الاسير بلال ذياب يلتقي شقيقه عزام وفي اللقاء عصفور وذكريات

18.06.2012 12:13 PM
وطن للانباء - احمد ملحم / التقطه عزام من على جانب سياج السجن، خبأه بداخله، اخذ يرعاه ويطعمه ويسقيه كطفل صغير، كي يضمن له املاً في الحرية، ويمنحه متسعاً من العمر دون قيد.

عصفور لم يستطيع بعد مغازلة الشمس، وتعلم الغناء. كان هدية السماء في اليوم الاول من لـ لقاء الاسير عزام نبيل ذياب من بلدة كفرراعي بشقيقيه بسام وبلال في سجن شطه بعد 6 سنوات من اعتقاله.

عصفور بين 3 اشقاء، كان عنوان سجن شطه في مثل هذه الايام من العام 2006 حين التقى الاشقاء ببعضهم ، وعثروا على الطائر الصغير، الذي كان كما لو انه نافذة لطرق باب الشمس ومعانقة الريح واشجار الكرز والزيتون.

واليوم تعود القصة من جديد بعد 6 سنوات في سجن شطه ، عقب التقاء الاسير بلال ذياب، الذي خاض اضراباً عن الطعام لـ78 يوماً، مع شقيقه عزام الذي اضرب عن الطعام لاكثر من 40 يوماً تضامنا مع الاسرى الاداريين المضربين ، بينما يتابع شقيقهم الاسير المحرر بسام لقاء اشقاءه ويستعيد ذكرياته معهم.

ذكريات اللقاء

في شهر 5 من العام 2005 قمعت قوات "النحشون" في سجن مجدو الاسير بلال الى سجن شطه، وتبعه بعد 7 اشهر شقيقه بسام الذي تعرض للقمع ايضاً وتم نقله الى ذات المعتقل، في حين تم قمع عزام من سجن عسقلان المركزي الى شطة، حيث عاش الاشقاء الثلاثة في السجن فترة طويلة في اقسام وغرف مختلفة، دون ان يتمكنوا من اللقاء ببعضهم، الى ان قامت ادارة سجون الاحتلال بأغلاق قسم 7 في السجن، وتجميع الاسرى في قسم 6 الوحيد، وبعد ذلك تم اللقاء، وكان يوم الاحد 18 /6/2006.

يستذكر بسام تلك اللحظات " لا استطيع ان اوصف تلك اللحظات، وما كنا نشعر به، كيف ركضنا نحو بعضنا، وتعانقنا بكاءا، فقد مرت 5 سنوات من اسر عزام ولم يستطيع احد زيارته ، تعانقنا طويلاً، وبكينا كثيرا فرحاً باللقاء، كأننا لا نريد للوقت ان يمضي ".

في اول يوم لنا في الغرفة استقبلنا عزام بعشاء ممتاز "عدس مجروش مع بيض مقلي بزيت الصويا"، كانت بطعم البيت، والذكريات. ويضيف بسام " في الحقيقة لم نكن نترك بعضنا ابداً، كنا نمضي وقتنا سواء في الغرفة او في الساحة "الفورة" في الحديث حول ظروف اعتقالنا، واخبار الاهل والاصدقاء، وفي الليل نفترش الارض، وننام بجانب بعضنا رغم ان ذلك يخالف اجراءات وقوانين السجن ، لنبدأ بأستعادة الذكريات التي لا تنتهي مع اذان الفجر ، وفي "الفورة" تبدأ منافسة شديدة الوطيس بين بلال وعزام اثناء لعبة كرة الطائرة، لا تنتهي الا بفوز احدهم على الاخر."

ومن القصص التي يتذكرها بسام، هي قصة القطة التي كانت تأتي كل يوم في الثامنة والنصف صباحا عند شباك الغرفة الضيق والمغطى بشبك حديدي يرتفع عن الارض نحو 80 سم، وكيف كان الاسرى يتناوبون على تفتيت الخبز والطعام لها، من اجل التمكن من اخراجه من فتحات "الشبك" الضيقة.

الى ذلك الوقت.. كان الموقف الاكثر تأثيراً عليهم ، هو زيارة الوالدة الاولى لهم بعد منع من الزيارة لنحو العام.
" 45 دقيقة لثلاثة اشقاء، تقاسمناها حديثاً عبر الهاتف من خلف زجاج مقوى، لم يستطيع حجب حديث النظرات والاشواق والقبل والادعية، واخفاء الحنين، بل انه كان متواطاً معنا، واوصل للوالدة قبلاتنا لايديها وجبينها، يقول بسام. وهو يتذكر تلك الزيارة والتي من خلالها ايضاً تم معرفة تطورات اعتقال شقيقهم الرابع (عصام في 17/2/2006) ،والذي كان موجود في معتقل عوفر بعد تحويله للأعتقال الاداري.

ويتابع بسام " مع مرور الايام كنا نخشى الم الفراق، وتعمد ادارة السجون "التنغيص" علينا وابعادنا عن بعض، وهو ما حدث بعد شهر ونصف من لقاءنا".

ويضيف "في الثامنة صباحاً، عَلم عزام ان هناك قرار نقل لي ولبلال من سجن شطه الى جهة مجهولة، في تلك اللحظة كان طائر البداية قد كبر واشتد عوده، وبات قادراً على اختراق الحدود ومغازلة الشمس والشجر، وبعث الحياة في الاغنيات الغائبة، فاطلقه حراً الى السماء، رغم اجراءات السجان وتحصيناته."

ويتابع "في العاشرة صباحا ابلغنا رسميا بقرار النقل الى سجن مجدو، حيث سيطرت علينا مشاعر الحزن والم الفراق، كنا نودع شقيقنا لا شعوريا بالعناق والبكاء والتذكير على ما اتفقنا عليه من ضرورة بقاء الهمم عالية والوعد الذي قطعناه مع بعضنا الى ان دقت الساعة 12، حيث بُدأ بنقل اغراضنا وحاجاتنا وتجميعنا في الساحة، التي مكثنا فيها لنحو 4 ساعات، لا يفصلنا عن شقيقنا سوى باب السجان."

لقاء اخر

لم يكن يدرك بسام وبلال ان القدر يرتب لهم لقاءاً اخر بشقيق اخر، سيحظيان بعناقه وتقبيله خلف قضبان السجن.

يقول عصام " في شهر اكتوبر من العام 2006 اي بعد نحو 8 اشهر من اعتقالي تبلغت بقرار نقلي من سجن مجدو الى سجن النقب، وهو ما خلق لدي امل في لقاء اشقائي ، حيث قمت بإعلام الوالدة بذلك من اجل اخبار اشقائي من خلال اذاعة الشمس" وهو ما يؤكده بسام " الذي اكد انه سمع الوالدة عبر الاذاعة تؤكد نقل خبر شقيقه عصام الى النقب، ما خلق لديه حالة من الامل باللقاء والترقب الحذر".

يروي بسام " في احد ليالي شهر رمضان، بينما كنت في الساحة بحكم اني "شاويش" كان بلال في الغرفة، تمكنت من رؤية اخي عصام القادم لتوه الى السجن، لم استطيع السلام عليه ومصافحته وعناقه ، لكنني ادركت ان الله من علينا باللقاء مرة اخرى، وهلت بشائر رمضان الكريم علينا ".
يروي عصام "مر يومان دون ان اتمكن من معرفة او لقاء اشقاءي، فأنا لم ارى احداً منهم رغم ان بسام قد رأني لحظة قدومي للسجن(كما اخبرني لاحقاً) وذلك بسبب خضوعي للتحقيق طيلة اليومين الاوليين من قدومي، وهو ما حال دون لقائي بهم".

في صباح اليوم الثالث من قدومه الى سجن مجدو، وفي ساحته حيث الاسرى جميعاً يتواجدون، كان لقاءا مثيرا للدموع، 3 اشقاء يلتقون رغم قيد السجان، يبكون فرحا واشتياقاً، يتعانقون بمرارة الايام التي فرقتهم، تحرسهم عيون الاسرى، التي ترقبهم وتلمع فرحاً ودمعاً بهذا اللقاء، والماً انه خلف القضبان وليس تحت شمس الحرية، لكن اللقاء كان منقوصاً ومقتصرا على الساحة فقط.

ويستذكر عصام ذلك اللقاء" لم اكن اتمنى هذا اللقاء خلف قضبان السجن، كنا نمني انفسنا ان يكون خارجه، واشقائي يتنفسون الحرية، ورغم ذلك ، فقد منحنا لقاءنا ببعضنا جرعة من الفرح والامل، حيث كنا نقضي معظم الوقت في الساحة في سرد الوقائع التي حدثت لنا، والتركيز على اخبار شقيقنا عزام الذي لم التقيه، عن الاهل والاصدقاء والاقارب، عن معاناة الوالدة وصبرها وما تعرضت له من ضغوطات، وصمودها واستمرارها في متابعة شؤوننا ، حيث كان الوطن يتجسد في قامتها ."

ويصف عصام مشاعره الاولى في تلك الفترة " كنت اشعر بالفخر والاعتزاز باشقائي، فقد كان اعتقالهم في سن مبكر (بلال 17 عاما، بسام 18عاماً)، ورغم ذلك فقد اكسبتهم تجربة الاعتقال صفات كثيرة ، وصقلتهم جيدا، ورفعت من درجة وعيهم."

ويضيف عصام" رغم لقاءنا في غرفة واحدة، كان هاجس الفراق يخيم علينا طيلة الوقت، وكنا ندرك ان السجان سيعاقبنا مرة اخرى، ويبعدنا عن بعض، حيث قامت ادارة السجن بنقل بلال الى النقب، وفتح جرح الفراق الذي لم يندمل لحظة، تبعه بعد يومين قرار نقل شقيقي بسام الى سجن بئر السبع، وهكذا تفرقنا مرة اخرى، بفعل اجراءات السجان، وبتنا كل شقيق في معتقل، نترقب اخبار بعضنا البعض."

بعد 6 سنوات من ذلك اللقاء، شاءت الاقدار ان يلتقي الشقيقين بلال وعزام مرة اخرى في سجن شطه، بعد خوضهما اضرابا مفتوحا عن الطعام، وقلوبهم تترقب الحادي عشر من شهر اب، حيث سيكون بلال على موعد مع الحرية، فرحة ينتظرها الجميع، وان كانت منقوصة فعزام سيبقى خلف القضبان (محكوم بالمؤبد)، بأنتظار فرج من الله وحرية طال انتظارها، بينما الترقب الحذر يخيم على العائلة، بأنتظار موعد النصر القريب .
تصميم وتطوير