نادية حرحش كتبت لوطن: مطبات المنهاج الفلسطيني التجريبي

04.09.2016 10:50 AM

قد يوحي العنوان بالتهكم، وهو كذلك .. ولكن المصيبة أن الحقيقة التي يتم تداولها رسميا هو ان المنهاج الفلسطيني الذي ابتدأت به السنة الدراسية الحالية هو تجريبي.. وذلك طبعا بعد انتظار لمنهاج من المفترض انه اكثر تطورا بدأ به وزير التعليم "المؤقت" الحالي حملته الوزارية . (لا اضع كلمة مؤقت بين قوسين تهكما، ولكن لان الحكومة الحالية ، كما سابقاتها هي حكومات انتقالية مؤقتة).

صاحب بداية العام الدراسي تذمرا بين الاهل والمعلمين على السواء لبداية السنة الدراسية بدون كتب مدرسية جاهزة. وكان هناك كذلك ترقب للمنهاج المعدل الجديد. ولم تكف التعليقات السلبية منذ بدأ الناس التصفح بالمقررات المختلفة . فمن مقرر التربية الاسلامية للصف الاول الاساسي، يشرح فيه سورة قرآنية من خلال استخدام صورة امرأة للتعبير عن الشر ، الى الاشارة لرام الله على انها العاصمة الفلسطينية (اشارة غير صريحة) ولكن بها كل الدلالات الممكنة لفهم ذلك، وطبعا عدم الاشاره الى القدس كالعاصمة على الخارطة (عادة يشار الى العاصمة بمربع)، ثم وجدنا ان بيت لحم تقع على ساحل المتوسط مكان غزة.

كنت قد كتبت مقالاً اتكلم فيه عن فكرة الحصول على الجنسية الاسرائيلية بتساؤلات مختلفة، وجدت فيها المواقع المختلفة حساسية بالنشر. وللحق بأنني لم تسؤني من الفكرة، لأني تعودت على تشفير الرأي من قبل محطات الرأي المختلفة، لكن بقي تساؤلي في مكان اصعب.. اذا ما كانت الصحافة تخشى من الاقتراب من هكذا اسئلة، لأن القرار الفلسطيني المعلن هو بقاء الوضع على ما هو عليه، فما الذي يحدث في هذه اللحظات في المنهاج الفلسطيني؟.

في كل عام نبدأ السنة الدراسية بتسريب اسرائيلي في المناهج بالقدس يثير فينا الاستياء والتخوف من أسرلة المناهج، ولم يكن اقل فجعا بأن نرى في احد المقررات في المنهج العربي من قبل وزارة المعارف الاسرائيلية يتكلم عن القدس عاصمة اسرائيل ووجودها على جبال يهودا.

وكأن هناك تنسيقًا بين وزارتي المعارف!! في استهداف الطلاب الفلسطينيين، وكأن الجيل الحالي يحتاج الى خلل اكثر، فهناك ابناء جامعات من بيت لحم مثلا على يقين بأن شعفاط بإسرائيل. (كانت احدى صدماتي من خلال التعامل مع طلاب الجامعة في الاعوام السابقة).

ومع كل هذا لا يخجل اولو الامر من الرد بأن هذا منهاج تجريبي.. لقد انتهت السلطة الوطنية التجريبية وانتهى اتفاق اوسلو الذي اثقل ظهورنا فانحنت تعبا وهوانا وخجلا لما آل إليه الوطن.

كنا نصرخ ولا نزال تخوفا من اسرلة المناهج خلال العقد الماضي وتسرب المدارس في القدس الى وزارة المعارف الاسرائيلية بين الطوع والطواعية في غياب صارخ من المسؤولية من قبل السلطة الفلسطينية لمدارس القدس. كنت من المنتقدين لهذا الخنوع من قبل المدارس التي سلمت نفسها من اجل الاستمرارية لمعارف الاحتلال.

لا نزال نستخدم في العلن كلمة الاحتلال ونمارس ما يشبه البغاء في السر معه ... نلعنه ونقاطعه ونسبه شعبيا ، ونمارس كل اشكال الرذيلة معه في الخفاء... او لم يعد خفاء ... فما يجري من اعادة منهجة المناهج التعليمية اخطر بكثير مما قامت به سلطات الاحتلال ولا تزال.

لا افهم كيف انعدم الحياء من اي وكل قائم على هذه المناهج. اتخيل كل تلك اللجان التي تتفاخر في كونها جزءا من العمل على تطوير المناهج. اين كان كل اولئك الذين يتغنون بالوطنية كرشفة ماء.

ولكن الحديث لن يخرج هنا عن طور التذمر والانتقاد كالعادة ... كما لن يتم محاسبة او سحب كل المناهج من ايدي طلابنا والعودة لما كنا عليه من مناهج غير مطورة (على حسب ادعاء الوزارة).

نتكلم دائما عن نظرية المؤامرة، ويبدو بهذه اللحظات ان التأكيد الوحيد هو اننا نحن المتآمرون على انفسنا . اعود بذاكرتي الى الوراء قليلا، ولا يزال طعم العلقم المصاحب لفكرة اندراج المدارس في القدس التسريبي الى المعارف الاسرائيلية بنفس المرارة على لساني، كل تلك الاسئلة عن غياب السلطة الفلسطينية عن القدس بين تعليم وسكن ومرافق مختلفة، تبدو بهذه اللحظة وكأنها مدروسة. لا اكاد اصدق اننا فعلا نعيش في لحظة رأينا فيها القدس عاصمة اسرائيل في كتاب تعليمي في المناهج التي تقدم لابنائنا.

بصراحة...
لم يعد هناك فرق بين المناهج ...ويبدو ان ما تبقى من وطن يتم بهذه اللحظات تنسيقه "منهجيا" مع المعنيين ....

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير