نادية حرحش تكتب لـوطن: القدس تعيد للمقاومة حقها

21.07.2017 05:15 PM

عندما غنت جوليا بطرس الحق سلاحي بمناسبة العدوان على غزة  ، كان صدى كلماتها كما كانت كلماتها مدوية عندما هزت الشوارع العربية وين الملايين ابان الانتفاضة الاولى .

بين انتفاضات اصبحت تشكل المفاصل الحاسمة في مراحل وجود الشعب الفلسطيني ، تأتي كلمات الاغنية في مكان يفهم بحرفيته .

من انتفاضة الي هبة تتالى المصائب فيها لتسقي الارض دماء شعب ضاعت الارض منه لم يبق له الا جسد يتهاوى من اجل بقاء امام آلية ظلم لا يمكن التغلب عليها . لم يبق الا النسان الفلسطيني اما همجية طغيان تغطيه الشرعية الدولية وخنوع السيادة العربية .

في ظل الانهزامات المتكررة ، والهوان الدائم ،خرج نبض من تراب الحياة ليشهد العالم بأن المقاومة هي سلاح الحق . والحق سلاح المقاومة .

تتكرر المشاهد اليومية لحياة صارت بالنسبة للفلسطيني هي الطبيعية . هناك جيل من الفلسطينيين لا يعرفوا معنى الحدود بلا جدار فاصل ، ولا يفهموا ان الشوارع لا توقفها حواجز ، وان المرور بين المدون لا يحتاج الى معابر . هناك جيل كامل لا يعرف شكل البحر مع انه يدرس بكتب الجغرافيا بأن فلسطين يترامى على حدودها شواطيء البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر ويمر منها نهر الاردن وفيها بحيرة طبريا.

هناك اجيال تم محاولة "اسرلتها " لمسح هويتها الفلسطينية على مدار العقود.

من هذه الاجيال  خرج من جديد شاب فلسطيني وراء الشاب حاملا حقه كسلاح

مع الايام والسنين اصبح الفلسطيني جزءا من حالة التيه السياسي الحاصل . فلم يعد يمسك بأي طرف من اطراف القضية . اين كنا قبل اوسلو وماذا حل بنا بعدها ؟ ما الذي انجزناه وما الذي خسرناه ؟ كم كان حجم الانجازات مناسبا وحجم التضحيات المقدمة؟

كم هي صدفة ان يأتي الشعب بانتفاضة تلو الانتفاضة وتكون مقاومته امام جبروت احتلال غاشم وقوى لا تقهر ونتصر لنفسه ولأرضه ثم تأتي المقايضات السياسية لترجعه خطوات كثيرة للوراء.

في الانتفاضة الاولى اواخر الثمانينيات ، شعر الفلسطيني بدنو اجل الاحتلال . استنشق عبير الحرية رغم الغاز والقمع وتكسير الاضلع والاطراف والقتل والسجن والتعذيب. كانت انتفاضة شعب اعزل وقف بجبروت مليء بالعظمة الانسانية ليكسر حواجز الظلم والعنصرية والاستبداد.

كان الشعب كله وحدة واحدة تتكتل لتصنع خلايا مطوعة جميعها لخدمة الشعب. كان الحجر بيد الطفل مقدم بسلة قامت بتجميع الحجارة فيه سيدة عجوز. كانت الجدة تتصدى للدبابة وكأنها جذع زيتونة عمرها من عمر تراب هذا الوطن . اللجان تشكلت والشعب تنظم بديناميكية خرجت من رحم الشارع . تحولنا الى جيل منتفض يفهم بالسياسة ويعي مفهوم الحرية وينشد كسر القيد للعيش بكرامة.

كنا مفعمين بالامل وامتلأت قلوبنا بالتوقعات. كنا ننتظر الشعوب والقيادات العربية لتهب لنجدتنا . كنا نطمح بأن يرانا العالم الغافل ويفهم معنى الذل تحت الاحتلال.

وخرج نضال الحجارة ،الذي اربك وفضح الصهيونية وكشف وجه همجيتها وتعطشها للقتل والفتك ليتم احتواؤه في نفق الاتفاقيات والتفاهمات . فكانت اسرائيل تستجدي التهدئة والحل ولا يفهم احد من الشعب لغاية اللحظة اي لعنة أخرجت اوسلو.

جاءت اوسلو بحلم دولة رقعته محدودة وعلم يرفرف فوقها وعودة للقادة المغتربين والمنفيين. باعونا وهم بداية مرحلة استرجاع الحق . صدقنا بان بناء الوطن يحتاج الى عودة من شتتهم اللجوء والاحتلال . وقبولنا بقطعة من الارض سيكون مؤقتا حتى تسوية المفاهمات . صدقنا بأن العودة حق ولن ينتهي المطالبة به لطالما هناك شيخ لا يزال يحمل مفتاح بيته انتظارا للعودة.

هوت توقعاتنا من وطن كان يحمل خارطة رغم صغرها، حدوده تتسع فيها قلوبنا لتستنشق منه حياة، لارض تنازلوا عن معظمها ليتم التفاوض على حلم رأيناه يتحول الى كابوس يومي حتى اصبح الكابوس هو الواقع.

حصلنا على اوسلو بالانتفاضة الاولى وصار الوطن عشرون بالمئة من المساحة الاصلية يتخلله حواجز ويخترقه شوارع التفافية وغرس فيه مستوطنات من كل الانحاء وفصلت مدنه وقراه وطرقاته بجدار. وظلت القدس عالقة بمفاوضات واللاجئون على حبال الوهم بالعودة متأرجحون والاسرى بالسجون يدمرون فيتهالكون واعدادهم تأخذ بالصعود لا النزول.

وخرجت الانتفاضة الثانية وكان ثمنها اغتيال رئيس وتثبيت للمستوطنات وتحويل للحواجز لتصبح معابر وامتد الجدار الفاصل للمزيد من الكيلومترات ليلتف على المدن المتبقية والقرى. والقدس سارت الى المذبح بعملية تهويد مبرمجة طالت البشر والحجر والكلمات . واللاجئون في كل ذكرى للنكبة نحمل من اجلهم المفتاح ونؤكد حقا بالعودة قد غاب بين اوراق المفاوضات وقد تطاير كما يتطاير الدخان من اعقاب السيجارة.

وعام تلاه العام حتى صار العقد على عتبة العقد والحال صار محال. فلم تعد هناك ارض للتفاوض على حدودها .

والقدس في حالة حرب عارية من دفاع الا بأجساد اهلها العزل. فممارسات قهر تلو الممارسات ، من هدم بيوت ونزع هويات وفرض ضرائب وعقوبات جماعية وتنكيل يومي . والقيادة الفلسطينية تجلس على عرش رام الله وكأن الوطن صار متصدرا بالمقاطعة. اصبحت رام الله فقاعة فلسطين الخاوية .فالحياة الطبيعية فاقت الطبيعة حتى نسي اهلها الفرق بين ما هو حقيقي وما هو الفقاعة. وانفصل الوطن بالروح كما انفصل بالجسد وبقي القلب معلقا على اجهزة الانعاش بين انقسام يشده هذا الطرف عن ذاك.

اصبحت غزة في عزلة لا يصلها الا الله او من شاء له السلطان . والسلطان هو الاحتلال لان سلطان السلطة لا يحكم حتى على حرية التنقل بلا تأشيرة مرور من المحتل اصبحت تلك التأشيرات لاصحاب النخبة السياسية هي انجازات المفاوضات .

والخليل في واد سسحيق تفترسه المستوطنات الشرسة في وضح النهار . فتنكيل لا بيماثله تنكيل . هدم بيوت وحرق حقول وسحل اطفال على الطرقات . ضرب ودهس وتنكسل اعين الكاميرات .

جرائم توثق .. واصوات تعلو استجداءا واستصراخا لنجاة.

وما من مجيب من قريب او بعيد.

وجنين مستباحة ونابلس لتمشيطات الجيش كل ما حك رأسه لمسألة نفهمها او لا نفهمها . فنحن الشعب في واد ، والعالم الذي صنعته السلطة الفلسطينية من تنسيق امني في واد.

كيف يدخل الجيش الاسرائيلي اماكن سيادة مفترضة لا يفهم احد. حتى يأتي الخبر اليقين على لسان رئيس كهل على الكرسي وانتهت صلاحية رئاسته منذ سنوات ليخاطب الاعداء مادا يده دائما لسلام والتنسيق الامني عنده هو المقدس. ويوم وراء اليوم ... وسنة وراء السنه والهوة بين فقاعات الشعب الهائمة على وجهها وتلك المتعلقة بالقيادات تزداد انشقاقا في السماء . فلم نعد نرى من انفسنا الا اشباه ناس تعيش في فقاعات منعزلة لا تعي الا ما يجري حولها وبداخل فقاعتها .

انفجرت فقاعات غزة مرة ومرات . وارتطم الجسد بالتراب وغسلت الدماء الارض حتى تدفقت ارتواءا من دماء سفكت بلا عدل او حق ...الا لرغبة اصحابها بالحياة.

وغزو تلو الغزو على غزة حتى انتهت بخنادق اغرقت بالمياة وسياج عازل ومعابر لا يخترقها حتى الفئران . ظلم قيادة منقسمة فاسدة غير صالحة . همها المناصب وضخ الاموال لجيوب اصحابها ومنتفعيها على حساب شعب يتم تقديم حياته قربانا لمكسب سياسي لا يتعدى المنافع المادية للسيادة الحاكمة .

وبين غزة والضفة شرخ بحجم الانقسام بين شطري الحكم بين انقلاب وثورة . وكأن العدو هو الاخر والصهيوني لا يخرج الا عندما يبدأ ابادته ليتذكر كل طرف منقسم انه لا يزال تحت الاحتلال.

حكومتان منقسمتان انتهت شرعيتهما سواء بالانتخابات او الانقلاب. ولا تزالان تحملا الاعيرة الفارغة من تصريحات وتبريرات لانقسام تعدى عمره العشرسنوات .ولا يزال الحال هو المحال.

والقدس.....

والقدس لا تزال واقفة شامخة بعد كل اغتصاب. ينظر اهلها اليها والعار يحمل نفسه على اكتافهم وما من عين تخجل او قلب يشعر بألم المصاب.

تزف القدس شهداءها كمن يرش على الارض ملحا ليخرج الحياء من الحياة.

وينتفض أبناء الشعب الواحد .. .فتتحطم كل الفقاعات ويلتئم الشعب ليلتف من الناصرة واللد وحيفا الى جنين وطولكرم ونابلس. الخليل وبير السبع حتى غزة نحو القدس دفاعا مستميتا . وكأن القدس فيها نبض الحياة للانسان الفلسطيني .

كأن كرامة الاقصى من كرامة الانسان .

كأن العزة كلها بمنبر وقبة شموخها يحكي مسرى انبياء.

سر كوني يشعل ما تم نسيانه من الحياء ليتدفق خارجا وبقوة صارخا للحياة .

ليعيد المعنى للوجود

لتسقط الارض ربما

ولكن يبقى الحق هو الاحق

فالحق لا يضيع عند شعب لا يزال ينهض رغم كل الانكسارات

المقاومة حق

حق امام الطاغوت مهما كبر حجمه وزاد طغيانه.

يقتلون الحياة فينا وكأننا اهداف صيد لمواسمهم.

هذا القتل العلني والاعدامات الظالمة على مرأى البشر

هذا التنكيل الذي يطال الاحساس والكرامة من ابناء الشعب من شرقه الى غربه

شماله الى جنوبه

المقاومة حق

والحق هو سلاحنا امام الطغيان القائم .

نحن شعب لا يزال ينبض حياة

وسيستمر بالحياة رغم عنجهية الاحتلال وانصياع القيادة الفلسطينية وغياب الوجود العربي.

سنستمر بأن نكون

فوجودنا هو الارض

وهو العرض

وهو الكرامة التي اضاعها الحكام من اشتات ما كان وطنا عربيا .

وجودنا مقاومة

ومقاومتنا سلاحنا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير