سوروس ينشئ قوة مؤسسية ومالية عظمى لأجل الديمقراطية

24.10.2017 10:27 AM

ترجمة خاصة- وطن: نشرت صحيفة "ذي واشنطن بوست" مقالا لهيئتها التحريرية تناولت فيه كيف نقل الملياردير جورج سوروس، مؤسسته الخيرية الى عملاق خيري، وكيف ان مؤسسته تواصل دعمها لقيم الديمقراطية وحقوق الانسان في العالم، رغم الصعوبات والتحديات التي تعترض طريقها.

إذا كان لشخص أن ينال إعجاب أعدائه، فيمكن لجورج سوروس أن يشعر بالفخر حيال ذلك، لقد عبر الكثير من المستبدين عن التخوف والاشمئزاز، بدأً من أوروبا الشرقية بما يشمل موطنه الأصلي المجر، مرورا إلى الصين ومصر، وما بينهما، كما اتخذ بعضهم إجراءات تقييدية ضد منظمات المجتمع المدني الكثيرة هنا وهناك والتي أغدق السيد سوروس دعمه السخي لها خلال العقود الثلاثة الماضية.

السيد سوروس غير محبوب على الإطلاق لدى الدكتاتوريين، ومن الطبيعي أن يكون مثل هذا الشعور هو السائد بين هكذا طرفين، وبالتالي، فإن الخبر الذي حمل ضخ سوروس لمبلغ (18) مليار دولار من ثروته لمؤسسته الخيرية "أوبن سوسايتي" لا يعتبر أبدا من الأخبار السارة بالنسبة إلى هؤلاء.

إن من شأن التبرعات التي تم تقديمها عبر السنوات الأخيرة أن تجعل مؤسسة "أوبن سوسايتي" ثاني أكبر مؤسسة خيرية في الولايات المتحدة، بعد مؤسسة بيل وميليندا غيتس، وبهذا، يكون السيد سوروس قد أنشا "قوة خيرية عظمى" في دعم الديمقراطية الليبرالية.

لقد شهد العقد الماضي على وجه الخصوص، موجات متزايدة من التوجهات المعادية لليبرالية في جميع أنحاء العالم، وفي هذا السياق، يطلق الباحث في معهد هوفرد التابع لجامعة ستانفورد، البروفيسور لاري دايموند، على هذا العقد بـ "عقد الركود الديمقراطي"، ولقد شهد ذلك القرن قيام الكثير من الرؤساء والحكومات بالجنوح نحو القوة واستخدامها، وهو ما أدى إلى الالتفاف على الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتراجع الكبير في أوضاعهما، ويشمل ذلك رؤساء دول حكومات مثل: شي جين بينغ في الصين، فلاديمير بوتين في روسيا، رجب طيب أردوغان في تركيا، عبد الفتاح السيسي في مصر، هن سن في كمبوديا، نيكولاس مادورو في فنزويلا، فيكتور أوربان في المجر، وإلهام علييف في أذربيجان.

وقد استخدم هؤلاء فنونا من الطرق التقليدية في الإكراه والضغط، مثل سجن أشخاص أبرياء لمجرد الاشتباه، أو السجن لمخالفة الرأي، أو عقاب أشخاص ناشطين لمجرد كونهم من المعارضة، أو لمجرد التعبير عن الرأي بحرية في الإعلام، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنهم لم يتوانوا عن القيام بأبعد من ذلك، فقد قاموا بـ "تخريب" الديمقراطية عن طريق تنظيم "انتخابات" مزورة، وفق مصطلح الكاتب، كما قاموا بدعم وتمويل وسائل إعلام غير مستقلة، ووصفوا منظمات المجتمع المدني في بلدانهم بأنهما "عميلة للأجانب"، كما منعوا النفاذ إلى الإنترنت، وغير ذلك مما ابتكروه من تقنيات الملاحقة والدهاء.

عاش السيد سوروس طفولته تحت الاحتلال النازي في بلده المجر، وهو الان في طليعة التحركات المناهضة للأنظمة الشمولية والاستبدادية، ولا شك بأن التزامه المالي الجديد يوحي بأن مؤسسته ستحافظ على هذه المهمة خلال السنوات القادمة، لقد انتقل السيد سوروس من عهد إلى عهد، فقد انتقل من سنوات الأربعينات، حيث شهدت تلك الحقبة صدور كتاب "ذي أوبن سوساسيتي أند إتس إنيميز" للكاتب كارل بوبر، في سنة 1945، لقد صدر الكتاب إبان حقبة النضال ضد الشمولية في الحرب العالمية الثانية، حيث تناول الكاتب آنذاك ضرورة استدامة ذلك النضال، وبالتالي، فإن الكتاب يحمل في طياته أمثلة ماثلة، ودروسا مفيدة لهذه الأيام، وكما نستخلص الان، فإن مجتمعا مدنيا صحيا - ذو تواصل حر بين مواطنيه عبر الصحافة والتجمعات غير الرسمية ومنظمات المناصرة، وغيرها - يعتبر لعنة عظيمة على الاستبداد والمستبدين.

وللأسف الشديد، فإن أغنى المؤسسات لا يمكنها أن تملأ الفجوة عندما تفشل الحكومات في هذا العمل، ولعل هذا الأمر بارز وواضح الان حيث يدير الرئيس ترامب ظهره لعقود من دعم ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي هذا السياق، لا يوجد ما يقارن مع القوة المقنعة والنفوذ الشامل للولايات المتحدة الأمريكية كواحدة من أركان الحرية في العالم.

وقد قال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش في خطاب هام ذات يوم "إنه ومنذ أكثر من (70 عاماً)، ما يزال رئيسا الحزبين الكبيرين على قناعة أن الأمن والازدهار الأمريكيين مرتبطان مباشرة بنجاح الحرية في العالم، ولقد كانا يدركان تماما أن النجاح يعتمد، في الجزء الأكبر منه، على قيادة الولايات المتحدة.

ولا شك بأن كل الجهود والأعمال والمساهمات والرؤى الإيجابية التي يدعها السيد سوروس بملياراته، ستكون مضاعفة لو كانت حكومة الولايات المتحدة تسير جنبا إلى جنب معه، غير أن هذا ليس هو الواقع للأسف، وهي مأساة، وفق الكاتب.

ترجمة: ناصر العيسة - عن: ذي واشنطن بوست

تصميم وتطوير