نادية حرحش تكتب لوطن: اعتقلوا أسامة

23.04.2017 06:46 PM

وطن: قرأت العبارة في صندوق الرسائل من الصديق معمر عرابي: " اعتقلوا اسامة"، صفنت للحظات امام الكلمتين وفكرت كم من اسامة يتم اعتقالهم هكذا ، في مباغتة وعنوة.

اسامة ابن الرابعة عشر . كان قبل شهور فتى مراهق يتسابق دخول عالم الرجال، ككل فتيان هذا الجيل، احلامه واماله وطموحاته لا تتعدى الحصول على مطلب ما من والده او والدته بلا نكد او تعكير ،ابن عائلة تتفرع غصونها بالمخيم ، وحاله كمعظم أحوال ابناء المخيمات ، مهما اخرجت المخيم منهم ، فهم لا يخرجون منه.

كنت افكر كيف يعيد القدر ترتيبه للابناء بحسبتها الخاصة مهما حاول الاهل تغيير ذلك المسار. فكل منا نحن معشر الاباء نريد من اولادنا ان ينشأوا ببيئة افضل من تلك التي نشأنا فيها ، ونتسابق مع الزمن في توفير ما لم يستطع اهلنا توفيره لنا. ونتحايل على الدنيا في رسم خطى تختلف عن تلك التي تعثرنا بها ....وعبثا نحاول.

اسامة ، قرر ان يكون قضية في زمن تجابن فيه الكبار. فكيف لا ولقد ودع اصدقاءه من ابناء المخيم تباعا في شهر واحد، ما الذي يحمله المستقبل لطفل في مخيم على بعد خطوات من العاصمة الفلسطينية وخطوات بالمقابل من مستعمرة تؤكد في كل لحظة ان الاستعمار باقي وخطته الى زوال فقط تحمل في طياتها زوال ابنائنا .

منذ اوسلو، وجاري تطويع هذا الجيل من الفلسطينيين . كنت قد سلمت ان الامور تغيرت . والمخيم كالمستعمرة في الجانب المقابل اصبح حيا . الا انه ومنذ اندلاع المواجهات منذ عامين ، وفي الجلزون تحديدا منذ استشهاد ليث الخالدي ، اثبت المخيم بابنائه انه لا يزال مخيم . مخيم الصمود والمواجهة والبسالة . مخيم رفض الاحتلال ومقت الاستعمار ورفض الانصياع والتطويع.

تساءلت بيني وبين نفسي ذات مرة ، كيف يمكن ان يكون هذا الجيل الاوسلوي الدمغة مشابها لنا ذلك الجيل الذي اخرج من الحجارة ابناء.

معمر ، والد اسامة، كان معتقلا في الانتفاضة الاولى ، فكان عمره كعمر اسامة اليوم ،. هل ظن معمر ولو لوهلة ان ابنه كان ينتظر اعادة الزمن فيرمي الطفل حجرا ويعتقل ويحكم  عليه بالحبس  ؟

انظر الى اسامة والاطفال من عمره وافكر ، كم البسالة في الانسان الفلسطيني لا ترتبط بقاعدة . لا اوسلو ولا خارطة طريق ولا غيرها ممكن ان يخرج الفلسطيني من شعوره بدمه الفلسطيني. وكأنه مصنوع من فصيلة دم مختلفة.تراها في هكذا مواقف تخرج كالبركان المتدفق في مواجهة اعاصير الاحتلال وطغيانه . يكبر الطفل مئات الاعوام ويكتسب خبرات اجيال ويرمي بطفولته في زمن غابت منه الرجولة ، ويقف طفل راميا وراءه لعبة البلاي ستيشن ، وتخطيط لسفرة قادمة الى دبي، وتصبح كل مخططاته لابتزاز يزيد به مصروفه او لعبة ما او لبسة يريد الحصول عليها مجرد تضييع وقت ، لان الحياة فجأة تأخذ مجرى اخر . تأخذ منحنى يشعر فيه المرء ان الحياة هذه لا تعني شيء امام الذل . لا تعني شيء امام خسارة الاحبة تباعا . لا تعني شيء في ظل احتلال يقنص الاولاد قبل الرجال لانه يعي ان هؤلاء هم المستقبل المرعب لوجودهم.

عندما صرخ اسامة بوجه القاضي العسكري قائلا:" انا لست مذنبا . انا ادافع عن وطني . انتم غزاة. انا اقاوم الاحتلال"

رفض اسامة طلب المحامي بأن يكون سجنه بيتيا لانه طفل وقال بصوت مدوي : " انا لا اخرج ولي اصدقاء بالسجن. هناك الاف المعتقلين اخرجوهم  ."

لا يزال اسامة في المعتقل ، لا يعرف ان المصير المنتظر له به شقاء قادم ، باحسن احواله اقل مرارة لامه وابيه امام مرارة حسرة الفقدان الابدي.

اسامة ورفاقه ليسوا الا ارتدادا لنبض متوقف في كبار هذا المجتمع الذي ابلته اوسلو وطوعه الاحتلال . 

اطفال يتوقون للحرية ....في زمن نسيها قوادنا الذين اكتفوا من تصريح مرور حاجز بأن يكون معبر حريتهم.

اسامة ورفاقه هم المثال الذي يحتذى به اليوم واسرانا في المعتقلات يخوضون اضرابهم...

هؤلاء الصبية اسامة وامل الذي يريد اللحاق باخيه ...يضربون عن الطعام ، يرمون انفسهم في غيابات المجهول املين في حرية حقيقية ..لا شبه حقوق تبقيهم على اشلاء الحياة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير