وزارة الخارجية الفلسطينية تترك فلسطينيي الشتات لمصيرهم

18.07.2017 03:24 PM

كتب: داود كتاب

وطن- ترجمة خاصة: تمثل الهدف الرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها، عام 1964، في الحفاظ على وحدة اللاجئين الفلسطينيين والدفاع عنهم. وقد كان المطلوب ان تكرس المنظمة جهدها ووجهتها نحو تحفيز وتنشيط الفلسطینیین في الشتات ومنحهم رؤيا وعزيمة وتصميم على تحرير فلسطين، وتمکینھم بالتالي من العودة الی وطنھم.

مع توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 وعودة قادة الثورة الفلسطينية إلى فلسطين، بدأت العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية من جهة والشتات الفلسطيني من جهة أخرى بالتوتر والتجاذب. وأدى إنشاء السلطة الفلسطينية وانتخاب رئيس فلسطيني ومجلس تشريعي وإنشاء هيئات شبه حكومية، إلى إحداث تغيير في أولويات منظمة التحرير الفلسطينية. ومع مرور الوقت، بدأت أولويات المنظمة تتركز على موضوع بناء الدولة أكثر من زيادة وعي فلسطينيي الشتات.

ولعل أكثر من شعر بقوة هذا التغيير هم الفلسطينيون في أمريكا اللاتينية، والتي تعتبر موطنا لأحد أكبر المجتمعات الفلسطينية اللاجئة. وفي هذا السياق، قال حنا صافية، وهو الأمين العام لاتحاد الفيدراليات الفلسطينية في أمريكا اللاتينية والكاريبي (كوبلاك)، ل "المونيتور": "لقد اثبت أبناء شعبنا في الشتات، جيلا بعد جيل، بأنهم فخورون ومتمسكون بأصلهم الفلسطيني ولم يتوقفوا أبدا عن أن يكونوا جزأ اصيلا من شعبهم في فلسطين، وجزأ من آلامه وتطلعاته".

ووفقا لإحصاءات فلسطينية رسمية، فان نحو 450 ألف من الفلسطينيين يعيشون في دول أمريكا اللاتينية بما يشمل: تشيلي (250 ألف)، هندوراس (100 ألف)، السلفادور (50 ألف) والبرازيل (30 ألف). وقد مثلت "كوبلاك" وهي منظمة مجتمع مدني مستقلة، دورا فعليا كهيئة إقليمية فاعلة في توحيد المجتمعات الفلسطينية في هذه الدول، كما ساعدت "كوبلاك" على تنسيق ومواءمة الأنشطة بين مجتمع الشتات هناك والوطن.

وعلى الرغم من التغير في الأولويات في فلسطين، كان من المقرر أن يعقد الشتات الفلسطيني في أمريكا اللاتينية، بتنظيم من خلال "كوبالك"، مؤتمرا رئيسيا له بتاريخ 11/8/2017. وفي مرحلة التحضير للمؤتمر المزمع، كانت قد تمت دعوة ممثلين عن جميع مجتمعات الشتات في أمريكا اللاتينية كما تم اعلام القيادة الفلسطينية بالمؤتمر. وفي هذا السياق قال حنا صافية، الأمين العام ل "كوبلاك": "كنا نأمل أن يؤدي عقد حدث بهذا الحجم إلى عمل حراك وتنشيط مجتمعي، وفي ذات الوقت، كان الجيل الأكبر منا كفلسطينيين في الشتات اللاتيني، يود استثمار المؤتمر من اجل نقل دفة القيادة إلى جيل جديد من الفلسطينيين في الشتات".

كما أضاف صافية أن المؤتمر كان سيناقش قضايا هامة تشمل: اليات تعزيز الروابط والعلاقات مع الوطن، وكيفية التعامل مع خطابات الكراهية المناهضة للإسلام وللعرب، بما في ذلك الخطاب المناهض للفلسطينيين، والذي يتزايد في أمريكا اللاتينية. ومع ذلك، واجهت خطة عقد هذا التجمع بعض المشاكل. وقد أرادت دائرة شؤون المغتربين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها عضو اللجنة التنفيذية تيسير خالد، أن تنخرط في تنظيم هذا الحدث، وبدأت تشعر أن صافيه وزملاءه قد خرجوا عن السياق.

وقال صافيه في سياق مكالمة هاتفية من العاصمة البرازيلية مع تيسير خالد "لقد بدأوا يطلبون منا تغيير التاريخ وتغيير قائمة المتحدثين وتغيير مواضيع النقاش"، علما ان كلا الرجلين، صافيه وخالد، قد تواصلا عبر اتصالين هاتفيين، لكنهما فشلا في التوصل إلى اتفاق حول كيفية المضي قدما لتسوية الخلافات بينهما.

وقد ازدادت حدة الخلاف بين منظمة التحرير الفلسطينية من ناحية و" كوبلاك" من ناحية أخرى وتدهورت أكثر عندما أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما رئاسيا بتاريخ 24/5/2017 يقضي بالحاق "شؤون المغتربين" بوزارة الخارجية الفلسطينية. وفعلا فقد تحول ذلك المرسوم الى قانون بعد نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 18/6/2017. وقد أدت هذه الحركة إلى ان تصبح وزارة الخارجية مسؤولة عن متابعة جميع شؤون المجتمعات الفلسطينية في الشتات.

وقال صافية إنه فوجئ عندما سمع من رؤساء مجموعات الشتات المختلفة في أمريكا اللاتينية أن وزير الخارجية رياض مالكي خاطبهم مطالبا إياهم بالوقوف الى جانب منظمة التحرير الفلسطينية ضد حركة حماس، وكذلك بإجراء انتخابات جديدة لمجتمعاتهم، بالإضافة الى طلبه منهم تأجيل مؤتمر كوبلاك حتى نهاية عام 2017. وعقب ذلك تلقى صافيه الرسالة الرسمية الخاصة به من المالكي بتاريخ 22/6/2017، واصفا إياها ب "القشة التي قصمت ظهر البعير".

وفي رده على رسالة المالكي، كتب صافيه أن المؤتمر الذي كان مزمعا في شهر اب 2017 كان يمكن بالتأكيد أن يعقد لو لم يتم تقويض عمل "كوبلاك"، مضيفا انه سيقدم استقالته إلى المجتمعات المحلية، مستشهدا ب "التدخلات الكثيرة في شؤوننا الداخلية". وقال "ان المستوى الخطير للتدخل في شؤوننا كان أكثر من ان يحتمل، ولذلك تم الغاء المؤتمر، وقدمت استقالتي الى سكرتارية كوبلاك". وتجدر الإشارة الى ان الوضع الصحي لرئيس "كوبلاك" حسن العملة في غاية السوء حيث أنه مريض للغاية، مما زاد الامر تعقيدا، وبالتالي لم يتم قبول استقالة صافيه أو رفضها.

ولم يرد المالكي ومسؤولون كبار على استفسارات من "المونيتور" حول اتهامات بالتدخل المفرط. غير أن مصدرا في وزارة الخارجية، اشترط عدم ذكر اسمه، أشار الى أن السبب وراء التدخل هو منع سيطرة إسلاميين متطرفين مقربين من حماس. وقد عقد مؤتمر للمغتربين في اسطنبول في شهر شباط هذا العام وشارك فيه العديد من الإسلاميين ومعارضين لعباس، وفقا لأسماء وخلفيات المتحدثين الرئيسيين وضيوف المؤتمر. في ذلك الوقت، وصفت منظمة التحرير الفلسطينية المؤتمر بأنه حزبي وحثت الناس على عدم الحضور، ولكن كل ذلك فشل في منع انعقاد المؤتمر.

وقد أدى تغيير اسم وزارة الخارجية الى افساد العلاقة وتدهورها بين مسؤول دائرة شؤون المغتربين التابعة للمنظمة تيسير خالد وبين الوزارة. وقد اخذ خالد منحى اللجوء الى وسائل الاعلام لشن  هجوم حاد ضد هذه الخطوة، متهما خصومه بأنهم لم يناقشوا القضية حتى في أروقة منظمة التحرير الفلسطينية، وان اغلبية الفلسطينيين في الشتات يرفضون فكرة ان تصبح وزارة الخارجية نقطة التواصل معهم. وقد رفض التخلي عن منصبه مدعيا ان عباس ليس لديه اية سلطة لإلغاء دائرة هامة من دوائر منظمة التحرير، كما برهن بان دائرة كهذه ضمن منظمة التحرير الفلسطينية تكون تحت ضغط اقل منه لو كانت تعمل كوزارة في الحكومة.

وكان خالد قد صرح لصحيفة "فلسطين" التي تتخذ من غزة مقرا لها بتاريخ 5/7/2017: "لا يمكن لوزارة تقع تحت السيطرة الإسرائيلية كوزارة الخارجية على سبيل المثال، أن تتمكن من اصدار دعوة عامة للفلسطينيين في أنحاء العالم لمقاطعة إسرائيل أو الى الدعوة للعمل نحو التحرر من احتلالها". كما دلل على أن منظمة التحرير الفلسطينية، من خلال مكاتبها المنتشرة في جميع أنحاء العالم، تتمتع بمرونة أكبر للتحرك والعمل بحكم انها تخضع لضغوط مباشرة اقل من تلك التي تخضع لها وزارة تعمل تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وفي ذات السياق، انتقد أحمد الديك مسؤول شؤون الموظفين لدى المالكي، في بيان بتاريخ 7/7/2017، الفورة "العاطفية" لدى خالد ودعاه إلى التوقف عن موقف الرفض التي اتخذه. وأشار الديك إلى أن مجتمع الشتات الفلسطيني يحتاج إلى جهد أكثر جدية لتوحيده، ولبناء حالة قوية من التضامن مع فلسطين. وبعبارة أخرى، فان ما هو مطلوب أكثر مما كان ينتج فعلا عن دائرة في منظمة التحرير الفلسطينية.

مصدر كبير في منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله قال ل "المونيتور"، طالبا عدم الكشف عن هويته، إن الميزانية الشهرية لدائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية هي مجرد (2000) دولار، لا تكاد تغطي نفقات خالد، مما يترك القليل جدا من المال الكافي للإنفاق على جهود جادة لتوحيد الفلسطينيين المغتربين في جميع أنحاء العالم والابقاء على اتصال معهم.

لا شك بان هناك حاجة لمراجعة جادة للوضع العام بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الفلسطينية. وإن التضييق على المنظمة ودوائرها من خلال خفض نفقاتها بهذه الطريقة يمكن أن يتسبب بالمزيد من القلق إذا لم تسير الأمور بشكل جيد في فلسطين. وقد يصبح الوضع في غاية الصعوبة إذا تم تكبيل وزارة الخارجية الفلسطينية ولم تتمكن بالتالي من العمل بحرية نتيجة للاحتلال.

كما ينظر إلى الاجراء بنقل دائرة شؤون المغتربين من منظمة التحرير الفلسطينية إلى وزارة الخارجية على أنه عمل حزبي يرمي إلى تعزيز سلطة حركة فتح والرئيس الفلسطيني الذي يقود حركة فتح أيضا، وذلك بدلا من العمل بشكل موحد.

عن المونيتر، ترجمة ناصر العيسة

تصميم وتطوير