نادية حرحش تكتب لوطن مهاترات وطن .. اعتقال الصحفي جهاد بركات: هل هناك من يدق على الخزان ؟

08.07.2017 08:12 PM

 عندما بدأت الحملة "الشعبية" من خلال مواقع التواصل المختلفة بالاعتراض على حجب المواقع الاخبارية التي لا تعجب  السلطة  والوضع القائم الذي لا يحتمل الاختلاف، وكيف اذا كان هذا المختلف في صورة عدو عقائدي (حماس) والاخر بصورة عدو ايديولوجي ( دحلان)، ولان العقيدة والايديولوجية واحدة بالمعنى الحرفي. فان مأساوية المهزلة تقع هنا في هذا الاطار : "التوحد المرضي" لحالة الاختلاف .

ولكن لان ما يسمى بـ"الحملات " الشعبية سواء تلك الفعلية او على مواقع الاتصال الاجتماعي المختلفة، تثبت كل يوم عدم فعاليتها، لاننا وبكل بساطة نعبر فقط عن رأينا بالرفض او القبول ولا نتصدى لحالة الخلل القائمة، واعتبرنا ان مجرد رفضنا بكلمة او وقفة او تعليق يكفي، وبلا شك ان اصحاب السلطة يدركون هذا جيدا، فيتركون الشعب يهلل بالخطابات والهتافات والاعتراضات، حتى ينطفيء الفتيل المشعل للحماس لوحده (وفتيلنا في هذه الايام صناعة صينية من الصنف الرديء) .

فكم من القضايا الحتمية نقف امامها يوميا ونكتفي باللاشيء، حجب المواقع ابسطها مقابل السكوت عن قطع الكهرباء في غزة وقطع التحويلات الطبية والطلب من اسرائيل بتشديد الحصار والقبضة على غزة .

هذا اذا ما كانت غزة قضية ينفصل بها ما تبقى من وطن امامنا ونحن مستكينين لما يجري، ننظر ونقول بسرنا : "بالناقص من غزة " (ربما ) . لقد اوصلونا الى مستوى من الانحطاط لم يعد الوطن ابعد من شارع يوصل الواحد منا من بيته الى عمله .

واذا ما كانت قضية حوادث الطرق هي اخر حماساتنا  اين نحن اليوم بعد اسبوع من ذلك الحادث؟ تمر بنفس الشارع وترتعب من ان يتجاوزك سائق متهور ، وتنظر حولك ولا ترى الا التهور السمة الغالبة للسائقين. من الاجدى ان يكون التنسيق مع سلطات الاحتلال على هكذا مشاكل، لا على التوسل بقطع الكهرباء عن غزة كمثال.

وجرائم قتل النساء التي تحولت بالاعلام والشرطة الى عنوان " قتل في ظروف غامضة"، والجرائم المترتبة عن حمل السلاح والعشائرية المتجددة في حل النزاع .

والفساد الاداري الذي صار جزء من طريقة الحياة فلا مجال للحديث فيه،  فالمؤسسة كلها فاسدة ، وعليه لا يمكن الحديث في فساد محدد او حتى الاهتمام فيه ، فلربما نبدأ باستخدام مثل جديد نسميه " اذا كان غريمك الفاسد تشكي همك لمين " .

والمواطن هنا يجد نفسه في مأزق، فعلى سبيل المثال عندما تطلب السلطة من المواطن ان يقوم بدور الشرطي ويلتقط صورا للمخالفين على الطرقات، لا غرابة بأن تتداخل الامور لدرجة يتم اعتقال صحفي لالتقاطه صورة لموكب رئيس الوزراء.

"موكب" كلمة يجب الوقوف عندها مطولا لشعب تمر مواكب زمرة مهميه امام حواجز احتلال، ولكن المقام في هذا المقال لا يتسع الى هذا  الان.

وعليه ابدأ بسؤال بديهي : كيف للمواطن ان يعرف ما هي قوانين المنع من التصوير، اذا ما كان هذا المواطن بهذه الجسارة ان يقوم بالتصوير على حاجز احتلال ، لأن هناك (عند الحواجز) من المفترض ان يكون التصوير ممنوعا .

هناك لائحة كبيرة على اكثر الحواجز يمنع بها "اللحوم" و"الخضار" و"الاسرائيليين" و"التصوير" من تلك المنطقة ، ولكن لم نسمع ابدا عن قانون يمنع تصوير "موكب" فخامته ، ولا احتاج للعودة الى القانون لأن القانون لا يوجد به ما يمنع، واقصد هنا القانون الفلسطيني، ولعله من المناسب الان وبعد اعتقال الصحفي جهاد بركات ان يتم وضع لافتة على سيارات المواكب لفخامتهم وهي كثيرة جدا في هذه السلطة، بلاصق مع اشارة ممنوع التصوير.

ما جرى من تعدي واعتقال تعسفي ووحشي لصحفي باخذه عنوة من سيارته من قبل موظفي امن يتصرفون كالفتوات امر يؤكد ان سكوتنا عن مواقع الحجب ادى بنا لان نجد انفسنا محجوبين عن الشارع .

عندما تساءل غسان كنفاني "لماذا لم يدقوا على الخزان " لم يكن يعلم ان عدم الدق على ذلك الخزان لم يعد مشكلتنا مع انظمة خارجية ، لم تكن بالضرورة حينها فلسطينية، كان يلوم الخوف من الانظمة العربية في اوج نكبتنا، ولكننا اليوم ندفع الثمن بحياتنا نفسها في سكوتنا عن هذا الفساد المستفحل الذي اوصلنا الى ان نحيط انفسنا بنظام غوستابو لا تديره سلطات الاحتلال القمعية فقط ، بل يديره اولئك الذين نصبوا انفسهم حكاما لنا ، وقد اعفي انفسنا نحن الشعب "المستكين" عن القول بأننا من نصبنا اولئك حكاما لنا، فكل ما يجري من سلطة اليوم لا يمثلنا بشيء ،فنحن لم ننتخب هذه الحكومة بكل ما فيها ومن فيها ، وان كان انتخابنا للرئيس لم يفقد كذلك ميثاقه بالتقادم الزمني ، ولكن  تحملنا لمسؤوليتنا  لانتخابنا للرئيس لا يعني تحملنا لمسؤولية هذه الحكومات التي لا يد ولا باع لنا فيها ، لانها على حسب التشريعات الموجودة ليست الا " مؤقتة" و "انتقالية " و" تسير الاعمال" .

وان كان اعتقال جهاد بركات ليس الاول ولن يكون الاخير ، فان قمع الحريات يتفاقم لاننا نرفض الدق على الخزان .

ما يجري هو منظومة دقيقة بالانهيار . لم يبق لدينا ما نتمناه او ننتظره من هذا الوطن ، لقد وصلنا الى مرحلة يراجع الكثير انفسهم متسائلين كم كانت ارحم الحياة تحت الاحتلال العسكري المباشر ؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير