حركة الأجيال في فلسطين

07.11.2015 03:52 PM

وطن - كتب: الياس سحاب: لا شك بوجود كثير من أوجه الشبه بين قيام دولة الفرنجة في فلسطين اثر موجة الحروب «الصليبية»، وبين وجود دولة اسرائيل في فلسطين في القرنين العشرين والحادي والعشرين. وإن كنت ممن لا يؤمنون، مع وجود أوجه الشبه هذه، بأن التاريخ يعيد نفسه بالاشكال القديمة للتجربة ذاتها.

قادني الى هذه الملاحظة ما يبدو في فلسطين المحتلة هذه الايام من بوادر ولادة جيل فلسطيني جديد، مرشح لأن يفتح آفاقاً جديدة في الصراع المرير والطويل مع الكيان المحتل.
وبديهي ان يذكرنا ظهور وتفتح هذا الجيل الجديد في الصراع، بالحركة السابقة للأجيال التي سبقته منذ ولادة دولة اسرائيل وحتى يومنا هذا.

الجيل الأول الذي تلقى الصدمة المباشرة لنكبة 1948، ما لبث أن وضع كل رهانه على مرحلة المد القومي العربي التي قادها جمال عبد الناصر، والتي لم يكن ظهورها اصلاً سوى نوع من الرد على صدمة «النكبة».
لكن هذا الرهان اثبت في ما بعد انه يحمّل المرحلة اكثر مما تحتمل. لذلك كان بديهيا أن تؤدي هزيمة 1967، كما أدت سابقتها، الى ظهور جيل جديد تجسّد في حركة المقاومة الفلسطينية التي أرادت أن تلعب دورها في مواجهة الكيان المحتل من الاردن تارة ومن لبنان تارة أخرى، قبل أن تتلقى في البلدين المذكورين ضربتين متتاليتين أجهزتا على وجودها فيهما.

لكن نهاية هذا الجيل الثاني لم تكتب تاريخيا إلا بالوقوع في فخ اتفاقيات «أوسلو»، الذي اثبت انه خيار تاريخي خاطئ لقيادة المقاومة الفلسطينية، خصوصاً أنها شكلت النموذج الفلسطيني لاتفاقيات كامب دايفيد التي أعلن فيها انور السادات بداية الانسحاب العربي من الالتزامات التاريخية للصراع مع الكيان الصهيوني.

إن اهم ما فعلته الايام الاولى من «الهبة» التي لم نجرؤ بعد على تسميتها بـ «الانتفاضة»، انها خرجت علينا، برغم استمرار الاحتلال الاسرائيلي وشموله، بخريطة فلسطين التاريخية كاملة مكتملة، وفتحت عهداً جديداً من الصراع وأعلنت ولادة الجيل الثالث من اجياله، ما شكل تحدياً وجودياً حقيقياً لدولة الكيان المحتل، من داخل كل أجزائه التي أتقن صناعتها عبر حروب عدة، وإثر غياب كامل للمجتمع الدولي، وغياب آخر للشعوب العربية المحيطة بفلسطين.
هناك من ذهب في تفاؤله الى حد تسمية «الهبة» الفلسطينية الاخيرة بـ «انتفاضة الاستقلال»، لكن اصواتاً إسرائيلية تصاعدت من الجهة المقابلة لتعلن للفلسطينيين نهاية فكرة قيام الدولتين.
معنى هذا التواجه بين الطرحين أن الصراع التاريخي قد دخل طوراً جديداً، يرجى معه أن يكون الفلسطينيون قد استخلصوا عبر المراحل السابقة، وأعادوا القضية إلى شكلها الأكثر عمقاً وجذرية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير