غياب الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية على أجندة مركز معا

31.01.2012 12:10 PM
رام الله – وطن للانباء - للعام الثالث ناقش مركز العمل التنموي/ معا على شكل "أجندة العام الجديد" معلومات وحقائقَ متخصصة بموضوع الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية كونه من المواضيع الحيوية المرتبطة بشكل مباشر بمدى تطور وسيادة السلطة الفلسطينية وتأثير مسألة استدامة الغذاء ووفرته على الجوانب التنموية الأخرى، كما احتوت الأجندة المعدّة باللغة الانجليزية مستهدفةً المجتمع الدولي حقائق فلسطينية أخرى ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية تؤثر في احد جوانبها على الأمن الغذائي ولكن ستنعكس بشكل كبير إن لم تلق الدعم الدولي الكافي على حلم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة على مواردها ومصادرها الطبيعية.
تناقش الأجندة المليئة بالصور التوضيحية والمقالات الموزعة على أشهر السنة والمتوفرة على موقع المركز الالكتروني، العراقيل أمام الطريق تجاه السيادة الفلسطينية على الغذاء، حيث تم استعراض جوانب مختلفة ستضيء على سياسات الاحتلال المتوغلة في قتل الحلم الفلسطيني ومصادرة حقه في إملاء إستراتيجية واضحة في موضوع الغذاء وتحقيق السيادة عليه.
وقد استهلت الأجندة صفحاتها الأولى في تحديد مفهوم الأمن الغذائي وفق ما اتفق عليه في قمة الغذاء العالمي عام 1996 والتي جاء فيها: "يملك الأشخاص في كل الأوقات حق الوصول الآمن من الناحية الفيزيائية والاقتصادية للغذاء الفعال الذي يتناسب مع حاجاتهم الغذائية لحياة منتجة وصحية، ويتألف مفهوم الأمن الغذائي من عدة عناصر متميزة هي: توفر الغذاء، سهولة الوصول للغذاء، الاستقرار الغذائي وأخيراً استخدام الغذاء الأمثل. وبالنسبة للوضع الفلسطيني فالصورة قاتمة حيث يعيش 25% من السكان تحت خط الفقر، (غزة 38% وفي الضفة الغربية 18,3%)، ويرجع الفقر لانعدام مسألة الأمن الغذائي ولكنه ليس السبب الوحيد حيث تلعب عدم القدرة على التصرف الكامل في المصادر المحلية وعدم الاعتماد الغذائي على الذات دورا كبيرا في انعدام الأمن الغذائي. وبناء على تقارير صادرة عن منظمات دولية فإن 33% من الفلسطينيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي وذلك في عام 2010.
أما في غزة ونتيجة للقيود المفروضة على الاستيراد والتصدير إضافة إلى الهجوم العسكري المتواصل، فقد وصلت البطالة إلى 40% في عام 2010 ، ونتيجة الإحباط الناجم عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ما أثر تباعاً على الأمن الغذائي فوصلت نسبة تزعزعه إلى 52% في عام 2010، بينما وصل عدد القادرين على استهلاك مستوى معقول من الغذاء الصحي في القطاع 19%.
ومن خلال إضاءات سريعة على فحوى مضامين الأجندة، فقد جاء موضوع شهر كانون الثاني عن إستراتيجية السلطة الوطنية الفلسطينية حول الأمن الغذائي، حيث ركزت على أن المثل العليا للسيادة على الغذاء تتمثل في العلاقة بين الإنسان وأرضه، ومن غير إعادة تأهيل العلاقة بين الفلسطينيين وأرضهم والتي يحاول الاحتلال إضعافها عبر عمليات المصادرة والتدمير واقتلاع الشجر ومنع المشاريع الزراعية في مناطق جـ، فالحديث عن السيادة الفلسطينية يعد أمرا مستحيلاً، وقد حددت السلطة في إستراتيجيتها تلك العلاقة كأولوية في أي خطة تنموية للتطوير.
بينما تحدث شهر شباط عن المنطقة العازلة والتي فرضت قسراً وبإجراء أحادي الجانب على قطاع غزة لذرائع أمنية إسرائيلية، حيث اعتبرت مناطق عسكرية مغلقة( بالغة الخطورة) امتدت على الحدود الشمالية والشرقية لتتراوح من 300-أكثر من 1200 متر، لتسلخ ما مساحته 17% من القطاع والتي تصل إلى ما مساحته 27 ألف دونم تشكل حوالي (30-40%) من مساحة الأراضي الزراعية الأكثر خصوبة في القطاع، ما منع السكان من استغلالها زراعياً، كما تم منع التنقل أو الحركة فيها وعرض حياة المقترب منها للقتل، كما ساهمت تلك المنطقة المصادرة في زيادة انعدام الأمن الغذائي في القطاع.
ولخّص شهر آذار جزءاً يسيراً من سلسلة كاملة أصدرها "معا" حول الأغوار، حيث عرّف تلك المنطقة بأنها مركز الإنتاج الزراعي والخير الوفير، ولكن إجراءات الاحتلال الاستعمارية والتطهير العرقي والقيود والعراقيل اللامتناهية فيها، تكبح مساعي السلطة الفلسطينية لتحقيق السيادة على الغذاء، حيث لو نال الفلسطينيون حريتهم الكاملة في التصرف بالأغوار فسيصلون لاحتياجاتهم الغذائية وسيعودون لتصدير المنتوج الزراعي كما كانوا بالماضي، فالطريق إلى السيادة الفلسطينية لا يمكن تحقيقه دون الأغوار.
أما شهر نيسان فقد ناقش أزمة المياه، حيث فرضت إسرائيل عام 1967 أوامر للجيش ألغت بموجبها اتفاقية المياه السارية قبل ذلك التاريخ، مخضعةً المياه الجوفية الفلسطينية لرحمة الإدارة الإسرائيلية. واليوم تعتمد إسرائيل في ثلث مياهها على نهر الأردن وروافده بينما لا يتلقى الفلسطينيون أي لتر من هذا المصدر الغني. وفي قطاع غزة يتمثل المصدر الوحيد للمياه بطبقة المياه الجوفية الساحلية والتي لا تعد صالحة للاستعمال بسبب ارتفاع نسبة الملوحة والاختلال الشديد في النسب الكيماوية الناجمة عن التلوث. ففي عام 2011 مثلاً 40% من سكان القطاع تصلهم المياه ما بين 6-8 ساعات كل ثلاثة أيام، و10% فقط من السكان لديه القدرة على الوصول إلى المياه بشكل يومي.
وفي منطقة الزرقاء المجاورة لمدينة غزة، يعاني 50% من السكان من الأمراض التي تنتقل عبر المياه وخاصة ما تسببه من داء الإسهال، كما أن 40% من الأسر لديها طفل أو أكثر يعاني من مرض جلدي، و50% منهم لديهم طفل يعاني من داء الإسهال، و45% عندهم طفل يعاني من العدوى الطفيلية.
ومن غير وصول كاف للمياه النظيفة فعلى الفلسطينيين مواصلة الصراع، فالمياه قليلة الكمية والنوعية في الضفة الغربية وغزة، تؤثران سلبا على قدرة الفلسطينيين في التطور والنمو، كما أن قلة جودة المياه دفعت الكثير من المزارعين لاستعمال مياه ملوثة ما سبب مشاكل بيئية وصحية وقلل الإنتاج المحلي للمزروعات. وفي معلومة عامة فإن عدم القدرة على الاستخدام الأمثل للمصادر الفلسطينية الطبيعية من مياه وأرض كلّف الاقتصاد الفلسطيني 4.5 مليار دولار في عام 2010 وفق إحصائية معهد الأبحاث التطبيقية (أريج).
أما شهر أيار فقد ناقش القيود المفروضة إسرائيلياً على التنقل والحركة، ففي الضفة الغربية لوحدها هناك 522 حاجزاً عسكرياً ونقطة تفتيش، كما يفرض بشكل متواصل ومفاجئ كل شهر ما يقارب 495 حاجزا طيار. إن هذه الاغلاقات أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني، كما رفعت من نسبة البطالة والفقر نتيجة صعوبات الوصول إلى العمل وتحديدا في قطاع غزة والقدس، وأثرت الحواجز سلباً على تنقل البضائع من منطقة إلى أخرى ما أضحى أكثر كلفة وأقل فاعلية وأماناً، الأمر الذي جزّأ الاقتصاد الوطني إلى مساهمات صغيرة ومبادرات محدودة.
وجاء في شهر حزيران موضوع التحكم بحدود الدولة الفلسطينية وأثر ذلك على التجارة قبل الاحتلال وبعده، حيث الفرق يبدو رهيباً بعد السيطرة الإسرائيلية الكاملة على التجارة الفلسطينية وإخضاعها لرحمته، وهذا ما دلّل عليه البنك الدولي، حين وصف الاقتصاد الفلسطيني بالتابع للإسرائيليين.
ومن أكثر الأشكال حداثة للهيمنة الإسرائيلية على التجارة الفلسطينية هو ما اتفق عليه في الاتفاق المرحلي (أوسلو) وما يعرف بـ "اتفاق باريس الاقتصادي" والذي سمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بأن تكون هناك سيادة محدودة من خلال إعادة ضرائب وجبايات الاستيراد للسلطة الفلسطينية على السلع المنتجة في مناطق الحكم الذاتي حتى لو تم استيرادها عن طريق وكلاء إسرائيليين، ولكن بالرغم من ذلك فقد تم انتهاكه كثيرا من الجانب الإسرائيلي عبر احتفاظ الأخير بحق الفيتو على مقترحات الصادرات والواردات. كما أن السيطرة الإسرائيلية على الصادرات والواردات زادت من تكلفة الصفقات المرحبة بما نسبته 40%.
أما شهر تموز فكان عن غزة وتحديداً "الحدود البحرية الخانقة"، حيث تطرق المقال لما أتفق عليه في أوسلو عبر تحديد مجال المياه التي يمنع للفلسطينيين وخاصة الصياديين تعديها وهي 20 ميلاً من بداية الشاطئ. ولكن البحرية الإسرائيلية لم تلتزم بهذا الاتفاق حيث أخذت تقلص من تلك المسافة لتصل خلال التسعينيات إلى 12 ميل بحري وليصل عام 2011 إلى أقل من ثلاثة أميال فقط، ما اثر على الإنتاج السمكي وقلص ما نسبته 85% من رقعة التنوع السمكي المتفق عليها في أوسلو، ما أثّر على زيادة انعدام الأمن الغذائي في غزة إلى ما نسبته 52% في عام 2010.
وتطرق شهر آب للمساعدات الدولية، فبالرغم من الإيجابيات عموماً التي لوحظت خلال العقود الأخيرة نتيجة المساعدات، إلا أنها تصنّف بأنها مساعدات ذات قيود وحدود كثيرة تأتي في معظمها على شكل منح محدودة وقصيرة الأمد لا تغطي عاماً كاملاً، ما يعيق المجتمع الفلسطيني من ضمان مساعدة كافية ومستمرة، ولكن في الوقت نفسه تنبه الأجندة من أن الاعتماد الكبير على المساعدات أدى إلى مزيد من التبعية. وتكون معظم المساعدات اغاثية طارئة أكثر منها تطويرية تنموية، حيث يجب أن تركز في إستراتيجيتها على تعزيز وتقوية الاعتماد على الذات للشعوب النامية وخاصة في المجال الزراعي لما من شأنه أن يحد من انعدام الأمن الغذائي. ونوه الأجندة إلى أن الدور الحقيقي ليس فقط في مساعدات مؤقتة أو دائمة، بل يكمن دور المجتمع الدولي في الضغط السياسي على الاحتلال باتجاه تحقيق السيادة الفلسطينية على الغذاء.
وناقش شهر أيلول تدهور الوضع البيئي في الأراضي الفلسطينية، حيث أن البيئة المستدامة تعد عنصراً هاماً للسيادة على الغذاء، فمن غير الاهتمام بالبيئة والمصادر الطبيعية سينجم عن ذلك عدم القدرة على الاستقلال في الإنتاج الغذائي الصحي أو القدرة على توفير طعام مغذٍ ما يخفف من استيراد الغذاء من إسرائيل أو الخارج. كما لفت المقال إلى أن الفلسطينيين يتصرفون بشكل ضئيل في موضوع إدارة النفايات كما لا يتحكمون في مرافق صحية للتخلص من النفايات، ما يدفعهم إلى التخلص من نفايتهم الصلبة والسائلة عبر طرق غير صحية بتاتا على البيئة. كما أظهرت العديد من التقارير بأن إسرائيل قامت بطرق غير معلنة بدفن الكثير من النفايات الخطرة والسامة في الأراضي الفلسطينية، كما دفن الجيش الإسرائيلي مواد خطرة مثل الزنك والنيكل في الضفة الغربية، وهناك مخاوف أيضا بدفن مواد نووية خطرة.
وقد تطرق شهر تشرين أول إلى آليات التعامل مع مسألة انعدام الأمن الغذائي ما سبب تغييراً في آليات تعامل المواطنين في الوصول إلى غذاء صحي وآمن ومغذٍ، ما أجبرهم على اتخاذ خيارات صعبة للبقاء على قيد الحياة. فعلى سبيل المثال تفضل معظم الأسر تأمين الحليب المغذي لطفلهم بدلاً من المواد التعليمية، ما يعني التأثير على "آليات التعامل" انسجاماً مع قلة الغذاء والدخل أو الاثنين معاً. وتعد الأنيميا احد نتائج تحديد آليات التعامل، وهي نتيجة مباشرة لنقص عنصر الحديد وفيتامين ب 12 في الدم، وفي الأراضي الفلسطينية يعاني 61% من الأطفال و 29% من النساء الحوامل من الأنيميا.
وقد جاء في شهر تشرين الثاني موضوع مصادرة الأراضي، حيث أضحت المستوطنات شكلاً ثابتاً من طبوغرافية الضفة الغربية ترسم حدود الدولة الفلسطينية المجزأة وفق الرؤية الإسرائيلية، حيث يوجد حاليا 121 مستوطنة و100 بؤرة استيطانية في الأراضي الفلسطينية، يتوسعون بشكل متسارع وقد تضاعف عدد سكانهم على سبيل المثال خلال 18 عاما الماضية ليصل إلى 522 ألف نسمة.
وفي الشهر الأخير( كانون أول) تم وضع حلول لمشكلة الأمن الغذائي عبر "الطريق إلى السيادة على الغذاء" تم الإشارة فيه إلى أن 52% من انعدام الأمن الغذائي في غزة و 79% في مناطق جـ، لا يعكس فقط أرقاما بل صراعا في الأسر من اجل إطعام أطفالهم، وبالتالي فإن المساعدات الإنسانية الطارئة التي ترسل سنويا إلى الفلسطينيين تعد في الوقت الآني ضرورية جداً، ومن دونها 80% من الأسر في غزة على سبيل المثال لن يتمكنوا من النجاة. ولكن يجب التوجه إلى دعم المشاريع التنموية الحقيقية التي تعزز الاعتماد على الذات وتقلل من التبعية الاقتصادية للاقتصاد الإسرائيلي وبالتالي تقصير عمره.
ودعت الأجندة في المقال الأخير منظمات المجتمع الدولي إلى ضرورة التركيز على الداء قبل الدواء، فإعداد التقارير المتواصلة حول انعدام الأمن الغذائي وارتفاع نسب الفقر والبطالة أمر مهم من شأنه ان يضيء الجوانب الصعبة في الواقع الفلسطيني، لكنه يصنع القليل أمام استمرار إسرائيل فرض آلياتها لخلق سياسة الأمر الواقع، ما يتطلب الضغط على إسرائيل للسماح بالتحكم الفلسطيني على الأرض والمصادر الطبيعية، فيجب إزالة العوائق والحواجز لضمان حرية كاملة في التنقل، منع القتل المتواصل والترهيب العسكري في المنطقة العازلة حول غزة، كما أن تحديد المجال البحري الذي فرضه الاحتلال للقطاع يجب ان ينتهي، ويجب أن تخضع المصادر المائية للاتفاقيات الدولية بين الدول المجاورة، وبالتالي منح الجانب الفلسطيني حقه الكامل في مياهه، كما يطلب في هذا الوقت وضع إستراتيجية سريعة في إدارة التخلص من النفايات في الأراضي الفلسطينية. إجراءات عملية من شأنها أن تحد من انعدام الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية وتساهم في تحقيق تنمية مستدامة.
تصميم وتطوير