خالد بطراوي يكتب لوطن: "هلوسات" النصف الممتلىء

24.10.2016 11:05 AM

أفكر مليا في جملة ذكرتها طبيبة الأسنان التي ذات يوم طغت غشاشة على بصرها فتزوجتني حيث قالت حفظها الله ورعاها "لماذا لا ننظر الى النصف الممتلىء من الكوب بدلا من النظر الى النصف الفارغ" .... جاءت عبارتها تعقيبا على تغريدة فيسبوكية " لمثقفة ثورية " انتقدت فعالية ثقافية حضارية ووصفتها بالفعالية الفاشلة فشلا ذريعا منطلقة من حدث بسيط أحاط بعرض ما فقامت بالتعميم بل والاساءة.

هيئات حكم محلي ومؤسسات تبذل مجهودات فينبري أحدهم ( وهم كثر بالمناسبة) بالانتقاد غير البناء والتعميم وتصل في بعض الأحيان الى التجريح.

ابان عواصف ثلجية ضربت البلاد في السنوات الأخير، كان آداء هيئات الحكم المحلي جيدا وقاموا بالبناء على التجربة تلوالأخرى لتطويرها ... احداهن سخرت بطريقة ما من جهود طواقم الطوارىء الى أن أدركت لاحقا أنه لولا فتح الطرقات لما تمكنت ابنتها من الوصول الى المستشفى (الخاص) لاجراء عملية مستعجلة. وبطبيعة الحال لم تعتذر.

أذكر فيما مضى عند قيام سلطات الاحتلال بجعل طريق سردا المؤدي من رام الله الى بيرزيت طريقا ضيقا بحيث يلزم لعبور سرب سيارات أن تتوقف السيارات القادمة من الجهة المقابلة .. أننا شكلنا فريقا يوقف رتل السيارات من جهة الى أن يمر الرتل الأخر وبالتالي لا نخلق الأزمة المرورية التي افتعلها الاحتلال حيث كانت دوريته العسكرية تقف تراقب وعندما خفت الازمة ليلا تم احتجازنا وتهديدنا بعدم تكرار ذلك ..لكنا فعلنا في اليوم التالي ...

وقتها أيها الأحبة، فقط استاذة واحدة من الجامعة ودعوني أذكر اسمها هي سعاد العامري ...فتحت زجاج سيارتها وقالت "يعطيهم العافية الشباب"، أما البقية من "النخبة" فقد التزموا الصمت ... ربما لأنهم لم يجدوا شيئا ينتقدونه أو لأنهم في عجلة من أمرهم للتوجه الى لقاء في احدى المقاهي للمشاركة في حلقة " نميمة" أو انتقاد.

ما الذي نريده؟ أن ننتقد .. وننتقد ... ونحرد ... وأن لا يعجبنا أي شىء .... وان ذهبنا لفعالية حتى لو ابدينا اعجابنا فنقول "منيح بس لو".

لماذا لا نرى الايجابي مثلا ... لماذا لا نبني عليه ... لتطويره ... لماذا لا نستخلص بهدوء العبر والنتائج .... لماذا نصفق للشعارات؟

كم مرة سمعنا عبارة "عيد بأي حال عدت يا عيد " تتكرر كل سنة وكل السنوات ... لكننا "نعّيد" ... طالما أننا نتحسر على أيام زمان ... لماذا نستمر في فعالياتنا وحياتنا...

يقف خطيبا على منبر المسجد يوم الجمعة وبعد مقدمة الخطبة المشهورة كما "الكاسيت" من السجع والطباق والجناس يبدأ في الترحم على أيام زمان ويصف حال الأمة اليوم... وينام من ينام من بين المصلين ...  ثم يدعو على الظالمين ويطلب منا أن نقوم الى صلاتنا .. ولا يقول لنا كيف نعمل لنخرج الأمة من حالتها.

ننتقد وننتقد ولا نقول وجهة نظرنا في البديل .... كيف لنا أن نواجه ثقافة الظلام التي تنتشر وتتفشى ... ذلك لا يتأتى الا بالعمل ... والعمل المتواصل ..حتى لو حصل خطأ هنا أو هناك .. فالذي لا يعمل لا يخطىء .
النصف الممتلىء من الكوب ... يقول أن هناك فراغا قد امتلأ .. أم أننا نفضل الكوب الفارغ .. ونبرر ذلك بالتعليق على شماعة الاحتلال ... وتضيف زميلتي المهندسة بالقول أنه حتى البعض يسعى الى افراغ النصف الممتلىء بوعي أو بغير وعي فيعطي المجال للظلاميين للتغلل.

هناك فرق كبير بل وكبير جدا بين النقد البناء والنقد "الهدام" ... ان أحد أهم مقومات تطور المجتمع هو تراكم الجهد .. والبناء عليه، بتطوير الايجابي والحد من الأثر السلبي .

أن مسألة رؤية النصف الممتلىء .. مسألة تربوية بحته تعمل على تأصيل قيم ومفاهيم الرؤيا الايجابية وترى الأمور بحركتها وليس بجمودها .. ففي الحركة بركة كما يقولون. لقد ملّ الجيل الجديد منا نحن الأكبر سنا ونحن نترحم على أيام زمان على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وملّوا أيضا من انتقادنا المتواصل لحال الجيل الجديد ... حيث أننا بسلبيتنا من أوصلناهم الى هذه الحالة من البطالة الصريحة والمقنعة.

النصف الممتلىء من الكوب .. منهج ورؤيا وثقافة دعونا نعمل على تأصيلها .. فلنبدأ بأنفسنا أولا .. ثم نعزز ذلك داخل أسرتنا النووية المصغرة فالعائلة .. وعندها ننطلق الى المجتمع برمته.

سأنظر الى النصف الممتلىء ... بالقول انه يوجد بعض الايجابيات لدّي أنا التي ربما كانت هي السبب بأن تزوجتني تلك التي دعت الى النظر للنصف الممتلىء من الكوب وليس للنصف الفارغ.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير