حول توفر وجودة المياه في فلسطين ...بقلم: الدكتور عقل أبو قرع

07.08.2011 08:05 AM

تناقلت الانباء خلال الفترة الماضية ان اكثر من 95% من مياة قطاع غزة هي مياة ملوثة، وهذه اخبار مقلقة، خاصة ان موضوع توفر المياه بالنوعية والكمية المطلوبة إحدى الأمور الأساسية للمجتمعات البشرية، ويتجلى هذا بوضوح في مناطق تُعتبر مصادر المياه فيها محدودة أو محل صراع ومفاوضات ومنافسة بين أكثر من طرف، وهذا بالضبط ما يتجلى في بلادنا، حيث أصبحت قضيته المياه قضية حيوية على الصعيد الوطني، وعلى ذكر مجتمعنا الفلسطيني، تُعتبر المياه الجوفية المصدر الأكبر لمياهنا سواء أكانت للشرب، للري، أو الأغراض أخرى، ومن هذا المنطلق فأن الحفاظ على جودة ونقاوة المياه هو أمر ملح وضروري خاصة في وضع أضحت فيه نوعية هذه المياه مهددة بنشاطات الإنسان والطبيعة، ويعتبر الاستخدام البشري الغير صحيح سواء في الصناعة، الزراعة، أو النواحي العمرانية خطراً على تلوثها أو التقليل من جودتها.

يمكن تصنيف المياه الملوثة إلى الوسط الذي تحدث فيه، من مساه سطحية، مياه جوفية، وحتى تلوث التربة والتي تؤدي إلى تلويث غير مباشر للمياه، كذلك يمكن اعتبار مصدر التلويث كتصنيف، سواء أكان المصدر كيميائي، بكتيري، معدني أو حتى تلوث إشعاعي. فتراكم أملاح النترات والفوسفات في المياه -كما هو الوضع في قطاع غزة ألان- ينشأ عادة من مياه صرف المجاري المنزلية ومياه الصرف من الأسمدة الزراعية والنفايات من حظائر الحيوان ، وتخلق مخلفات صرف المجارى وكذلك المياه المعاملة بطريقة غير كافية عدة مشكلات، فقد تحتوى هذه المخلفات في المقام الأول بكتيريا وفيروسات مرضية تهدد حياة البشر فهناك أمراض محمولة بالمياه الملوثة مثل التيفوئيد والدزنتاريا والتهاب الكبد، وإن كانت مشكلة التلوث بمياه المجاري قد تحدث بالدول المتقدمة، فأنها تُعد أكبر بكثير في الدول النامية خاصة حين تفتقر إلى معاملة صحيحة لصرف المجاري وتُشكل أمراض الإسهال والإصابات الطفيلية المنقولة بالماء حيزاً بارزاً من قمة أسباب المرض وحتى الموت في هذه الدول.

إن وجود التخطيط الصحيح ونظام الصرف السليم لمياه المجاري وكذلك المعاملة ا لصحيحة للمياه الخارجة من مزارع الحيوانات يؤدي إلى التقليل من احتمالات تلويثها للمياه، وخاصة نزولها وتراكمها في المياه الجوفية وما لذلك من انعكاسات سلبية بعيدة المدى، كذلك فإن إجراء مراقبة دورية وتحليل روتيني لجودة المياه من الناحية الميكروبية هو أمر ضروري لتحديد مدى ودرجة تلوثها، ويعني وجود مختبر ميكروبيولوجي مع طاقم متخصص في هذا المجال هو أمر لا غنى عنه في هذا الأمر، كذلك فإن الحاجة الملحة لمحطات معالجة فضلات المياه أكثر تطوراً وللقيام بدور كامل للمعالجة من حيث إزالة الأجسام الكبيرة والمواد الصلبة العالقة، وتوفير التهوية والتأثير البكتيري لتحليل ا لمركبات العضوية وتطهير ما تبقى  من فضلات المياه بالكلور، وكذلك  والاهم معالجة تُزيل أملاح النترات والفوسفات وتُعطي ماءاً نقياً.

أما التلوث الكيميائي فمصادره متعددة ومتنوعة، وتتراوح من تلك الناتجة من فضلات المصانع، المواد الكيميائية الناتجة عن الاستخدام الزراعي للمبيدات والأسمدة، واستخدام الكيميائيات في مجال الثروة الحيوانية، والنقطة المهمة هنا هي تراكم هذه المخلفات بالبيئة المحيطة بتلك النشاطات ومن ثم نزولها إلى طبقات التربة الدنيا وبالتالي المياه الجوفية، واحتمالات انتقالها إلى مواد أكثر سمية وخطورة على صحة الإنسان حين تستخدم المياه للشرب، وكذلك تأثيرها السلبي على المزروعات حين تستخدم في الري، ومن ضمن هذه المواد المسببة للتلوث المركبات العضوية مثل مواد الـــ "ديوكسين"، والمركبات العضوية الحلقية وهي مواد سامة وسببت كوارث في مناطق مختلفة في العالم، وكذلك مبيدات الحشرات، ومبيدات الأعشاب وخاصة حين تُستخدم كخليط مع التربة فإن احتمالات نزولها إلى المياه الجوفية هو كبير، وكذلك المركبات الغير عضوية والمعادن مثل الزئبق، الكادميوم، والكروم وهي عناصر خطيرة ولها مضاعفات على صحة الإنسان والأجنة.

 وفي هذا المجال كذلك فإن وجود تخطيط سليم للتخلص من فضلات المصانع بطريقة بيئية صحيحة كفيل بالتقليل من احتمالات تراكمها وانتقالها إلى المياه، والاستخدام الصحيح للمبيدات من حيث اختيار الجرعة الملائمة والطريقة السليمة وتوخي الاختيارية أي آن يعطي المبيد مفعوله ويتحول إلى مركبات أخرى غير سامة ولا يتراكم يساهم في التقليل من احتمالات وصولها إلى المياه الجوفية. والأهم هو المراقبة الروتينية والتحليل الدوري من ناحية كيميائية سواء للتعرف على المواد العضوية أو العناصر والمركبات الغير عضوية هو آمر ملح يساهم في دق ناقوس الخطر حين يصل تركيزها إلى الحد الغير مقبول علمياً وصحياً، وهذا بدوره يتطلب وجود مختبر وكادر مؤهل للقيام بذلك، وهذه الأمور تعتبر عملية وغير مكلفة نسبياً مقارنة مع البحث عن مصادر إضافية للمياه حين تصبح هذه المياه ملوثة وغير صالحة للاستعمال، وخاص إننا في مرحلة مفاوضات الوضع النهائي حول المياه مع الجانب الإسرائيلي.

 وكما هو معروف فإن من واجب السلطة الوطنية في كل دول العالم ومنها فلسطين توفير المياه الصالحة لمواطنيها وإيجاد مصادر مياه بأقل التكاليف والعبْ الاقتصادي، وبالتالي فإن توفير وسائل الوقاية والمراقبة الدورية لجودة المياه الموجودة يعتبر أفضل الأساليب والطرق لتوفير النوعية الجيدة للمياه، وهذا يبرز جلياً في منطقة مصادر المياه فيها محدودة ومستهدفة ومتنازع عليها وأساسية لحياة الأفراد ولتحقيق التنمية وتقدم المجتمع.

Email: [email protected]

تصميم وتطوير