مسيحيو الشرق الأوسط باقون، رغم جرائم داعش

30.10.2017 05:15 PM

نشرت صحيفة "ذي إندبندنت" مقالا لكبير مراسليها في الشرق الأوسط، روبرت فيسك، تناول فيه المضايقات التي تعرض لها المسيحيون في الشرق الأوسط، وما يزالون، خلال أزمات المنطقة المتلاحقة. وفي ضوء مغادرة عدد كبير منهم الشرق الأوسط، مهاجرين أو مسافرين إلى أنحاء مختلفة من العالم، وهل سيتمكن من تبقى منهم من الصمود، أم سيلتحقون بالمغادرين تحت وطأة الضغط والمعاناة.

ترجمة خاصة-وطن:

يقول فيسك: "لقد كنت هناك هذا الأسبوع، وكنت أحدق في صورة لمريم العذراء، كانت قد رسمت في بلدة "ميليتين"، التي كانت في السابق أسقفية في الغرب السوري، قبل أن تصبح جزءا من تركيا (بلدة ميليتين السابقة هي الان مدينة مالاتيا في تركيا).

الموقع الأصلي لهذه الصورة هو في دمشق، كونها تنتمي إلى البطريركية السريانية. أما الان وبسبب الحرب في سوريا، فقد تم نقلها إلى لبنان. وقد ازدانت إلى جانب عباءة مريم المطرزة باللونين الأسود والأزرق، وصورتها المتألقة بهالة من الذهب. وقد لفت انتباهي التاريخ المدون، وهو 1065. وهذا يعني أن "هارولد" عاش هناك عاما كاملا قبل وفاته في معركة "هاستينغز".

ويضيف فيسك: "لقد نجونا من النورمان، ولكن هل سينجو المسيحيون من أزمات الشرق الأوسط؟ الجواب، ربما نعم".

فكما أمكن لهذه الصورة الرائعة أن تصمد وتعرض ضمن معرض فخم، في معهد العالم العربي في باريس، وهي عاصمة غربية، يمكنك أن ترى في المعهد المزيد من الكنوز من المملكة العربية السعودية وباقي العالم الإسلامي، أكثر مما ترى فيه من المسيحيين.

ولكن، علينا أن نتذكر أن المسيحية دين شرقي، وأن يسوع ذكر في القرآن الكريم (مثلما ذكرت مريم أيضا)، وأنه ولأكثر من (600) سنة، تمكن أتباع السيد المسيح من ممارسة عبادتهم، وامتلاك كل ما حق لهم في الشرق الأوسط، وذلك منذ ولد النبي محمد في شهر حزيران من عام 632م. ان المسيحيين في العالم العربي هم بطبيعة الحال عرب أيضا، ويعتبر المسلمون يسوع نبيا (ولكن ليس ابن الله).


تحمل العذراء في يدها زخرفا حلزوني الشكل مكتوبا عليه باليونانية والإسترانجيلو (أي الأبجدية السريانية)، وهي أقدم نسخة من الأبجدية السريانية. وكانت الآرامية هي اللغة التي تكلم بها السيد المسيح، وهي اللغة التي ما يزال يتحدث بها سكان قرى شمال دمشق، ولقد سمعت بنفسي الناس هناك يغنون باللغة الآرامية، لغة السيد المسيح، قبل أن يصل إليهم القتلة.

ويضيف فيسك، نصل هنا إلى المشكلة:
هل يمكن للمسيحيين الان البقاء في الشرق الأوسط، بعد أن تعرضوا لكل هذا التعذيب والقتل بسبب دينهم؟ شكل المسيحيون في أوائل القرن العشرين (20%) من السكان. وتراجعت هذه النسبة لتتراوح الان بين (10%) و (15%). ولا يستطيع أحد إلقاء اللائمة عليهم كسبب لهذا التراجع؟

يقول الكاتب: "قال لي مجموعة من المسلحين في مدينة القامشلي شمالي سوريا، قبل عامين، أنه إذا غادر المسيحيون الشرق الأوسط، فسيتم استيعابهم من قبل الغرب العلماني، ولهذا سيتحولون إلى علمانيين وسيفقدون دينهم. وأنه يتوجب على الغرب أن يحثهم على البقاء في بلدهم. إضافة إلى ذلك، أتذكر كيف استشهد أحد رجال الدين المسيحيين في الموصل عندما قتله أحد المسلحين سائلا إياه لماذا لم يغلق كنيسته كما أمره. وعندما رد عليه رجل الدين بأنه لا يستطيع أن يغلق بيت الله، أطلق عليه المسلح الرصاص، جنبا إلى جنب مع اثنين من رجال الدين الاخرين".

وقد ذكرت صحيفة "لا كرويكس" الفرنسية الكاثوليكية مؤخرا، بأن الشرق الأوسط سيكون "مكانا مختلفا جذريا" بدون المسيحيين، وفق الصحيفة. أظن أن المقصود بذلك هو أن المسيحيين كانوا "ديمقراطيين" أكثر من المسلمين، ولكن المسيحيين كانوا أيضا جزءا من التراث الإسلامي.

وعندما فتح الخليفة العباسي هارون الرشيد أبواب بيت الحكمة في بغداد عام 832م، استعان بالمسيحيين لترجمة النصوص اليونانية إلى السريانية، ومن ثم إلى اللغة العربية. كما تأثر الفن المسيحي بشكل عميق بالرسم الإسلامي، وخصوصا رسم الزهور. وبإلقاء نظرة على أحد رموز القرن السابع عشر، القديس سيمون ستيليتس – له نصب تذكاري في الشمال السوري - يجدر بنا القول أنه تم نحت هذا النصب في مدينة "كل التذكارات"، أي حلب السورية.

أما بالنسبة لمعهد العالم العربي، فقد استقطب معرض "الحج إلى مكة" – الذي نظمه المعهد قبل ثلاث سنوات - اهتماما كبيرا من الجمهور الفرنسي، مما عكس رغبتهم بمعرفة المزيد عن أديان الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن المعهد استضاف قبل ذلك معرضا للفنون القبطية المصرية، ومعرضا اخر نظمه مسيحيون لبنانيون، إلا أن معرض "الحج إلى مكة" استقطب حضورا أكبر، ولفت الانتباه بشكل أوسع.

ومما يلفت الانتباه أيضا أن المعهد يعرض نسخا مميزة من الكتب المقدسة والرموز الدينية للديانات الثلاث معا، الاسلامية واليهودية والمسيحية. ومن المدهش أنه في عاصمة مثل باريس، ضربها الإرهاب بوحشية خلال السنوات الماضية، لا تجد موطئ لقدم للمرور إلى الزوايا التي تعرض المقتنيات الإسلامية كما المسيحية في معهد العالم العربي بباريس.

ووفق أحد القيمين على المعرض: "من المعيب أن نعتبر المسيحيين أقلية أو بقايا. هم يريدون أن يكونوا مواطنين كاملي الحقوق والواجبات في بلادهم". ولكن كيف نشجعهم على البقاء؟ من المؤكد أن المسلمين هم الأكثر قدرة على تشجيع المسحيين على البقاء في بلدهم.

ولقد كتب طريف الخالدي، أحدث مترجمي القرآن، عن معجزات السيد المسيح في النصوص الإسلامية. وهو أيضا مؤيد لدمج مفاهيم الإنسانية في التعليم الإسلامي. كان الخالدي معجبا دائما بالإمام موسى الصدر الذي أحيا اهتمام المسلمين بيسوع ومريم، والذي سبق له أن حاضر في كنائس عدة بينما كان الصليب خلفه. كان ذلك قبل أن يقتل على يد القذافي في ليبيا عام 1978 (وإن لم يكن ذلك القتل لأسباب دينية).

نعم، أعتقد أن المسيحيين ينتمون إلى الشرق الأوسط. وكم كان غريبا ومستهجنا أن أعيد القول مرارا وتكرارا، مثل الأمريكيين، بأن "المسيحية دين غربي". حتى يذهب الواحد منا إلى باريس، فيدرك أن هذا القول ليس صحيحا، وأن المسيحية دين شرقي.

ترجمة ناصر العيسة | عن: ذي إندبندنت

تصميم وتطوير