نادية حرحش تكتب لوطن .. ترامب نتيجة طبيعية في الواقع الامبريالي لمجتمعه والعالم الجديد

27.01.2017 11:01 PM

 وطن للانباء: مهما تكلمنا عن خبايا السياسة الامريكية وعن الديمقراطية في امريكا ، فلن نستوعب شيئا منها . فمن يصدق ان الشعب الامريكي اختار لدورتين متتاليتين جورج بوش الابن، من الطبيعي ان يصدق ان يختار هذا الشعب ترامب .

هذا اذا ما قررنا  ان الشعب هو الذي يختار . واذا ما فكرنا قليلا بالامر ، قد نستوعب هذا نوعا ما .. فالانتخابات تحتاج الى مراوغات تبعد كثيرا عما نراه بالعين المجردة . والناخب ليس فقط ذلك الذي نراه على الشاشات والاستطلاعات . واهمية مدينة او ولاية ما لا تعطيها اصوات افضل او اكثر . فكل صوت هو صوت حاسم في الانتخابات حتى ولو كان في ابعد المناطق وصولا واقلها ثقافة وتعليما واهتماما . فبينما رأينا كلينتون تتفوق في نيويورك، لم نر ما يجري في الجنوب الامريكي الذي لا يزال يعيش الكثير من سكانه على امجاد الكي كي كي وصفوة العرق الابيض.

قد يكون ترامب لعب على الوتر الرابح في اثاراته العنصرية التي بدأ بها حملته الانتخابية ، ولكن كان كل من لم ير الى اين كان هذا سيوصل الناخب الامريكي الابيض الذي لم يهضم ابدا ان يأتي يوم يحكم امريكا "عبد"، بكل بساطة قصير النظر . لان ترامب منذ مروره بالجولة الثانية حسم امره . امريكا بالنهاية شكلت كيانا قام على فكرة العنصرية البحتة. فلا عجب ان يلعب هو على هذا الوتر . ومن يظن ان المسلم بامريكا هانئا منذ احداث سبتمبر فهو كذلك اعمى . ما قاله ترامب كان الحقيقة، مقابل ابتسامات كلينتون المتسامحه بينما تمول وتخلق الجماعات الارهابية تحت اسم المسلمين.

ولكن مهما اعطينا للناخب دورا ، فهو ليس من يحسم لعبة السياسة في امريكا . فامريكا عبارة عن مجلس شيوخ وكونغرس يتحكم بمجريات ما يحدث . وهذا العالم من الشخوص ينتمي لحسابات تفوق ما نعرفه نحن العوام . هناك لعبة تدار اكبر من السياسة تتعلق بمحورين اساسيين وبوضوح تجارة الاسلحة والنفط. فهؤلاء من يتحكمون بكل مجريات الامور.

ليس حبا باسرائيل يتم دعمها ، ولكن حبا باستخدام الاسلحة التي يتم تصنيعها وتجريبها للتسويق على العالم المجاور. سواء اعلن الرئيس حبه او احترامه او تبجيله لاسرائيل او لم يفعل ذلك ،فان السياسة الامريكية بشأن اسرائيل واضحة مساندة داعمة بكلا الحزبين.

ان نعتقد ان الرئيس بأمريكا هو من يصنع القرارات بأي كان ، فهو كذلك من قصر المعلومات والمعرفة ، لان الرئيس بنهاية الامر لا يهش ولا ينش. الرئيس قد يقترح ويفكر ويقدم مشروع قرار ، ولكن الكونغرس هو من يقرر بنهاية الامر.

وترمب تاجر ابن تاجر ، ما يريده من الرئاسة الامريكية فرصة لتوسعة امبراطورية ترامب المالية ، ليس افضل من الرئاسة لعمل ذلك. واذا ما كانت رؤوس الاموال من بنوك واصحاب مصانع الاسلحة وتجار النفط هم من يتربعون على مقاعد الولايات الامريكية ومجلس شيوخها ، فلن يقصر ترامب بعقد الصفقات . خصوصا بان كلينتون اصبحت مكشوفة للعالم بعد سلسلة التسريبات التي تم الاعلان عنها في الاشهر الماضية . قد يكون من البديهي كذلك حرق كلينتون امام الناخب العادي ، فهي ليست محبوبة على صعيد ادائها في السياسة الخارجية ، ولم يساعدها كونها امرأة بها من الصفات الشوفنية كتلك التي يتملكها رجل كترامب.

بالنهاية ،ترامب هو محصلة طبيعية للوضع العام ...

قد يكون هناك مزايا كثيرة ايجابية ومن اهمها علاقته بروسيا والتي يغلب بها الايجابية ، وكرهه للسعودية ودول الخليج . فقد نشهد تحالفات مختلفة قادمة. سواء اراد اعادة احتلال العراق او استمرار فتح غوانتانمو . فهل انتهت الحرب الامريكية على العراق؟ وهل توقفت الاعتقالات السرية في غوانتانمو وغيره؟

هل سينهي ترامب فكرة الدولة الفلسطينية ؟ فهل كان هناك افق لدولة على سبيل السؤال؟ هل سيخرب ترامب عمارا كان قائما ؟
قد يؤثر ترامب على الداخل الامريكي سلبا... فبنهاية المطاف من يريد ترامبا يحكمه . هو بلا شك مهزلة عند تقديمه كرئيس . قد يأخذ المواطن الامريكي من جديد الى كساد اقتصادي بينما يجمع ثروة اكبر لنفسه . سيرجع الشعب الامريكي الى مواجهة مباشرة مع عنصريته . موضوع المهاجرين متناسيا ان فكرة امريكا قائمة على جموع المهاجرين . موضوع الاجهاض ، وموضوع حربه على المثليين ، اعجبنا ام لم يعجبنا يشكل قاعدة للاختلاف في امريكا لا تختلف عن تلك في العالم المحيط. وهي ورقة مثيرة للعب فيها ، ولن يهمه كثيرا اذا ما خسر المثليين وانصارهم ، فبالنهاية هم اقلية امام الجموع الرافضة لهم . وهناك مواضيع كثيرة لا يعبأ بها غير الشارع الامريكي ، ومهما حاولنا تجميل ترامب ام تقبيحه ، فهناك حقيقة ليست بالمشرقة اذا ما تأملنا تصرفاته الشخصية بدء من تعامله مع زوجته وعائلته وتصريحاته ولغته ولغة جسده .

اما على الصعيد الخارجي لن يكون اسوأ مما كان . فما شهده العالم من دمار في زمن اوباما غير مسبوق . فهل سيزيد سورية دمارا ؟ ام هل سيقسم العراق اربا اصغر؟ وهل سيتحالف مع الاخوان المسلمين في مصر ؟ او سيشن حربا اكبر مع السعودية على اليمن ؟ ام سيعيد انتشار الجيش الامريكي في جبال تورا بورا ؟ 

هل سيعلن القدس عاصمة اسرائيل ؟ هل سيبارك المزيد من المستوطنات ؟ فهل هناك اي جديد ؟ فالقضية الفلسطينية تم تسويتها منذ اوسلو ونحن نشهد فقط انعكاساتها ، والقدس لم تكن على اجندة المفاوض الفلسطيني بجدية منذ تركها للحل الناهئي .. فلا اتى الحل ولا انتهى من اوسلو الا القدس ....والمستوطنات اكلت ما تبقى من ارض ونحن نتفرج قبل ترامب وبعده 

ولكن... قد نتوقف قليلا امام ما يمكن ان يحدث اذا ما فكرنا ان هناك تسويات جديدة ستحصل في العالم بدء من الحرب الدامية المشتعلة في الشرق الاوسط. قد تشعل السفارة الامريكية نيران الغضب اذا ما انتقلت ، ولكنها ستبقى وستهدأ النيران وستصبح هذه حقيقة . لمن يعيش في القدس ويمر حول المدن لا يمكن ان يكون غافلا عما يجري في الاونة الاخيرة من سباق في بناء الشوارع ورفع جدران عازلة جديدة . هناك حل يراد فرضه قادم لا محال. والفرصة مواتية لاسرائيل وحلفائها بالسلطة . فلسطين التي سيمنحوها قد انتهى تشكيلها الى ما هو عليه الوضع على الارض والسلطة الفلسطينية الماسكة بزمام الشعب الفلسطيني مستعدة لاي تنازل . لم يبقى هناك ما يتم التنازل عنه اصلا. البؤر والثكنات والوحدات الاستعمارية التي يتم بناؤها ترتفع وتأخذ مكانها على الاراضي الممتدة في مناطق (ج) وغيرها تأخذ موقعها بلا تذمر او مقاومة او حتى استياء.

العلاقات في الجوار بين اسرائيل والدول العربية كمن يعيش شهر عسل . وهناك بلا شك تشكيل جديد والقوى العظمى تعيد تشكيل نفسها . علاقة ترامب وبوتين ليست مجرد علاقة تجسير لمجون ترامب امام الروسيات . فلقد ارجع بوتين روسيا من جديد الى مكان الدولة العظمى المنافسة ، ويبدو ان امريكا ترى ان التحالف مع الدب الروسي افضل من الاستمرار من محاولة قتله ، خصوصا بعد دوره المحوري في الشرق الاوسط بين سورية وتركيا وايران .

ترامب ، ليس الا تكملة لخطة امريكية تستمر بتغيير قواعد اللعبة والاهتمامات حسب مصالحها ، والتي تتطلب رئيسا بمؤهلات ترامب في هذه المرحلة ليمرر مخططاتها بالنسبة للعالم .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير