من اجنبي ما : هل تحب بلدك ؟ فكانت الاجابة السريعة : طبعا واموت لاجلها . فسألت : كيف تحبها وتوسخها ؟

اهاتر ما بين ضياع الارض وانعدام النظافة عليها . كيف نخلص لارض لا نقدرها . كيف نقدر ما نتركه قذرا امامنا.

كيف نتوقع من حكومة ان تقيم لنا شأنا ونحن في أعظك احوالنا نقضي حياتنا بين عمل مجبرين على قضاء ساعاته ومقهى نهرب اليه من بؤس الحال ونسب فيه الحكومة بالهمس والعلن.

كيف تعيرنا الحكومات اهمية عندما نمشي على شارع وطن نحبه ونرمي قذوراتنا به ثم ننادي بأعلى صوتنا كم نحبك ايها الوطن.

ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم . ومثلما تكونوا يولى عليكم. حكوماتنا الخانعة الظالمة البائعة لحقوقنا جاءت من ابناء احبوا الوطن مثلنا ... اولئك المارون بالشوارع الجالسون على المقاهي نسب بالسنتا ونقبح من الارض باوساخنا ، ونصرخ عاليا ... فلتسقط الحكومات الخائنة.

السقوط الوحيد هو للشعب الهائم على خراب ما تقترفه يداه . لشعوب تفتقر الى النظافة. والنظافة اساس.
لان النظافة من الايمان.

ايماننا منقوص ... وعليه يكون من البديهي ان نحيا تحت حكومات ينعدم فيها الايمان بشعوبها.

تصميم وتطوير