شرعنة الوجود الكولونيالي الاستيطاني وتكريس "التعايش" بين الاحتلال وضحاياه"

02.08.2011 10:58 AM

مركز وطن للاعلام/ خاص بمجلة افاق البيئة والتنمية الصادر عن مركز العمل التنموي / معا

لا توجد في مدينة الخليل، كما في معظم أنحاء الضفة الغربية، محطة لمعالجة المياه العادمة التي يتم التخلص منها في المناطق المجاورة للتجمعات السكانية، وتحديدا في الأراضي المفتوحة والوديان وغيرها، دون معالجة، ومن ثم يعالج جزء منها ويستغل من قبل إسرائيل.  إلا أن جهات دولية وإسرائيلية تحركت مؤخرا، مستقطبة بعض فلسطينيي الخليل، "لحل" مشكلة المياه العادمة في الخليل وفي مستعمرات "كريات أربع" وما يسمى "الحي اليهودي" في الخليل؛ إذ تتدفق تلك المياه إلى داخل الأرض المحتلة عام 1948 متسببة في تلوث الوديان والمياه الجوفية.  وأثناء اجتماع عقدته منظمة أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط الإسرائيلية في القدس، أواخر أيار الماضي، بمشاركة فلسطينيين من الخليل ويطا ومستوطنين يهود من مستعمرات "ميتار" و"عومِر" و"تَل شيبَع"، أعلنت مريم شيرمان مبعوثة البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة بأنه بعد نحو عام واحد سيتم البدء في تشييد محطة تنقية للمياه العادمة في الخليل، والتي تعد أحد أخطر بؤر التلوث في فلسطين من ناحية الروائح الكريهة وتكاثر الحشرات الضارة وتلويث مياه الشرب، بسبب مرور المياه العادمة غير المعالجة بمحاذاة المساكن.  وسيموّل البنك جزءا من تكلفة المشروع. 

وقالت شيرمان، في ذات الاجتماع، بأن البنك الدولي سيدعم إقامة محطة المعالجة لمدينة الخليل والتي تبلغ تكلفتها 45 مليون دولار.  وسيستثمر البنك في المشروع عشرة ملايين دولار، وفي ذات الوقت، سيجند مستثمرين آخرين، بمن في ذلك وكالة التنمية الفرنسية.  وأكدت ما يسمى "الإدارة المدنية" بأن إجراءات التخطيط لإقامة محطة تنقية لمدينة الخليل قد بدأت عمليا. 

من جهتها، أشارت منظمة أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط الإسرائيلية التي تضم بعض الفلسطينيين والأردنيين في صفوفها، بأن محطة التنقية المزمع إنشائها يجب أن تشكل أساسا "لتعاون المواطنين من طرفي الخط الأخضر".

وتتضمن المياه العادمة من الخليل مياه عادمة تتدفق من المحاجر المنتشرة بكثرة في المنطقة.  وقد ازداد الوضع سوءا في الفترة الأخيرة، إثر إنجاز بلدية الخليل لمشروع ربط العديد من المنازل بشبكة جمع المياه العادمة.  إذ، وبسبب غياب محطة لمعالجة المياه العادمة، ازدادت كثيرا كمية المياه العادمة المتدفقة من المدينة نحو الوديان والأراضي المفتوحة.  وكان يفترض أن يتم جمع هذه المياه في محطة معالجة إسرائيلية بمحاذاة بئر السبع، إلا أنه وبسبب التركيز المرتفع للمياه العادمة الناتجة من صناعة الحجر، لم يكن ممكناً معالجة هذه المشكلة البيئية، وبالتالي، يتواصل تدفق المياه العادمة نحو النقب الغربي.       

ومن ناحية أخرى، بدأت قرب نابلس، وبموافقة الإدارة المدنية، أعمال إنشاء محطة لتنقية المياه العادمة التي تتدفق دون معالجة في الوديان والأراضي المفتوحة نحو الأرض المحتلة عام 1948.  إلا أن المياه العادمة ستواصل تدفقها في الفضاء المفتوح من بعض مدن وبلدات المنطقة مثل عنبتا وطولكرم، حتى بعد إنشاء محطة المعالجة في نابلس.

استدراج  فلسطينيين نحو "العمل البيئي المشترك"

من الواضح أن الاحتلال المتمثل بما يسمى "الإدارة المدنية" ومنظمة أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط الإسرائيلية يستغل مشاريع إنشاء محطات معالجة المياه العادمة كأداة للتطبيع السياسي بين الفلسطينيين والمحتلين ولشرعنة الوجود الكولونيالي الاستيطاني، وبالتالي تكريس "التعايش" بين المحتل والرازح تحت الاحتلال، وتثبيت الاستيطان ونهب الأراضي والموارد الفلسطينية، تحت عباءة "حل المشاكل البيئية ومنع التلوث".  وقد تجسد مخطط تثبيت التعايش بين المحتلين وضحايا الاحتلال وبالتالي شرعنة الأخير، في محاولة غلاة المستعمرين المتطرفين استدراج  رموز فلسطينية لما يسمى "العمل البيئي المشترك"، بذريعة أن المشاكل البيئية "لا تعرف الحدود السياسية".  وفي هذا السياق، توجه "ملاخي لفنجر" رئيس بلدية مستعمرة "كريات أربع" وابن المستوطن المتطرف "موشي لفنغر" مؤسس الإستيطان اليهودي في الخليل ومؤسس المنظمة الصهيونية "غوش إيمونيم" الناشطة لاجتثاث الفلسطينيين من وطنهم - توجه مؤخرا إلى محافظ الخليل مطالبا إياه بالعمل على "المعالجة المشتركة للمياه العادمة الناتجة من كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي" (معاريف 26/5/2011).  وكما يبدو، استجاب البنك الدولي لمطالبة "لفنغر"، من خلال "الإدارة المدنية"، لإنشاء مشروع مشترك لتنقية المياه العادمة، بتكلفة بضعة ملايين من الدولارات.  ودعا "لفنغر" رئيس بلدية الخليل" إلى تحمل المسؤولية المشتركة لحماية البيئة وإقامة مثل هذا المشروع المشترك".  بل وأبدى استعداداً لدفع معظم تكاليف المشروع (المصدر السابق).

وفي سياق ذات التحرك الإسرائيلي لشرعنة الوجود الكولونيالي الاستيطاني وتثبيثه، تحت أغلفة بيئية منوعة، قال "غدعون برومبرغ" مدير عام منظمة أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط الإسرائيلية:  "تعد محطة معالجة المياه العادمة المزمع إنشاؤها في الخليل خطوة أولى هامة في عملية تأهيل وديان الخليل الملوثة"، وأضاف: "يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين التوافق على حلول معقولة وفعالة، والتعاون معا بشكل كامل، وبخاصة أن محاولات إسرائيل لحل هذه المشكلة وحدها منيت بالفشل...الإدارة والمتابعة المشتركتان للمياه العادمة الناتجة من كلا الطرفين كفيلتان وحدهما بحل طويل الأمد للمشاكل البيئية في منطقة الخليل" (المصدر السابق).

تصميم وتطوير