قطرة زيت خلف الجدار

18.10.2016 11:08 AM

رام الله- وطن- مي زيادة: ليس امامهم سوى ثلاثة ايام لقطف زيتونهم في حقول مساحتها ثمانية آلاف دونم خلف الجدار، هذا هو التحدي الذي يفرضه الاحتلال الاسرائيلي على مزارعي مدينة سلفيت وما جاورها في كل موسم زيتون. ثلاثة ايام كل شهر على مدار العام لرعاية الاشجار من حرث وتقليم وخلافه. معاناة اختصرها مزارعو سلفيت و رواها المعلم فؤاد ناصيف في ثلاث كلمات هي "أرضنا خلف الجدار".

معاناتنا كبيرة كوننا مزارعين وفلاحيين نملك اراضٍ خلف الجدار، فأرضنا محاطة بسياجين (سياج: هو سور من اسلاك) وفيه 3 بوابات، بهذه الكلمات بدأ المعلم فؤاد ناصيف (59 عاما) والذي من المفترض أن يتقاعد نهاية العام، من مدينة سلفيت حديثه مختصرًا سنينًا من المعاناة وشهورًا من العذابات.

ويتابع قوله لـ"وطن"، بدأ موسم قطف الزيتون، كنا ننتظر موافقة الجانب الاسرائيلي للسماح لنا بالدخول الى اراضينا خلف الجدار، وعن طريق الارتباط الفلسطيني بُلّغنا بالموافقة لمدة ثلاثة ايام فقط ندخل فيها أرضنا لقطف ثمار زيتوننا، وهذا ماحصل بالفعل دخلنا أيام الخميس والجمعة والسبت.

سمحوا لنا بثلاث ايام وبالحمير فقط

وفي هذا السياق، يضيف رئيس بلدية سلفيت شاهر اشتيه والذي يملك أرضًا هو الاخر خلف الجدار في حديثه لـ"وطن"، مساحة الاراضي خلف الجدار تقدر بثمانية الاف دونم، لبلدات سلفيت وكفل حارس واسكاكا، ستة الاف منها لسلفيت، ويحتاج المزارع على اقل تقدير اسبوعين لإتمام عملية القطاف، فثلاثة ايام غير كافية، اضف الى ذلك أننا ندخل الى الارض دون معدات، فقط يمكن للمزارع ادخال حماره، فلا يُسمح بإدخال مركبة او جرار زراعي يعينه على التنقل وحمل الامتعة، لكن يسمح كل فترة لجرار زراعي بأخذ الزيتون الذي قطفه المزارعون، كما قلت هذا يحدث نادرًا، كما أننا نمشي مسافة كبيرة لنصل بوابة الجدار ومسافة اكبر لنصل الارض ايضًا.

ويتابع أن التأخير في قطف الزيتون والذي يتعمد الاحتلال القيام به، سيأتي بعواقب سيئة عليهم فبعد انتهاء الاعياد اليهودية كل العمال سيعودون الى عملهم ولن يجدوا عمالا يساعدونهم في قطف الزيتون بسرعة، عدا ان المطر ان هطل سيأخرهم أكثر.

ويشير اشتيه إلى أن الاحتلال من المفروض أن يفتح البوابة الساعة السادسة والنصف صباحًا لكنه يتلذذ بتأخيرهم، فمثلا يوم السبت فُتحت البوابة الساعة التاسعة والربع صباحًا، ندخل الى الارض يأخذون هوياتنا ويغلقو البوابة لحين خروجنا الساعة الخامسة مساءً، والتي لايلتزمون بها ايضًا.

يفتح الجنود البوابة ويغلقونها ساعة شاؤوا ..

ويشدد المزارع والمعلم فؤاد ناصيف، على أن الاحتلال يتلاعب في مواعيد فتح واغلاق البوابة متعمّدًا ذلك، قائلا: يوم الجمعة يفترض أن تفتح البوابة الساعة الخامسة والنصف مساءًا لكنهم تركونا حتى السادسة والنصف، وكثيرًا ماتحدث معنا مثل هذه الامور صباحًا ومساءً.

ويتابع حديثه أن المنطقة الشمالية والتي تقع فيها أرضه المقدرة بـ 60 دونما، تبعد عن المدينة كيلو ونصف وطريقها ترابية صعبة، يقصدها هو وزوجته واولاده، بالتالي في الفترة التي لايسمح لهم فيها بإدخال الجرار يضطرون أن يحملو الزيتون على الحمير ونقله لحوالي كيلو ونصف الى السياج والبوابة ومن ثم إدخاله على ظهورهم ونقله الى الجهة الاخرى.

ويضيف ناصيف :"مدداو لنا المدة لأسبوعين إضافيات، وإن لم ننه خلالها قطف الزيتون، نحتاج لطلب موافقة ثانية عن طريق الارتباط الفلسطيني والطلب من المرجّح ان يتم رفضه أو قبوله، لاضمانات على الاحتلال، فالعام الماضي مثلا انا واثنان من المزارعين لم نستكمل قطف الزيتون بسبب انتهاء المدة".

ويشير إلى أنه عند نية الاحتلال فتح البوابة يخبر الارتباط الفلسطيني الذي بدوره يخبر المواطنين من خلال مآذن الجوامع ينبّههم ان البوابة خلف السياج ستفتح في هذا الوقت، هذا العام احتاج لعشرة ايام اضافية لأنهي قطف الزيتون، وجيراني في الارض بحاجة من اسبوعين لثلاثة اسابيع  ايضًا.

الكبار يموتون لكن الصغار لا ينسون

في مرة قال الجنود لنا: "انتو الكبار بعد ماتموتو الصغار مش رايحين يسألو"، لكنهم لايعرفون ان هذه الارض التي ورثناها عن اجدادنا، سنورثها لهم، وانا كإنسان وفلاح ومعلم رضعت حب الارض من صدر امي وأعلمه لأولادي الان، كل ما اسرح عالزتون بوخدهم معاي، وبعلمهم حب الارض زي ماعلمونا أهلنا، بالتالي اذا راحو الكبار الصغار مش هينسو.

أرضنا خلال العام ..خيول وخنازير المستوطنات

وعن رده على سؤالنا حول كيفية عنايته بأرضه خلف الجدار خلال العام، قال: شجرة الزيتون شجرة مباركة، تحتاج لعناية باستمرار، مابين تقليم وحراثة للأرض وبناء جدران استنادية لنحفظ التربة، للأسف لايسمحون لنا بدخول الارض في الوقت المناسب لنقوم بكل ماذكر، مثلا بعد الشتوة بفترة لازم نحرث الارض مابسمحولنا ندخل وهيك بتقسى الارض ومابنقدر نحرثها، والتنقيب كذلك الامر، لذلك العناية بالارض خلف الجدار قليل جدا، رغم ذلك نحن مصرين ومتواجدين في اي فترة يسمحو ن لنا بدخولها، لن نتوانى لدقيقة، عدة مرات يقولون لنا سنفتح البوابة ونذهب وننتظر ولا يفتحون لنا، ورغم ذلك لا ولن نمّل، هذه أرضنا وعرضنا، وهذه الشجرة عنوان صمودنا في ارضنا ومصدر رزقنا، بالتالي لننتخلى عنها ونعلم أولادنا كيف يعتنون ويهتمون بها.

ويتابع عرض المشكلات التي يعانون منها، بالقول: هناك الخيول والخنازير والغزلان التي يطلقوها من المستوطنات والتي تعمل على تخريب الزيتون فتأكله، وفي فترة الشتاء تنفلت خيول المستوطنين في الحقول فتلبد الطين ويصبح حرث الارض غاية في الصعوبة، فيما تلتهم الخيول والغزلان اغصان الزيتون الحديثة ما يضعف الشجر ، وفي الصيف يشعل المستوطنون النار في الحقول فتحترق الاشجار ولا يتمكن المزارع من اطفاء الحريق فهو ممنوع من الدخول الى الارض الا بتصريح.

سياجان و3 بوابات بين المزارع وارضه

منذ عام 1976 بدأت عذابات المزارعين ، يوضح ناصيف، مُنعنا من وصول الارض لأكثر من عامين، فاستولى الاحتلال على هذه الارض على مرحلتين الاولى كانت في عام 76، ورفعنا قضية عن طريق المحكة العليا الاسرائيلية وصادروا قسمًا منها واقيم السياج الاول، والمنطقة الثانية سُلبت في بداية الثمانينات، مضيفًا، أن الارض التي صودرت منه في عام 76 تقدر بما لايقل عن 30 دونم، كانت ارض مُفتلح مزروعة بالقمح والخضار ومحاصيل اخرى ولايسمح دخلوها الان نهائيا، أما القسم الثاني كان مزروعا من قبل 60 عاما بأشجار الزتون صودر في الثمانينات وهي الان ما يسمح له بدخولها في بعض المواسم وعليها سياجان امنيان و3 بوابات.

ويروي حادثة مؤلمة حصلت معه، ففي احد المرات، بعد ماانهى الناس حراثة الارض سرحت مع اطفالي الاثنين الى الارض سمحوا لي بالدخول ولكن عندما اردت المغادرة تركوني على السياج وكان المطر يهطل والجو بارد الى الساعة 8:30 ليلا، "معاناة يومية نعانيها منذ عقود.

غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون

وانا طفل صغير عمري 5 سنوات كنت اذهب انا وامي إلى نفس الارض قبل بناء مستوطنة "ارئيل" ومصادرتها عشقناها كما الانسان يعشق الهواء والورد، علمت اولادي الكبار يعتنو بالزتون، "بقومو معي كتف بكتف في حراثة الارض وفلاحتها"، تطبيقا للمقولة: غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون، و"حب الارض سنة وفرض"، بالتالي هذا واجبنا الديني والاخلاقي والوطني تجاه ارضنا، هي حرب طويلة مع الاحتلال الغاشم والبقاء للافضل، وان شاء الله منتصرين.

ويستذكر كيف كان يقصد ارضهم مع والدته: كانت الارض كلها تين وعنب ونزرعها فقوس وبندورة وبطيخ، كنا نسرح مرتين وثلاث في اليوم، ايام التين كنا نروح الصبح نلقط تين وعنب والمسا نلقط تين لنعملو قطين نحطو تحت الشمس ونرجع ثاني يوم نلمو، كنت تسرح وقت مابدك وتيجي وقت مابدك، كانت مثل المنتزه ولا صرارة فيها، كان فيها شجر التفاح العسيلي والعنب والتين بكل انواعه، تروح ماتحب تطلع منها، إيـــــه والله ذكريات.

لما أحكي لولادي الثمانية هالقصص كيف كنا عايشين وشو نعمل كانو ينبسطو ولليوم بحكيلهم.

تصميم وتطوير