نادية حرحش تكتب لوطن: ترامب.. مفاجأة لعالم يغيب به المنطق

10.11.2016 11:34 AM

يبدو انني كنت من القليلين الذين تنبؤا بفوز ترامب  في الانتخابات الرئاسية الامريكية ، وسط استطلاعات للرأي رجحت وبقوة فوز هيلاري كلينتون.

توقعاتي بفوزه لم تكن وليدة عبقريتي المفرطة ولا رؤيتي الثاقبة . الا انها كانت نتيجة المنطق الواضح الذي يحكم الامور والذي غاب عنا كجمهور استمر بمتابعة السباق الانتخابي في الاشهر الماضية عن كثب .

اذا ما تابعنا الرؤساء الامريكيين تتابعا نجد ان كل حزب يحكم لدورتين (٨ سنوات) ،الا في حالات استثنائية ، منذ ويلسون (ديمقراطي -١٩١٣ لغاية ١٩٢١) ، تلاه هاردينغ (جمهوري ١٩٢١ لغاية ١٩٢٣ (توفي) ثم كوليدج(جمهوري ١٩٢٣ لغاية ١٩٢٩) ثم هوفر (جمهوري ١٠٢٩ لغاية ١٩٣٣) .

بعدها جاء كل من روزفيلت وترومان (من ١٩٣٣ لغاية ١٩٥٣ (ترومان توفي سنة ١٩٤٥) .ثم جاء ايزنهاور (جمهوري ١٩٥٣ لغاية ١٩٦١) ،وتبعه كينيدي و جونسون (١٩٦١ لغاية ١٩٦٩ (توفي كينيدي ١٩٦٣) ديمقراطي) من ١٩٦٩ لغاية ١٩٧٤ كان كل من الجمهوري نيكسون وفورد . من ١٩٧٧ لغاية ١٩٨١ كان الديمقراطي كارتر و من ١٩٨١ لغاية ١٩٩٣ كان كل من الجمهوري ريغان وبوش. كلينتون الديمقراطي كان من ١٩٩٣ لغاية ٢٠٠١ ، ثم جاء بوش الابن الجمهوري من ٢٠٠١ لغاية ٢٠٠٩ ثم الديمقراطي اوباما من ٢٠٠٩ لغاية ٢٠١٦. مما يجعل الرئيس القادم تلقائيا جمهوريا .

ومهما تكلمنا عن خبايا السياسة الامريكية وعن الديمقراطية في امريكا ، فلن نستوعب شيئا منها . فمن يصدق ان الشعب الامريكي اختار لدورتين متتاليتين جورج بوش الابن، من الطبيعي ان يصدق ان يختار هذا الشعب ترامب . هذا اذا ما قررنا ان الشعب هو الذي يختار .

واذا ما فكرنا قليلا بالامر ، قد نستوعب هذا نوعا ما .. فالانتخابات تحتاج الى مراوغات تبعد كثيرا عما نراه بالعين المجردة . والناخب ليس فقط ذلك الذي نراه علي الشاشات و في الاستطلاعات.

واهمية مدينة او ولاية ما لا تعطيها اصواتا افضل او اكثر . فكل صوت هو صوت حاسم في الانتخابات حتى ولو كان في ابعد المناطق وصولا واقلها ثقافة وتعليما واهتماما . فبينما رأينا كلينتون تتفوق في نيويورك ، لم نر ما يجري في الجنوب الامريكي الذي لا يزال يعيش الكثير من سكانه على امجاد الكي كي كي( منظمة بيضاء عنصرية تدعى كلو كلاكس كلان) وصفوة العرق الابيض.

قد يكون ترامب لعب على الوتر الرابح في اثاراته العنصرية التي بدأ بها حملته الانتخابية ، ولكن كان كل من لم ير الى اين كان هذا سيوصل الناخب الامريكي الابيض الذي لم يهضم ابدا ان يأتي يوم يحكم امريكا "زنجي كما يصف بعض العنصريين اوباما " ، بكل بساطة قصير النظر . لان ترامب منذ مروره بالجولة الثانية حسم امره . امريكا  في النهاية شكلت كيانا قام على فكرة العنصرية البحتة. فلا عجب ان يلعب هو على هذا الوتر . ومن يظن ان المسلم في امريكا هانئ منذ احداث سبتمبر فهو كذلك اعمى .

ما قاله ترامب كان الحقيقة . مقابل ابتسامات كلينتون المتسامحه بينما تمول وتخلق الجماعات الارهابية تحت اسم المسلمين. . ولكن مهما اعطينا للناخب دورا ، فهو ليس من يحسم لعبة السياسة في امريكا . فامريكا عبارة عن مجلس شيوخ وكونغرس يتحكم بمجريات ما يحدث.

وهذا العالم من الشخوص ينتمي لحسابات تفوق ما نعرفه نحن العوام . هناك لعبة تدار اكبر من السياسة تتعلق بمحورين اساسيين وبوضوح تجارة الاسلحة والنفط. هؤلاء من يتحكمون بكل مجريات الامور. ليس حبا باسرائيل يتم دعمها ، ولكن حبا باستخدام الاسلحة التي يتم تصنيعها وتجريبها للتسويق في  العالم. سواء اعلن الرئيس حبه او احترامه او تبجيله لاسرائيل او لم يفعل ذلك ،فان السياسة الامريكية بشأن اسرائيل واضحة مساندة داعمة بكلا الحزبين.

ان نعتقد ان الرئيس بأمريكا هو من يصنع القرارات بأي كان ، فهو كذلك من قصر المعلومات والمعرفة ، لان الرئيس في نهاية الامر" لا يهش ولا ينش". الرئيس قد يقترح ويفكر ويقدم مشروع قرار ، ولكن الكونغرس هو من يقرر بنهاية الامر.

وترامب تاجر ابن تاجر ، ما يريده من الرئاسة الامريكية فرصة لتوسعة امبراطورية ترامب المالية ، ليس افضل من الرئاسة لعمل ذلك. واذا ما كانت رؤوس الاموال من بنوك واصحاب مصانع الاسلحة وتجار النفط هم من يتربعون على مقاعد الولايات الامريكية ومجلس شيوخها ، فلن يقصر ترامب ب في عقد الصفقات . خصوصا ان كلينتون اصبحت مكشوفة للعالم بعد سلسلة التسريبات التي تم الاعلان عنها في الاشهر الماضية .

قد يكون من البديهي كذلك حرق كلينتون امام الناخب العادي ، فهي ليست محبوبة على صعيد ادائها في السياسة الخارجية ، ولم يساعدها كونها امرأة بها من الصفات الشوفنية كتلك التي يمتلكها رجل كترامب. بالنهاية ،ترامب هو محصلة طبيعية للوضع العام ...

قد يكون هناك مزايا كثيرة ايجابية ومن اهمها علاقته بروسيا والتي يغلب بها الايجابية ، وكرهه للسعودية ودول الخليج . فقد نشهد تحالفات مختلفة قادمة. سواء اراد اعادة احتلال العراق او استمرار فتح غوانتانمو . فهل انتهت الحرب الامريكية على العراق؟ وهل توقفت الاعتقالات السرية في غوانتانمو وغيره؟ هل سينهي ترامب فكرة الدولة الفلسطينية ؟ فهل كان هناك افق لدولة على سبيل السؤال؟ هل سيخرب ترامب عمارا كان قائما ؟ قد يؤثر ترامب على الداخل الامريكي سلبا...

ففي نهاية المطاف من يريد ترامب يحكمه . هو بلا شك مهزلة عند تقديمه كرئيس . قد يأخذ المواطن الامريكي من جديد الى كساد اقتصادي بينما يجمع ثروة اكبر لنفسه . ولكنه على الصعيد الخارجي لن يكون اسوأ مما كان . فما شهده العالم من دمار في زمن اوباما غير مسبوق . فهل سيزيد سورية دمارا ؟ ام هل سيقسم العراق اربا اصغر؟ وهل سيتحالف مع الاخوان المسلمين في مصر ؟ او سيشن حربا اكبر مع السعودية على اليمن ؟ ام سيعيد انتشار الجيش الامريكي في جبال تورا بورا ؟ هل سيعلن القدس عاصمة اسرائيل ؟ هل سيبارك المزيد من المستوطنات ؟ فهل هناك اي جديد ؟

فالقضية الفلسطينية تم تسويتها منذ اوسلو ونحن نشهد فقط انعكاساتها ، والقدس لم تكن على اجندة المفاوض الفلسطيني بجدية منذ تركها للحل النهائيش .. فلا اتى الحل ولا انتهى من اوسلو الا القدس ....والمستوطنات اكلت ما تبقى من ارض ونحن نتفرج قبل ترامب وبعده ....

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير