على ظهر ناقة !

07.11.2015 08:11 PM

وطن - كتب: نبيه البرجي: كان المستشرق الفرنسي جاك بيرك يستهجن كيف ان بعض المفكرين او الباحثين الاستراتيجيين في الغرب لا يرون العربي الا على ظهر ناقة. يضاجع خليلته على ظهر ناقة، ويصعد الى القمر على ظهر ناقة، وينظم القصيدة على ظهر ناقة، ويذهب الى الحرب على ظهر ناقة، ويقطع الدنيا الى الاخرة على ظهر ناقة...

وحين اغارت الطائرات الانكليزية على قبائل جنوب العراق التي كانت تشاهد الطائرات للمرة الاولى قالت عاتبة على الله» متعجب خالق له بعيرة»، اي...عجبا خالق وله ناقة!

ميلتون فريدمان صاحب نظرية «النقدوية» التي طبقها رونالد ريغان ومارغريت تاتشر، وهو الحائز نوبل في الاقتصاد، كان يرى في العرب «عالة تاريخية»، موضحا ان موقفه هذا ليس ناجما عن كونه يهوديا وانما لان» هؤلاء يستهلكون الدهر مثلما يستهلكون الهوت دوغ».

قال ان موقفه مبدئي اذ ان العرب لم يقاربوا يوما ضوضاء السوق ولا عبقرية السوق. استغرب كيف ان العدوى التكنولوجية لم تصل اليهم من اسرائيل، قبل ان يكتشف انهم ربما آثروا الصراع الابدي معها كي «لا ينكسر ذلك الايقاع الرتيب للصحارى في العقل العربي».

ناعوم تشومسكي كان اكثر رأفة بنا. قال ان ما احدثته الحملات الصليبية ترك آثارا مريعة في اللاوعي العربي. كان الظن بأن حماية الذات تكون برفض كل ما هو آت من الغرب. التكنولوجيا قاتلة لانها تقتل الاسلام. كيف؟ عودوا الى الحملة التي شنها عدد من المشايخ على محمد عبده ورفاعة الطهطاوي اللذين دعيا الى تحديث الوعي( واللاوعي)، والى حد تثويره، لدى العرب...

الآن، واسعار النفط تتدحرج هبوطا، اكتشف العرب، حتما بعد فوات الاوان، انهم لم يبنوا دولا، وان النظام السياسي القائم على اسس قبلية لا مجال لكي ينتج سوى نظام اقتصادي يقوم على اسس قبلية. هي عودة الى...الناقة المقدسة.

الناقة المقدسة. هذه مغالاة في الوصف. الهندوس يقدسون البقرة، ومع ذلك استوردت المانيا، اجل المانيا، 200 الف اختصاصي هندي في المعلوماتية. حدث هذا منذ نحو عشر سنوات. الان، يصدّر العرب الى بلاد غوته وفاغنر 200 الف لاجىء جلهم لا يتقنون اي مهنة.

وكان الانكليزي ديزموند ستيوارت يستغرب كيف ان ما يصح على المجتمعات، والانظمة الاخرى، لا يصح على العرب. يرى ان الليبرالية الاقتصادية تستتبع او تستدعي، اوتوماتيكيا، الليبرالية السياسية. هذا منطق الاشياء، كما في قول فرنسوا ميتران، وهذه قوة الاشياء كما هو عنوان فيلم ميشال بيكولي...

العرب كسروا، بل حطموا، هذه القاعدة. ليبرالية اقتصادية تصل الى حدود الفوضى، غالبا الفوضى العبثية، وانغلاق سياسي بفلسفة للبلاط لا تزال عند تخوم القرون الوسطى. عدوى الاستهلاك فقط، وكان ليفي اشكول، رئيس الحكومة الاسرائيلية إبان حرب حزيران 1967 يصف الاستهلاك بـ «جنة الحمقى». عدوى الانتاج بقيت وراء الاسلاك الشائكة.

مثلما يستعملون في لبنان مصطلح «البقرة الحلوب» في وصفهم للدولة( اذا كنتم تذكرون الرئيس الياس الهراوي)، استخدم مفكر خليجي صديق مصطلح «الناقة الحلوب».

كل خيرات وكل ثروات العرب ذهبت الى اهل الغرب. قال ان الاموال التي تدفع بدل الحماية التي تقدمها الاساطيل تجعلك تشعر ان هذه الاساطيل لكأنها حيوانات خرافية ولا تأكل الشعير بل الذهب...

وعلينا ان نتصور ما حال الاقتصاد الفرنسي، على سبيل المثال، لولا تلك الصفقات الهائلة ان لشراء القاذفات او لشراء الالبسة الداخلية لماري انطوانيت التي قد تعثر عليها في متحف اللوفر. وعلينا ان نتصور ما حال مصانع اميركية كبرى لولا الحروب التي يقتل فيها العرب العرب، ولولا مشتريات الاسلحة التي تفوق الخيال والتي تذهب الى المستودعات لتموت هناك. من فضلكم عودوا الى احصاءات معهد استوكهولم للدراسات الاستراتيجية. تناولوا اولا الاقراص المهدئة...
لو قلبنا الصورة قليلا. ماذا كان حصل لو ان البلدان العربية المنتجة للنفط كرست نصف عائداتها للتصنيع، بما في ذلك تصنيع الادمغة. لا نأخذ اسرائيل وحدها مثالا لانها على تواصل عضوي، واستراتيجي، وتاريخي مع الغرب. نأخذ ايران، من زاوية واقعية لا من زاوية سياسية. المنظومة النووية، وفي مدة قياسية، اثبتت الى اي مدى يمكن ان تصل الامم حين تقرر بناء دول قادرة ولاعبة على مسرح العصر..

لم يكن لاحد ان يتجرأ على تصويرنا على ظهر ناقة، ولم يكن لاحد ان يتجرأ على اختراق مجتمعاتنا، بالاثارة الايديولوجية او بالاستقطاب السياسي. الان، وبعدما مضت اسعار النفط بعيدا في الهبوط، وبعدما عرّتنا الصراعات العبثية، بدأنا نعيد النظر في حساباتنا. من زمان، وزمان، فات الاوان...

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير