تحقيق استقصائي لـ"وطن": فرح الاطفال المسموم

21.02.2017 10:48 AM

رام الله- وطن-وفاء عاروري: "ألعابٌ مخالفة للمواصفات والمعايير الفلسطينية منتشرة في أسواقنا المحلية، تلحق الضرر بأطفالنا"، هذه هي الفرضية التي انطلق منها تحقيقنا، والذي استمر قرابة الشهر، رصدنا مخالفات كثيرة، واجهنا المسؤولين عن القضية، وخرجنا بنتائج خطيرة، تؤثر على كل بيت فلسطيني، لكننا بدأنا بالأطفال المتضررين من هذه الألعاب.

مقابل احد المحال التجارية المخصصة لبيع العاب الأطفال وسط مدينة رام الله، خرج طفل لا يتجاوز ثمانية أعوام، يحمل لعبة اشتراها بعد ادخاره جزءا من مصروفه اليومي، توجهنا للطفل واستعلمنا عن المنتج الذي اشتراه، ولدى تفحصنا اللعبة، تبين عدم احتوائها على بطاقة بيان، ما يعني مخالفتها للمواصفات والمقاييس الفلسطينية.

أثار ما اكتشفناه فضولنا الصحفي، فقررنا الخوض في عمق القضية، نسقنا مع وزارة الاقتصاد لمرافقة طواقمها في جولة إلى عدد من اسواق الضفة الغربية، وبدأنا برام الله.

المحال المفحوصة مخالفة

استهدفنا خلال الجولة، أربعة محال متخصصة ببيع ألعاب الأطفال بطريقة عشوائية، وكانت النتيجة كارثية، فثلاثة محال من أصل أربعة احتوت على عشرات المنتجات غير المطابقة للمواصفات والمعايير الفلسطينية، والمحل الرابع لا يملك شهادات صحية بالمنتجات التي يبيعها في معرضه، رغم انه احد أكبر مستوردي الالعاب في فلسطين.

طاقم وزارة الاقتصاد قام بإنزال الألعاب المخالفة عن الرفوف منذرا أصحاب المحال التجارية من بيعها للمواطنين، وإلا سيعرِّضون أنفسهم للمساءلة القضائية، وذلك الى حين تصويب اوضاعها، كما قام الطاقم بمخالفة التجار واستدعائهم للمحكمة.

مدير دائرة حماية المستهلك في جنين، خليل الدرابيع، أكد خلال الجولة أن الطريقة الوحيدة، التي تمارس من خلالها الوزارة رقابتها على قطاع الالعاب، هي التأكد "نظريا" من مطابقتها للمواصفة الفلسطينية والتعليمات الفنية الالزامية، حيث يقوم الطاقم بالتأكد من احتواء المنتج على بطاقة بيان توضح اسم المستورد وعنوانه، واسم البلد المنشأ.

وأوضح الدرابيع ان كل التجار المخالفين تم إلزامهم بتعهد عدلي لدى المحكمة، بعدم تكرار المخالفة ووضع بطاقة بيان مصادقٍ عليها من مؤسسة المواصفات الفلسطينية، حتى يسمح لهم بتسويقها.

نابلس ليست أفضل حالا

في مدينة نابلس كانت الجولة الثانية، استهدفنا ثلاثة محال لبيع الألعاب بطريقة عشوائية، فاكتشفنا أن المحال الثلاثة تحوي منتجات مخالفة وغير مطابقة للمعايير والمواصفات الفلسطينية.

اللافت أن بعض التجار تصدوا لنا ولطاقم الوزارة متذمرين من التفتيش، ووقعت مشاداة كلامية بين احد افراد الطاقم مع تاجر ممن تمت مخالفتهم.

نتائج الجولة

بعد انتهاء الجولة واجهنا مدير الادارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، ابراهيم القاضي، بالحقائق التي جمعناها والتي تثبت غياب الرقابة على هذا القطاع، فأكد القاضي ان الالعاب خضعت للرقابة نهاية 2015 أي ليست بالعمر القديم، وان السلع الجديدة التي تم استيرادها تحتوي على بطاقة بيان، لكن السلع القديمة التي ما زالت في السوق حتى اليوم لم يتخلص منها التجار.

وأكد القاضي أيضا ان وزارة الاقتصاد تمارس دورها الرقابي على هذا القطاع فقط من خلال الجولات الميدانية، أي بعد ان تصبح المنتجات في قلب أسواقنا.

لم يُجرَ فحصٌ واحدٌ للألعاب من قبل!

سألنا القاضي عن الطريقة التي تُجري من خلالها الجهات الرسمية فحوصاتٍ للألعاب، في سبيل التأكد من سلامتها وأمانها للاستخدام من قبل الأطفال، فصُدمنا أنه لم يَسبق أن جرى فحصٌ مخبريٌ واحدٌ للألعاب من قبل، ليس فقط المهربة، وانما حتى المستوردة بشكل قانوني، ومن خلال الوزارة.

وقال القاضي لـ "وطن": ان ما تقوم به الوزارة حاليا هو رقابة على السلامة العامة والشكل العام للمنتج، أما الفحوصات المخبرية، فلا يوجد بالاساس مختبرات رسمية يمكنها إتمام الفحص الكيماوي التحليلي لهذه المنتجات، مع العلم ان بإمكان بعض المختبرات فحص نسبة العناصر الثقيلة الموجودة فيها، لكن على ارض الواقع لم يُسبق وتم فحصها.

وأضاف: نكتفي بشهادة المنشأ وتقوم بالاتلاف بناء على ذلك.

بدوره أكد مدير دائرة الصحة والبيئة في وزارة الصحة ابراهيم عطية، أنه كان هناك خطة لإنشاء مختبر صناعي تابع لوزارة الاقتصاد، لكن هذا لم يتم الى الآن فبالتالي لا تخضع الألعاب لأي فحوصات تذكر.

اعتماد على شهادة ضائعة!

وفي ظل اعتماد الجهات الرسمية اعتمادًا كليًا على شهادات بلد المنشأ لمنتجات الألعاب، كان لا بد من الحصول على نسخة من هذه الشهادات والاطلاع عليها، طلبنا من القاضي اعطاءنا نسخة منها، فقال انها تُحفظ لدى التجار، ولدى مساءلتنا للتجار حول ذات الأمر، قالوا ان الشهادات تحفظ لدى وزارة الاقتصاد، وما بين هذا وذاك لم نستطع الحصول على نموذج واحد من هذه الشهادات!.
خلال البحث اكتشفنا أيضا أن الجهات الرقابية في سلطة الاحتلال تحظر دخول الألعاب المستوردة عبر تاجر فلسطيني الى أسواقها، ولا تقوم بفحصها مخبريًا والتأكد من سلامتها، بخلاف الألعاب التي تدخل السوق الإسرائيلية، وهو ما أكدتاه وزارتا الاقتصاد والصحة.

الاحتلال يرفض والسلطة تقبل

وأوضح القاضي حول هذا الأمر، وجود تشديد اسرائيلي كبير على دخول أي بضائع مستوردة عن طريق تاجر فلسطيني إلى الأسواق، حيث توضع كفالة على التجار الفلسطينيين لضمان ذلك.

وقال القاضي: هذا يحدث في حالتين: أن تكون المنتجات لا تحمل بطاقة بيان بالعبرية، أو أن تكون غير مطابقة للمواصفة الاسرائيلية.

فيما رجّح ابراهيم عطية، أن تكون هناك أسبابًا صحية خطيرة تكمن وراء هذه الكفالة، وان تكون بمثابة تعهد خطي من مؤسسات السلطة الفلسطينية بقبول هذه المنتجات في أسواقها.

المواصفة.. حبر على ورق

وفي الوقت الذي حددت فيه المواصفة الفلسطينية، الاشتراطات الفنية الواجب توفرها في منتجات الالعاب، إلا أن هذه المواصفات لا يمكن التحقق منها، في ظل عدم توفر مختبر صناعي يحدد المواد المستخدمة في صناعة هذه المنتجات، حيث تظل الجولات الميدانية الأداة الرقابية الوحيدة الممكنة.

السرطان محتمل.. ولا دراسات تثبت!

وحول الأضرار الصحية التي يسببها استعمال الاطفال لمثل هذه المنتجات،  يؤكد مدير دائرة الصحة في وزارة الصحة ابراهيم عطية، احتمالية دخول مواد مسرطنة في صناعة هذه الالعاب، وهو ما لا يمكن التيقّن منه بالعين المجردة، ولكن بفحوصات مخبرية دقيقة، ما يجعل أمان هذا القطاع مبهمًا تماما.

وفي ذات السياق، قال عطية أيضا أن هناك فضيحة عالمية معروفة في مصنع صيني صدّر منتجات إلى الولايات المتحدة الأمريكية احتوت على مواد مسرطنة، فحتى اميركا لم تسلم من المنتجات الصينية، متسائلاً عن وضع الالعاب الموجودة في أسواقنا بخاصة واننا لا نمتلك اي اداة للفحص.

وفي الوقت الذي ربطت فيه وزارة الصحة مخالفة منتجات الالعاب للمواصفات والمقاييس الفلسطينية، باحتمالية احتوائها على مواد مسرطنة، يؤكد رئيس قسم هدى المصري لعلاج اورام السرطان في مستشفى بيت جالا، د. محمد نجاجرة ان المواد الكيمياوية اجمالا هي مواد مسرطنة، سواء دخلت في صناعة الالعاب ام غيره، ولكن حتى الان لا يوجد اي دراسات تثبت وجود علاقة مباشرة بين الالعاب وسرطان الاطفال.

وأشار نجاجرة أنه من الحالات التي تستحق الدراسة في مجتمعنا، انتشار سرطان الخلايا الليمفاوية "الهودجكين"، في فلسطين ما بين عمر ثلاث وعشر سنوات، فيما يصيب هذا المرض البالغين من عمر خمس عشرة سنة فأكثر، في بقية دول العالم.

وفي ظل غياب الرقابة عن هذا القطاع نتيجة عدم توفر المختبرات اللازمة، فإن وزارة الصحة استغلت تحقيقنا هذا لتقديم مجموعة من الإرشادات للمواطنين، كي يتوخوا الحذر ويقوا اطفالهم من خطر الاصابة بأية امراض نتيجة استخدام العاب غير مفحوصة.

ارشادات عبر "وطن"

ومن أهم هذه الارشادات ضرورة ان تجرب الأم اللعبة قبل اعطائها لأطفالها، وان تلمسها وتتأكد من انها لا تحتوي على صبغات قد تترك أثرا على جلدهم، وألّا تصدر اللعبة رائحة كريهة، حيث يعني ذلك انها مصنوعة من مواد مكررة "معاد تصنيعها"، وايضا محاولة الابتعاد قدرالامكان عن الالعاب باخسة الثمن.

يشار إلى أن طاقم "وطن" زار احد المحلات التجارية المخصصة لبيع ألعاب للاطفال بعد نحو شهرعلى جولة وزارة الاقتصاد، ووجدت الالعاب المخالفة ذاتها على رفوفه، ما يعني ان الرقابة على هذا القطاع أثبتت فشلها.

تصميم وتطوير