هل بدأت معركة الخلافة الفلسطينية؟

27.03.2018 09:57 AM

ترجمة خاصة- وطن: أحدثت التصريحات التي أطلقها القيادي في حركة فتح، جبريل الرجوب، ضد محمد دحلان، في احدى مقابلاته مع هيئة الاذاعة البريطانية، تداعيات مختلفة في الاراضي الفلسطينية وخارجها. قال الرجوب في المقابلة انه يتعين على مصر الاحجام عن دعم محمد دحلان، المنافس السياسي المرير له، حيث قال: "ليس من المناسب لمصر ان تتبنى وتدعم محمد دحلان، فهو مطرود من حركة فتح، ولا صفة تنظيمية له، ولا يشرف مصر كدولة ان تدعم شخصا يقف ضد الشعب الفلسطيني وقضيته"، وفق الكاتب.

علاقات جبريل الرجوب مع مصر ليست على ما يرام. فقبل نحو عام، تم ترحيله من الأراضي المصرية، بعيد وقت قصير من الوصول الى القاهرة لحضور مؤتمر سياسي، كممثل عن حركة فتح. فبعد وقت قصير من هبوط الطائرة التي وصل على متنها الى القاهرة، قامت قوى الامن بوضعه على متن طائرة أخرى، طالبة منه مغادرة البلاد، على خلفية انتقاده للرئيس المصري عبر وسائل الإعلام، وفق الكاتب.

وتبعا لمصادر في حركة فتح، فان جبريل الرجوب يرى أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يبدو على وشك الخروج القريب من الحياة السياسية. وهو بالتالي يرى نفسه المرشح الأنسب لخلافة الرئيس الفلسطيني، على حساب دحلان، الذي يلقى بدوره دعما من دول عربية عدة.

وفي سياق متصل، من غير المستغرب أن تقف حركة حماس مع دحلان. فقد قال عضو المكتب السياسي لحماس، خليل الحية، ان "محمد دحلان شخصية فلسطينية، وموقفه واضح بشأن المصالحة، ونشكره على دعمه لقطاع غزة، والمساهمة في صموده".

ما رد فعل محمد دحلان على تصريحات جبريل الرجوب ضده فجاءت عبر قوله عن الرجوب " انه رجل مجنون، مثل الرئيس ترمب"، وفق الكاتب.

لا يعتبر جبريل الرجوب الطرف الوحيد الذي يعادي محمد دحلان، ويتصرف ضده. فقد سبق ان تعرض دحلان الى مضايقات من الولايات المتحدة. اما هو، فقد استغل المضايقات في توسيع علاقاته، مما اكسبه بعض الشعبية والنفوذ في بعض الدول العربية، وفق الكاتب.

وبالنسبة الى رؤية محمد دحلان الذاتية، ورغم انه فصل من حركة فتح، الا انه يعتبر نفسه الخليفة الحقيقي للزعيم ياسر عرفات. كما يرى نفسه الشص الاجدر لرئاسة السلطة الفلسطينية.

وقد منعت الولايات المتحدة محمد دحلان من الدخول الى أراضيها لمدة (11) عاما، معتبرة إياه إرهابيا، وفقا لسياساتها تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

وقد تبنت حكومة ترمب موقف الإدارة الامريكية السابقة تجاه دحلان، حيث اعتبرته "عاملا ضارا" بالسياسة الامريكية فيما يختص بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

وجاء على لسان وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، في اجتماع للجنة الرباعية الدولية، في فيينا، في العام 2010، ان "محمد دحلان لا يقل خطورة عن حماس. ولهذا، فان واشنطن تمتنع عن منحه تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة الامريكية".

وخلال مناقشات خاصة أجرتها إدارة ترمب-بمشاركة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، الى جانب السفير الأمريكي في إسرائيل، ديفيد فريدمان-والتي تناولت موضوع "اليوم التالي لمحمود عباس"، اجمع الحضور على ان محمد دحلان "قام بإنقاذ حركة حماس، وأقنع القيادة المصرية بفتح حوار مع حماس".

وفي سياق متصل، وجه مسؤولون كبار في إدارة ترمب اتهامات الى محمد دحلان، بانه تعمد الإدلاء بتصريحات تدعو إلى التنصل من اتفاقيات أوسلو، والى إعلان الأراضي الفلسطينية "كدولة تحت الاحتلال"، وهو ما يتناقض مع سياسة الولايات المتحدة في المنطقة.

ويرى محمد دحلان ان الحملة الأمريكية ضده ما هي الا خدمة ممتازة له. حيث قام بتجييرها لصالحه، فهو يقوم باقتباس ما ينشره الامريكيون ضده، ويقوم بترويجه بشكل مكثف على جميع المواقع الالكترونية التابعة، او المؤيدة له.

وإذا كانت إدارة ترمب صادقة في معارضتها لدحلان، فهذه إشارة على أن دحلان يخدم المصالح الحقيقية للشعب الفلسطيني. ويعتقد كثيرون في الشارع الفلسطيني ان دحلان يتوق إلى ان يصبح في موقع القيادة للفلسطينيين، لأنه يعتبر نفسه معروفا في الغرب، كما انه معروف لأروقة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وبعبارة أخرى، وان تغير التوجه الأمريكي نحو دحلان، من المتوقع ان تقوم الإدارة الأمريكية حينها ببناء صورة جديدة لمحمد دحلان، كزعيم فلسطيني محل ثقة، رغم طرده من حركة فتح.

وفي ذات الوقت، يعمل دحلان، ببطء وثبات، على بناء صورته كزعيم حقيقي، خلفا للزعيم ياسر عرفات، الذي يعتبر رمز النضال الفلسطيني ضد إسرائيل. ولهذا، يحرص محمد دحلان على ان تكون صورة ياسر عرفات موجودة في خلفية اية صورة تلتقط له، مثلما يسعى الى عدم اجراء اية مقابلة تلفزيونية الا بوجود صورة ياسر عرفات في خلفية الفيديو. كما انه لا ينسى الاقتباس من كلمات وعبارات ياسر عرفات في كل مناسبة ممكنة، فضلا عن تمجيد إرث عرفات، في محاولة منه لاظهار شرخ وتباين بين مسيرة حركة فتح في عهد عرفات، ومسيرتها في عهد محمود عباس.

ولا يختلف محمد دحلان كثيرا عن ياسر عرفات، فقد تعلم منه الكثير على مر السنين التي قضاها في العمل معه، وكان أحد المقربين من السياسة الفلسطينية وأسرارها، وقد تعلم كيفية المناورة داخل الساحة السياسية الفلسطينية، كما الساحة العربية، وفق الكاتب.

وبذلك فقد أصبح محمد دحلان مستشارا لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد. كما انه قريب من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. ولهذا، فهو مرشح الرباعية العربية ليكون وريثا للرئيس محمود عباس، وفق الكاتب.

ينظر الى محمد دحلان على انه سياسي فلسطيني محنك. ويطلق عليه في الأراضي لقب "طائر الفنيق"، وهو طائر معروف بالنهوض من جديد بعد كبواته. وما من شك في ان محاولات التحالف بينه وبين حركة حماس قد اعادته الى الواجهة السياسية الفلسطينية بعد غياب. والآن، وبعد أن اوشكت عملية المصالحة بين فتح وحماس على الانهيار، يبدو ان محمد دحلان ينتظر دوره من اجل العودة الى الوجهة في قطاع غزة من جديد.

قام محمد دحلان بتأسيس "الحركة الإصلاحية" في حركة فتح، على الرغم من أنه طرد من الحركة. ويتمتع دحلان بنفوذ واسع وله تأثير كبير داخل قطاع غزة. كما تمكن من إقامة مجموعات وبؤر نفوذ مسلحة في المخيمات الفلسطينية، ليس في الضفة الغربية وقطاع غزة فحسب، بل على الأراضي اللبنانية أيضا.

اما القيادي الاخر في حركة فتح، مروان البرغوثي، والذي يذكره دحلان كثيرا، فيقضي عدة احكام بالسجن مدى الحياة في السجون الإسرائيلية، ولديه عدد من المعارضين ضمن قيادة فتح، مثل جبريل الرجوب، ومحمود العالول، ونبيل شعث، ومحمد اشتيه، وماجد فرج، وغيرهم. وكل واحد من هؤلاء يرى نفسه الوريث المحتمل للرئيس محمود عباس، في رئاسة السلطة الفلسطينية، وفي قيادة حركة فتح، على حد سواء. كما انهم يعملون عن توسيع المسافات بين عباس ودحلان، ويسعون الى منع اية مصالحة محتملة بين الرجلين، وفق الكاتب.

وعلى الجانب الاخر، يعتبر دحلان بالنسبة لإسرائيل شخصية فلسطينية خطرة، تقاوم السياسات الإسرائيلية، وتدعو الى وقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفق الكاتب.

وتعلق مصادر امنية في إسرائيل على التهديد بوقف التنسيق الأمني بالقول ان محمد دحلان نفسه كان يرأس جهاز الامن الوقائي الفلسطيني، في قطاع غزة. وكان جهازه يعمل مع قوات الامن الإسرائيلية، ووكالة الاستخبارات المركزية الامريكية. وبالتالي، فهو يدرك اهمية التنسيق الأمني، وتداعيات وقفه، على الأراضي الفلسطينية، كما هي على إسرائيل أيضا.

ووفقا لمصادر أمنية، ينظر الى محمد دحلان على انه شخص طموح، ومتمرس، ويسعى الى التطور، وانه يسعى الى ان يصبح رئيسا للسلطة الفلسطينية بأي ثمن، رغم ان مسعاه هذا يبدو بعيد المنال، وغير ممكن في الوقت الحالي، بسبب ما طرأ من ظروف وتطورات على الساحة الفلسطينية. غير انه لا يمكن اهمال ان احتمال كهذا يمكن ان يتحول الى واقع في المستقبل، ولو كان احتمالا ضئيلا.

الى اين تتجه الأمور؟
ربما يشير الهجوم الذي تناول به جبريل الرجوب كلا من مصر ودحلان الى ان المعركة من أجل رئاسة السلطة الفلسطينية لم تنتهي بعد. فالرجوب يمثل قيادة فتح التي تنطلق من الضفة الغربية، والتي تبدو غير مستعدة لتقبل زعيم لها من قطاع غزة مثل محمد دحلان، وفق الكاتب.

اما بالنسبة الى الرئيس محمود عباس، فيبدو انه يفضل ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة كخليفة له في رئاسة السلطة الفلسطينية، وفق الكاتب. غير ان الرئيس لم يتخذ أية خطوة داخل حركة فتح، قد تعبر عن نواياه المستقبلية.

وتسود مخاوف في إسرائيل من انفجار حمام دم، وموجة عنف، قد ترافقها اشتباكات مسلحة، وفوضى أمنية في مجمل الضفة الغربية، بسبب تنازع على السلطة في قيادة حركة فتح، بعد رحيل الرئيس محمود عباس، وفق مصطلح الكاتب.


ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "روتر دوت نت"

تصميم وتطوير