هل هناك "طبخة" تسوية في الأفق؟

19.05.2016 03:06 PM

كتبت نادية حرحش:

هناك رائحة ما تفوح من عبق القيادة الفلسطينية في كافة انشقاقاتها ؛ حماس تخرج بتصريحات هجومية غير مبررة ولا داعي لها بلا توقيت اصلا .. رئيس وزراء حماس أو غزة إسماعيل هنية، أيضا خرج بتصريحات سيادية بلا طعم وبنكهة مريرة يبشر بقرب إعلان قائمة محكومين بالإعدام، والزهار لا أعرف لما قرر نبش الأموات، ويدب في حرب الكرامة وزعزعة الموتى في قبورهم من غير الحمساويين .. وفتح تنزعج وتلوح برفع قضية على حماس.

بالمناسبة ، لا أفهم قصة رفع القضايا هذه في البلد . الكل يريد رفع قضية ازدراء ما ضد الكل!!
كل هذا ليس بالمهم .. وما سيتلو ليس بالأهم ...

فحياتنا عبارة عن خذلان يتبعه خذلان .. طبخة يعد لها ، تحرقنا دموع البصل ولهيب الزيت على النار وبأحسن آحوالها تحرق.
قرأت تعليقا ما لشخص يسألني لم أنا دائمة البكاء في مقالاتي .. فكرت قليلا ، وخطر لي أن أكتب مقالا فرحا .. مقالا أكون قد تعديت مرحلة رائحة البصل وذرف الدموع بسببه ، لأقول له: لم أكن أبكي ، ولكنه كان البصل ورائحته المدمعة .. إلا أنه على ما يبدو أن ما هو قادم سيستدعي النواح لا البكاء ... فالطبخة القادمة محروقة قبل حتى تقطيع بصلة او إشعال نار.
هناك عدة امور استثارت حفيظتي؛ هناك خطاب للرئيس موجه طبعا للإسرائيليين يطمئنهم فيه على أن أمن الإسرائيلي من رجل وامرأة وطفل هو من أولياته، وبالطبع أولوياتنا نحن .

يعني كلام الرئيس عالراس والعين ... ولكن يا سيدي ... هلو ؟؟؟ هل تسمعنا ؟ هل ترانا ؟ هل تعرف ما يجري بنا ؟ نحن الذين تريدنا حراسا لسلامة الإسرائيليين معك .

لم أسمع خطاب الرئيس لكي لا أضطر لكتابة المزيد . ولكن هناك المزيد مما يحدث.

يخرج الهباش ويضرب على صدره قائلا بأنه مستعد أن يذهب إلى كنيس يهودي للخطاب فيهم .( على فرض ان خطاباته التحريضية في المساجد ستجدي نفعا بالكنيس! والأجدر بأنها ستتناغم مع المكان لاتفاقه على الأعداء المشتركين ) . ثم نرى المدني يتصدر خبر تفاخره وأهمية لقاء الرئيس بميرتس. وللحق ان ميريتس جماعة أقرب ما تكون منا وفينا .. ولكن .. أيضا ما علينا ..

لا أعرف كم هي مقاربة أو مفارقة تفكيري بموضوع شبه الانتفاضة الذي نحن فيه .. كنت أسأل نفسي عما يجري، أو بالأحرى عما لا يجري .. لأنه لا يمكن القول بأنه لا يوجد ما لا يجري لأن القتل لا يزال يوميا على الحواجز تقريبا، وعمليات المداهمات والاعتقالات ان لم تزد فهي على نفس الوتيرة ، بالاضافة الى اعتقالات السلطة الخفية عن الإعلام المعلنة لأصحابها وبالتالي لنا الشعب .فكل يوم نسمع عن اعتقال لناشط هنا وناشط هناك . وتقوم إسرائيل بلملمة الأطفال في القدس من المدارس وتعتقلهم وتجبرهم على الاعترافات ..ونحن كلنا لم نعد نسمع وإن سمعنا لا يعنينا ،وان رأينا أغمضنا أعيننا .

ورئيسنا يريد ان يطمئن الاسرائيليين ويشد من أزرهم....
ثم يخرج السيسي فجأة ويرمي علينا بخطاب يدعو فيه إلى سلام هادئ مع إسرائيل ويحذرنا من عدم تفويت الفرصة .
حسنا .....
ما الذي يجري؟
حسنا أيضا.....
مش مهم ...
أو لم يعد مهما ....

فأبعد ما قد نصل له في آمالنا بالدولة اليوم هو إحياء يوم نكبة يتجمهر بها الوزراء والمستوزرون . المحافطون والمتحفظون عليهم . المستشارون والاستشاريون وخبراء الدولة الفتية بمسيرة متكاتفي الأيدي، بقبعات تصر في شعارها على العودة، صنعت في إسرائيل! وندشن إنجازا تاريخيا يحييه محمد عساف بمفتاح عودة دخلنا به إلى موسوعة غينيس بعد الثوب الفلسطيني والكنافة الفلسطينية والمسخن الفلسطيني، وأكيد هناك إنجازات جينيسية لا تتسع لمداركي المحدودة .. ولن ننهي النكبة بدون أهم إنجاز فلسطيني لهذه اللحظة بافتتاح متحف فلسطين للنكبة! ربما  نحن ونكبتنا لن يتسع لنا متحف .. فكما في روما متحف أثري مفتوح تعبره الحضارة الرومانية العتيدة وتتشابك فيها مع المستقبل .. هكذا نكبتنا .. فنحن لا نحتاج إلى متحف لنوثق فيه نكبتنا .لأن نكبتنا حية ومستمرة، متزايدة متفاقمة، متحفها مفتوح للسماء .. الدخول إليه مجاني لهذه اللحظة عبر حاجز صرنا نسميه كما يريد له الاحتلال معبر.

وطبعا في ظل الاحتفالات العارمة بمناسبة النكبة في هذه الأيام ، تستمر المآسي المترتبة على انهيار الوضع القائم . ففي ظل هذه "شبه الانتفاضة" ،أو لربما نسميها "ميني انتفاضة" أو في ظل انطفاء "الهبة" المستمرة ، يبدو أن الهبة توجهت في اتجاه معاكس . فكم العنف المحلي الداخلي الذي نشهده بين أقطاب الوطن فيما بين الضفة وغزة والداخل يدل على انهيار المنظومة المجتمعية الفلسطينية ، وليس فقط انهيار القيادة .. أو لربما أن الانهيار تحصيل حاصل للانهيار القيادي.. ففي غياب السيادة، وتحكم السلطة بانشغالاتها الذاتية بين مناصب وتعيينات ومجاذبات وتهديدات فيما بين الأقطاب الحاكمة المتقاتلة ، من الطبيعي أن تنهار المنظومة المجتمعية.
ويبقى سؤالي ....
هل مع نهاية موسم النكبة الذي ستليه النكسة قريبا وبدء موسم التوجيهي والأفراح سنسدل الستار عن "الهبة" ،"الانتفاضة" أو ما وقع من مسميات ؟
الصبر والسلوان لمن فقدوا احبابهم وفلذات قلوبهم في الشهور الماضية ...

لعل حالنا يكون مؤشرا لاولئك الشباب الذين فكروا مرة او مرات ربما بأن يكونوا شهداء هذه القضية ،بأن من يبقى لا يستحق التضحية؛ لأن من بقي منا يقف على دماء الشهداء، يروي وجوده الذاتي ويسقي من دموع الثكلى مطامعه ....
كنا في نكبة سببها الاحتلال، وصرنا اليوم في نكبة تسببها القيادات ونكبة يسببها في كل يوم الشعب المهتريء فينا .

 

تصميم وتطوير