خالد بطراوي يكتب لـوطن: بالروح بالدم

31.10.2016 09:18 AM

ما زلت أذكر عندما كنت طفلا تلك المشاهد للجماهير العربية في هذا البلد أو ذاك، وهي تهتف الهتاف المشهور " بالروح بالدم نفديك يا جمال".

وكانوا بهذا الهتاف بقصدون الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وكانت تلك الهتافات تنطلق من حناجر المشيعين في جنازته.

وكنت أعجب في داخلي كيف أن الجماهير التي اعتادت الهتاف أثناء حياة الزعيم لم تستطع أن تجد هتافا آخرا في مماته.

وتكررت الهتافات بالروح بالدم نفديك يا جعفر وكانوا يقصدون الرئيس السوداني جعفر النميري، وبالروح بالدم نفديك يا أنور وكانوا يقصدون الرئيس المصري انور السادات وبالروح والدم نفديك يا حسين وكانوا يقصدون الملك الأردني الحسين بن طلال، وبالروح بالدم نفديك يا معمر وكانوا يقصدون الرئيس الليبي معمر القذافي وبالروح والدم نفديك يا حافظ وكانوا يقصدون الرئيس السوري حافظ الأسد بالروح بالدم نفديك يا صدام وكانوا يقصدون الرئيس العراقي صدام حسين وهكذا دواليك.

لقد توفي الرئيس جعفر النمري والملك الحسين والرئيس حافظ الأسد – رحمهم الله – بعد صراع مع المرض. واغتيل – عام 1981 - أنور السادات في عرض عسكري بمناسبة ذكرى حرب اكتوبر فتحول الهتاف بين ليلة وضحاها من " بالروح بالدم نفديك يا أنور" الى " بالروح بالدم نفديك يا حسني" وكانوا يقصدون الرئيس المصري الجديد – آنذاك – حسني مبارك. وعندما سقط نظام الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003 شاهدنا جميعا كيف تم تحطيم تماثيل

الزعيم القومي صدام حسين وكيف ضربت الجماهير التي كانت تهتف بحياته صوره بالنعال وفيما بعد أخرجه الأمريكان " الذين وصفهم وزير الاعلام العراقي آنذاك الصحاف بالعلوج" من جحر وقاموا باعدامه في أول أيام العيد.

أما "المسخم" القذافي الذي وعد بمطاردة من وصفهم " بالحشرات" من كل زقاق في ليبيا " زنقه .. زنقه " فقد القى القبض عليه من قبل أبناء شعبه الذين كانوا يهتفون بحياته وبدلا من حمايته سالت دماؤه جراء ضرباتهم وضربات نعالهم الى أن قضى نحبه بطريقة همجية.

سقطت الأنظمة العربية التي كانت جماهيرها تهتف بحياة رؤسائها سقوطا سريعا باستثناء النظام السوري الذي ظل صامدا ...

سقطت الأنظمة العربية لعدة أسباب أهمها انها كانت تقمع شعوبها ... وكنت أستغرب منذ طفولتي كيف أن زعيما عربيا ينطلي عليه ويصدق هتاف مثل " بالروح بالدم " لأنه يعلم تمام العلم كيف أن مواطنا يهتف بهذا الهتاف سوف يولي الأدبار عند " أول كوربة" فلم يكن هذا المواطن يهتف كذلك الى خوفا ورعبا ومرغما.

هل بات مقبولا هذه الأيام أن تردد الجماهير هذا الشعار " بالروح بالدم" ... أم هل سقط هذا الشعار مرة واحدة والى الأبد؟

لا يعني مطلقا أن سقوط هذا الشعار هو بالضرورة سقوط لفكرة التبعية للحاكم والتذيل بل التذلل له، فقد نمت طبقة جديدة في عالمنا العربي أطلق عليها وصف " السحيجة" أو كما قال الشاعر دريد ابن الصمة مفتخرا بنفسه ( ولا أتفق معه)

ومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ

وكانت قد قيلت توصيفا دقيقا للعصبية للقبيلة حتى وان كانت على خطأ وتخالف الحق والمنطق، حيث افتخر هذا الشاعر بكونه يغيّب رأيه لأجل رأي كبار القوم حتى ولو كان خاطئا مغيبا بذلك روح التفكير والابداع مشددا على التبعية للحاكم ما

حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول "لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن أساءوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسنوا أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا تظلموا".

أوتدرون أيها الأحبة من هو أو هي الأمعة ؟ .... الإمعة كما قال أهل اللغة: هو ذلك الانسان الذي يكون - لضعف رأيه- مع كل أحد، المهم ألا يستقل برأي وألا يخالف من فوقه وإن اعتقد بطلان هذا الراي لكنه يصدر عن ولي نعمته".

اذا بسقوط الأنظمة ورؤوسها تبدل الشعار " بالروح بالدم" الى بروز طبقة طفيلية هي طبقة "السحيجة" و "الامعات" التي غيّرت الشعار الى ممارسة على أرض الواقع ففرّخت " الشبيحة" وغيرها من المسميات لكنها جميعها تقع تحت مسمى " زلم النظام".

لا ديمقراطيات اذا ... لا أفق حتى الان للمجتمع المدني ... حكم العسكر يتجسد بهذة الطريقة أو تلك ... لم تشهد البلاد العربية حتى الان انتقالا سلسا وسلميا للسلطة أو تداولا من خلال خلال صندوق الاقتراع ... ولم يكن الربيع العربي .. ربيعا عربيا بمنطوقه الصحيح بل مشروعا استعماريا جديدا تحت مسمى الشرق أوسط الجديد أو حتى استعمار العالم الثالث بطريقة عصرية " مودرن".

سأظل أذكر صديقي أبو علي مقبل – أطال الله في عمره – عندما اعتلى كتف أحدهم في مظاهرة قبل نحو أربعين عاما في شوارع سوريا تدعو الى دعم الثورة الفلسطينية وكان يهتف " من كل قلبه" فانتهى به المطاف الى السجن فقد كان من يحمله على كتفيه من رجال المخابرات فسار به السجن.

المضحك المبكي أن شعار " بالروح بالدم" تحول الى أغنية راقصة تغنيها الفنانة نجوى كرم تقول " بالروح بالدم راح تبقى يا غالي ... بالروح بالدم .. شو ما صار بحالي "

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير