لن يصدق الغرب أن الحرب السورية ستنتهي وأن الأسد سينتصر

14.09.2017 10:00 AM

 كتب روبرت فيسك - ترجمة خاصة/ لقد تلقيت رسالة نصية هامة من سوريا على هاتفي المحمول مؤخرا تقول "لقد أوفى الجنرال خضور بوعده". ولقد كنت أعرف، تمام المعرفة، ما تعنيه هذه الرسالة. يقول روبرت فيسك مفتتحا مقاله.

ويضيف: "قبل خمس سنوات، التقيت محمد خضور، وكان يقود عددا قليلا من الجنود السوريين في ضاحية صغيرة في مدينة حلب، وذلك تحت وابل من نيران المقاتلين الإسلاميين المتمركزين في شرق المدينة. في ذلك الوقت، فتح لي الجنرال خريطة كانت معه، وقال بكل ثقة إنه سيستعيد هذه الشوارع خلال (11) يوما.

يسرد الكاتب: "بعد ذلك بوقت طويل، وتحديدا في شهر تموز 2017، التقيت الجنرال خضور مرة أخرى، وذلك في مكان بعيد جدا في شرق الصحراء السورية، وقال لي الجنرال حينها إنه سيصل إلى مدينة دير الزور المحاصرة قبل نهاية شهر آب 2017".

يضيف الكاتب: "وتعقيبا على كلامه (أي الجنرال)، ذکرته بلقائنا الأخير عندما أخبرني بأنه سيستعيد ذلك الجزء من مدينة حلب خلال (11) یوما، ولكن الأمر استفحل واستغرق الجیش السوري أکثر من (4) سنوات من أجل استعادتها. فأجابني بالقول إنه في ذلك الحين، لم يكن الجيش قد تعلم أساليب القتال في حرب العصابات. ولقد تم لاحقا تدريب الجيش لأبعد من ذلك، كاستعادة الجولان والدفاع عن دمشق. وقد تعلموا الكثير الان".

يروي فيسك أن خضور قال له - بينما كانا في الصحراء، وكان يقوم بقصف مدينة السخنة، علما أن اليد الطولى في القصف كانت للروس –بأن قواته السورية ستنتقل من هناك إلى دير الزور مباشرة، وهي المحاصرة من قبل تنظيم "داعش" مدة (3) سنوات، بما يشمل محاصرة (80) ألف مدني و (10) الاف جندي. وقال خضور إنه يخطط للوصول إلى مدينة دير الزور بحلول يوم 23 آب 2017. وكان مستميتا جدا من أجل تحقيق هذا الهدف. وكان في ذلك الحين يتوغل في باقي مدينة دير الزور، ومنها يخطط للانطلاق نحو الحدود السورية العراقية.

ويبدو الان أن قوات بشار الأسد تقترب من حسم الحرب، وهو ما لا يمكن تصوره في الغرب الآن. حيث أنه بعد أن يكتمل استيلاء قوات الأسد على المدينة، وعندما يكون خضور على الحدود، وحيث أصبحت مدينة حلب في أيدي النظام، فإن محافظة إدلب قد تحولت إلى مزبلة للمتمردين الإسلاميين (بما في ذلك تنظيم القاعدة)، علما بأنه قد سمح للعديد منهم بالسفر للاستسلام في مدن سورية أخرى.

وبالمحصلة، لا يمكن أن نطلق على الأوضاع كلمة "تبدو وكأنها"، بل إن أمر تقدم الجيش السوري هو حقيقة ماثلة. فالمعارك تشير إلى ذلك والأمثلة كثيرة. فعلى سبيل المثال، فإن الضابط حسن صالح (الملقب بحسن النمر)، وهو الضابط المفضل في الجيش السوري - والذي أشار إليه وزير الدفاع الروسي بالاسم في مناسبتين - قد شق طريقه وطريق جنوده إلى مقر قيادة اللواء رقم (137) في الجيش السوري المحاصر في دير الزور وتمكن من تحرير جميع الجنود المحتجزين هناك. هذا بينما كان الجنرال خضور (وهما صديقان شخصيان)، يقوم بتحرير القاعدة الجوية في المدينة.

ويجب على السوريين تذكر اليوم الذي قام فيه الأمريكيون بقصف الجنود السوريين بالقرب من تلك القاعدة الجوية، مما أدى الى مقتل أكثر من (60) جنديا، وهو ما سمح لتنظيم "داعش" بالسيطرة على القاعدة وفصلها عن باقي المدينة. وبالمطلق، لم يصدق السوريون أبدا ادعاء الأمريكان بأنهم ارتكبوا "خطأ"، وأنهم لم يدركوا بأنهم يقصفون قوات سورية إلا عندما لفت الروس انتباههم الى ذلك، وفق الكلام الأمريكي.

يضيف فيسك: "يبدو أن الرسالة قد وصلت إلى البريطانيين. حيث قاموا وبتباطؤ بسحب مدربيهم العسكريين من سوريا مؤخرا، في تراجع عن خطتهم التي وضعها رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون التي تقضي بإعداد (70) ألفا من مقاتلي المعارضة الذين كان يفترض بهم إسقاط حكومة الأسد. أكثر من ذلك، فإن تقرير الأمم المتحدة القائل بأن الحكومة السورية قتلت أكثر من (80) مدنياً في هجوم بالغاز هذا الصيف لم يلتفت إليه الكثيرون، ولم يحصل إلا على القليل من ردود أفعال الساسة الأوروبيين. فضلا عن ذلك، فإن قرار دونالد ترامب بضرب القاعدة الجوية السورية التي انطلق منها الهجوم الكيماوي بصواريخ كروز كان بلا معنى أو جدوى.
وماذا عن إسرائيل؟ هذه الدولة ما تزال تعول حقا على نهاية الأسد، وتذهب بعيدا إلى حد قصف قواته وحلفائه في حزب الله وإيران، في حين تقوم بتقديم المساعدة الطبية للمقاتلين الإسلاميين المصابين في الحرب السورية، في المستشفيات والمدن الإسرائيلية.
لا عجب بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان "منفعلا وعاطفيا" -حسب الأوصاف الروسية-عندما التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي. حيث قال له بوتين إن إيران هي "حليف استراتيجي لروسيا في المنطقة، وإسرائيل كانت شريكا هاما لروسيا". ولأن كليهما ليس على ذات المستوى، فإن هذا هو نوع الكلام الذي لم يحب نتنياهو سماعه تحت أي ظرف.
إن الانتصارات المتكررة للسوريين تعني أن الجيش السوري هو من بين أكثر "الجيوش تنظيما" في المنطقة، حيث كان جنوده يقاتلون قتال الحياة أو الموت. كما أصبحوا مدربين بشكل جيد الآن على إدارة وتنسيق القوات والاستخبارات من مقر قيادة موحد. ووفق شارمين نارواني، الباحث السابق في كلية سانت أنتوني، فقد أصبح لهذا التحالف الان غطاء سياسيا يتكون من عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، هما روسيا والصين.

وتساءل فيسك: إذن ماذا ستفعل إسرائيل حيال هذا الوضع؟ لقد كان بنيامين نتنياهو قلقا جدا إلى حد الهوس من البرنامج النووي الإيراني، وهو الذي لم يتصور أبدا - في ظل وجود باراك أوباما وهيلاري كلينتون ودونالد ترامب وديفيد كاميرون وتيريزا ماي  وفرانسوا أولاند وغيرهم من النخب السياسية في الغرب – أن الأسد قد ينتصر في هذه الحرب، وأن الجيش العراقي القوي قد يتمكن أيضا من النهوض من بين أنقاض مدينة الموصل.

وما يزال بنيامين نتنياهو يقوم بدعم الأكراد، مع التأكيد أنه لا يوجد أية مصلحة لدى أي من سوريا وتركيا وإيران والعراق في دعم التطلعات الوطنية للأكراد - على الرغم من أن أمريكا تقوم باستخدام الميليشيات الكردية عسكريا تحت مسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، (وهنا يفصل فيسك اسمها المركب بنوع من التهكم والانتقاد حيث يقول: هي في الحقيقة كردية وليست سورية، كما أنها ليست ديمقراطية على الإطلاق، وهي لا يمكن أن تكون قوة حقيقية دون دعم حقيقي من سلاح الجو الأمريكي).
بينما تتجه أنظارنا نحو الشرق الملتهب، حيث يمكن أن يقوم دونالد ترامب وكم جونغ أون بإطلاق شرارة الحرب العالمية الثالثة، فإننا لم ندقق الملاحظة في أن الخريطة العسكرية الكلية للشرق الأوسط تتغير بشكل كبير، ودموي أيضا. وسيحتاج الأمر إلى وقت طويل جدا قبل التمكن من إعادة إعمار سوريا والعراق (واليمن) -وقد يتوجب على الإسرائيليين-الذين اعتادوا طلب العون من الأمريكان-الاستعانة ببوتين من أجل ترتيب الأمور وإزالة الفوضى التي تحيط بهم الآن.
ينهي فيسك مقاله برسالة إلى اليمين السياسي في إسرائيل، فيقول: "إن الإسرائيليين الذين ادعوا أن الأسد يشكل خطرا أكبر من داعش، قد يضطرون إلى إعادة حساباتهم مرة أخرى لعدة أسباب، أقلها إنه قد يتوجب عليهم التحدث إلى الأسد نفسه إذا كانوا يريدون الحفاظ على حدودهم الشمالية آمنة.

ترجمة: ناصر العيسة/ عن اندبندنت

تصميم وتطوير