مرة أخرى: هل فتح جادة بالمقاطعة؟

11.12.2016 10:42 AM

كتب: د. شادي أبو عياش

لا تزال ممارسات حركة فتح تتناقض مع ما يصدر من تصريحات عن قادتها وممثليها وبيانتها الرسمية حول موقفها من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل. فهل حركة فتح جادة في تبني ودعم حركة المقاطعة الشاملة لإسرائيل؟

للإجابة على هذا السؤال علينا أن نقيم أولاً مدى تفاعل فتح مع نجاحات حركة المقاطعة على المستوى الدولي وبخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، ومدى انخراطها الفعلي في جهود هذه الحركة التي لا زالت تحقق النجاح تلو النجاح في صفوف الاتحادات العمالية والطلابية حول العالم.

صحيح إن حركة فتح كانت من أول الموقعين على نداء المقاطعة الذي صدر عن القوى والأحزاب والمؤسسات الشعبية والأهلية الفلسطينية في العام 2005 والذي تبنته مختلف حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني حول العالم وعملت على تحقيقه عبر تنظيم أوسع حملات تضامنية تدعو للمقاطعة الشاملة لإسرائيل والشركات العالمية التي تستثمر في المشروع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إلا أن مقاربة فتح للمقاطعة الشاملة لإسرائيل اقتصاديا وأكاديميا وفنيا تتسم بالاستحياء وفي كثير من الأحيان بالغموض.

إذ لا تزال الحركة بهياكلها الرسمية بعيدة عن أي ممارسة فعلية تعكس تبنيها للمقاطعة الشاملة والتي لا بد وأن تبدأ بتعميق التنسيق مع مفاصل حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني في الجامعات والاتحادات العمالية حول العالم وبالأخص في أوروبا والولايات المتحدة. ويرجع ذلك إلى عدم رغبة أو بالأحرى عدم قدرة فتح عن التمايز عن المواقف السياسية للسلطة الوطنية فيما يتعلق بهذه الوسيلة التي اثبت فعاليتها في تكبيد الاحتلال خسائر اقتصادية وهز صورة "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" .

فبينما لا تتوانى السلطة الوطنية عن تشجيع مقاطعة المستوطنات، تتجاهل بشكل كامل نجاحات حركة المقاطعة الشاملة وتبتعد كل البعد عن تبنيها، ربما خوفاً من ردود فعل المؤسسات الدبلوماسية الدولية غير المتعاطفة مع حركة BDS. ويمكن فهم موقف القيادة السياسية من المقاطعة الشاملة كنتيجة طبيعية للخط السياسي الدبلوماسي التي تتبناه، فانه لا يمكن فهم أو تبرير جمود وتقاعس فتح عن الاضطلاع بدورها الطبيعي في تبني بل وقيادة جهود المقاطعة الشاملة لإسرائيل. فكيف لحركة فتح التي ترى في نفسها طليعة حركة التحرر الوطني ألا يكون موقفها المعلن والعملي تجاه وسيلة المقاطعة التي تسهم في تقريبنا من لحظة التحرر الوطني واضحاً وغير متردد.

وتجلى هذا التردد الفتحاوي خلال المؤتمر العام السابع للحركة الذي غابت عنه أي كلمة لممثلي حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني أو أي شرح لدور BDS الفعال، إذ أن الإشارة الوحيدة للمقاطعة جاءت في كلمة السيد الرئيس عندما تحدث عن مقاطعة المستوطنات، فيما غاب عن بيان المؤتمر أي تبني للمقاطعة الشاملة. وعلاوة على ذلك فقد أشار عضو اللجنة المركزية المنتخبة السيد جبريل الرجوب في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" يوم أمس إلى أن فتح ستعمل على توسيع نطاق مقاطعة المستوطنات، وهو ما يمكن فهمه أن فتح لا تزال تعمل في ذات المربع السياسي الذي ألزمت السلطة الوطنية نفسها به- دون أن تنظر إلى فعالية حركة المقاطعة الشاملة ومشروعيتها السياسية والقانونية والنضالية وضرورة مساندتها بشكل معلن وقوي.

ولكي تبني حركة فتح على نجاحات المقاطعة الشاملة وتلعب الدور المنوط بها كطليعة حركة التحرر الوطني، ربما عليها أن تبدأ بالنظر بجدية إلى التحولات في الساحات الأوروبية والأمريكية والبيئة التضامنية الخصبة الآخذة بالتوسع في الجامعات والكنائس والاتحادات.

وهذه البيئة لم تأت نتاج جهود الدبلوماسية الفلسطينية التي حصرت نفسها منذ اتفاق أسلو بالأطر الرسمية الدولية، بل جاءت نتيجة طبيعية لصمود الشعب الفلسطيني ونضاله، ولجهود نشطاء حركة التضامن الدولي. ففي ذات الوقت الذي تعمل إسرائيل جاهدة عبر مؤسسات الضغط التابعة لها وشركائها في مؤسسات الحكم والتشريع في أمريكا وأوروبا على سن قوانين تجرم مقاطعتها، ينضم يوميا العشرات من النشطاء في الجامعات والاتحادات في أوروبا والولايات المتحدة إلى حركة المقاطعة.

وفي هذا الإطار فان تصريحات المرشح الديمقراطي السابق بيرني ساندرز الذي أشار خلال حملته إلى معاناة الشعب الفلسطيني وتعيينه ممثلين له من الداعمين للقضية الفلسطينية في لجنة سياسات الحزب الديمقراطي إلا نتاج لجهود نشطاء حركة التضامن المنخرطين في القاعدة الشعبية والتحالف التقدمي الداعم له. إن هذا التحالف التقدمي داخل الحزب الديمقراطي والقواعد الشعبية المحيطة به والتي تضم الأقليات والتقدميين يخوض الآن معركة إعلامية وفكرية مع اليمين الداعم للرئيس المنتخب دونالد ترامب للدفاع عن الوجه التقدمي لأمريكا.

وهنا تكمن ضرورة أن تتمايز حركة فتح في مقاربتها لأمريكا في مرحلة ترامب عن الخط السياسي للسلطة الوطنية الذي لا يرى في الولايات المتحدة سوى مؤسساتها الرسمية والبرلمانية، إذ إن الحركة عليها أن تبني علاقتها مع القواعد التقدمية داخل الحزب الديمقراطي وخارجه على أسس تحالفية قائمة على قاعدة أن اليمين الإسرائيلي الحاكم هو شريك لليمين الأمريكي وبالتالي تقاطع النضال المدني في أمريكا والوطني في فلسطين.

والبيئة لهذه الشراكة هي أصلا قائمة عبر جهود نشطاء حركة التضامن في الولايات المتحدة الذين عملا على بناء هكذا تحالفات وشراكات نضالية مع حركات أمريكية شعبية مثل حياة السود مهمة  “Black Lives Matter”  والمنظمات اليهودية الداعمة للقضية الفلسطينية مثل “Jewish Voice for Peace”   المناوئة لسياسات منظمة إيباك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير