ليست هذه المرة الأولى التي تهدد فيها السعودية استقرار لبنان وأمنه

16.11.2017 01:57 PM

ترجمة خاصة- وطن: نشرت صحيفة "ذي إندبندنت" مقالا للكاتب روبرت فيسك، تناول فيه الكثير من المعلومات حول رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، سعد الحريري، ومغزى قوله إنه سيعود إلى لبنان، وأنه سيقوم "بتأكيد" استقالته وفقا لدستور البلاد. وتساءل الكاتب: "كيف أمكن للحريري أن يتقدم باستقالته من العاصمة السعودية الرياض، دون أن يفكر بتبعات الأمر وبحجم الصدمة التي يمكن أن يتسبب بها للبنانيين؟:

ظهر رئيس الوزراء اللبناني المستقيل في مقابلة "غريبة" و"مقيدة للغاية"، من العاصمة السعودية الرياض، وذلك عبر قناة المستقبل اللبنانية، التي يملكها الحريري شخصيا. ومن الواضح أن سعد الحريري كان تحت ضغط سعودي متواصل منذ استقالته، رغم أنه قال في بيانه بأنه يستقيل، من السعودية، وأنه "يتمتع بحرية كاملة"، وأنه يريد "الحفاظ على أسرته". تجدر الإشارة إلى أن المقابلة تمت عبر شاشة المستقبل اللبنانية، ولكن بعد أن رفض السعوديون حضور طاقم تلفزيون المستقبل من بيروت لتصوير المقابلة، وأصروا على أن يقوم طاقم التلفزيون السعودي بتصوير المقابلة.

وقد بدا ذلك جليا في المقابلة، التي أجرتها معه مقدمة البرامج اللبنانية الشهيرة، بولا يعقوبيان، بحضور مدير الأخبار في تلفزيون المستقبل اللبناني، نديم قطيش. فقد تواجد السعوديون في مكان التصوير المقابلة، وكانوا في وضع يسمح لهم بقطع المقابلة، أو إجراء أي تحرير يريدونه على كلام الحريري في حال "تجاوز" ما يبدو أنه "نص" تم فحصه والاتفاق عليه مسبقا. أما بالنسبة لمحتوى المقابلة، فإنها لم تعكس أبدا الآراء التي اعتاد الحريري التصريح بها علنا في بيروت، بل عكست اراء الحكومة السعودية، التي تخضع للسيطرة المتزايدة من ولي العهد "التائه"، الأمير محمد بن سلمان.

وقال الحريري، الذي بدا متجهما على شاشة تلفزيون المستقبل (بينما جرت العادة أن يكثر من الابتسام خلال مقابلاته)، إنه قام بكتابة خطاب استقالته منذ أكثر من أسبوع (علما أن أيا من الأحزاب السياسية اللبنانية يصدق هذه الرواية)، مضيفا أنه سيعود إلى لبنان "قريبا جدا" (في غضون أيام، وفق زعمه). مضيفا العبارة الأكثر غرابة في المقابلة، عندما قال: "لقد أردت توجيه صدمة إيجابية إلى الشعب اللبناني، حتى يعرف الناس مدى خطورة الوضع الذي نعيش فيه". وأضاف أنه سيعود إلى لبنان، وأنه سيقوم "بتأكيد" استقالته وفقا لدستور البلاد. ولكن، كيف أمكن له ان يقوم بذلك على أرض الواقع، وأن يتقدم باستقالته من العاصمة السعودية الرياض، دون أن يفكر بتبعات الأمر، وبحجم الصدمة التي يمكن أن يتسبب بها لمواطنيه؟

هل يمكن أن تعزى التطورات التي طرأت على وضع الحريري إلى علاقة ما بوضعه المالي الصعب، أو الإفلاس الوشيك ربما لشركة "سعودي أوجيه"، حيث أنها مدينة للحكومة السعودية بمبلغ (9) مليار دولار. أضف إلى ذلك أن موظفي "أوجيه" في السعودية، (بما في ذلك العديد من المواطنين الفرنسيين) يعتزمون مقاضاة الشركة من أجل تحصيل رواتبهم ومستحقاتهم المالية المتراكمة منذ أشهر.

ما يزيد الأمور تشاؤما، هو أن مسؤولين لبنانيين كبارا قد تلقوا نسخا من وثائق حكومية سعودية، تشير بوضوح إلى أنه من المتوقع للحريري، الذي يحمل الجنسية السعودية، أن يمثل أمام المحكمة في الرياض بخصوص دعاوى من موظفي "أوجيه" الذين لم يتلقوا مستحقاتهم المالية. وقد ظهر الحريري في الوثائق القضائية السعودية تحت اسم "سعد الدين رفيق الحريري"، إلى جانب رقم هويته السعودية.

وقد ظهرت أوراق الدعوى القضائية ضد الحريري، وعليها التاريخ الهجري 24/2/1438، والذي يقابل 25/11/2016، أي قبل عام تقريبا. وفي النظام القضائي السعودي، يمكن تأخير الدعاوى ووثائق المحاكم إلى أجل غير مسمى. وبخصوص حالة الحريري، من الواضح أنه تم تعليق قضيته لمدة عام على الأقل. ويبدو أن ذات المحكمة طلبت مثول رجل الأعمار الثري، الأمير الوليد بن طلال، قبل موعد الحريري بيومين (أي بتاريخ 23/11/2016)، علما ان ابن طلال محتجز حاليا على خلفية ادعاءات فساد، وفق الكاتب. وكما الحريري، فإن الأمير ابن طلال من أصل لبناني.

إن ما يثير المزيد من القلق هو حجم الإشغال في "فندق الرياض ريتز"، الذي يتم فيه اعتقال ما لا يقل (200) شخصية من الأمراء ورجال الأعمال والوزراء السابقين، من أجل تنفيذ التحقيقات المتعلقة بالفساد. تشير المعلومات إلى أن "الرياض ريتز" مليء عن اخره، بهؤلاء المحتجزين وحراسهم وذوي الشأن. وتفيد تقارير أخرى إلى أن الحكومة السعودية أوعزت بالمزيد من الحجوزات في فندق "ماريوت الرياض"، وهو ما يؤشر إلى المزيد من الاعتقالات. ولا شك بأنها ستشمل بعض الأعداء السياسيين لولي العهد.

ولكن يبدو أن هناك المزيد من الفخاخ في الأفق القريب. فقد سافر البطريرك الماروني اللبناني، مار بشارة بطرس الراعي، إلى الرياض في زيارة ليوم واحد، لمقابلة الحريري. وقد استبق الرئيس اللبناني، ميشال عون، سفر الراعي، فاجتمع به لمدة ساعتين قبل توجهه إلى الرياض بيوم واحد، لأن عون يخشى أن يعطي السعوديون مذكرة "الاستقالة" الموقعة من الحريري إلى البطرق الراعي. وفي حال عاد الراعي بتلك الاستقالة إلى بيروت، فإن هذا يعني أن استقالة الحريري "أصبحت رسمية". لقد كان عون مدركا لذلك، فطلب من الراعي عدم استلام الاستقالة في حال طلب اليه نقلها. إن زيارة الراعي لم يسبق لها مثيل في الحقيقة، فهي أول زيارة لكبير رجال الدين المسيحيين في لبنان. وليس من المعروف في أي من المهام والأوجه سينجح الراعي في هذه المهمة: هل سينجح في مهمته كبطريرك، أم سينجح كرجل سياسي يحتاج إلى الكثير من المراوغة هذه المرة؟ علما أن الطابع الغالب على مهمته هو "رجل سياسة" في مهمة صعبة.

وبينما يتم نقاش مسألة عودة الحريري على نطاق واسع، فقد أصبحت السلطات اللبنانية في حالة أكبر من الحيرة والترقب، في ظل تداول أنباء عن أن ولي العهد السعودي لن يكتفي فقط بطرد العمالة اللبنانية من المملكة (تقدر ب 200 ألف عامل)، بل سيذهب إلى أبعد من ذلك وهو سحب الاستثمارات السعودية من لبنان. وما يثير القلق أكثر هو ما تردد أن السعودية تهدد بتعليق عضوية لبنان في جامعة الدول العربية، وهو تهديد تميل حكومة بيروت إلى تصديقه. إلا أن إجراءً من هذا القبيل لن يروق للمصريين والأردنيين والعراقيين، وفق تقدير الكاتب. ولكن من المعروف أن السعوديين هم الأكثر تأثيرا في شؤون الجامعة العربية.

ومن الجدير معرفة القوة الاقتصادية الضخمة للسعودية في لبنان. فوفق حسابات السلطات اللبنانية، فإن احتياطي النفط للبنان في البحر المتوسط لا يقل عن (600) مليار دولار، ومن المحتمل أن السعوديين يريدون حصة لهم في ذلك. وعلى الرغم من تعهد إيران بدعم لبنان اقتصاديا، والحفاظ على استقراره المالي، فإن الأرقام تشير إلى استحالة تحقيق الإيرانيين لوعدهم. ففي العام الواحد، تقوم العمالة اللبنانية في إيران، وعددها (1,200) عامل، بإرسال مبلغ (300) ألف دولار إلى لبنان. في حين أن اللبنانيين العاملين في المملكة العربية السعودية يرسلون ما لا يقل عن (4.5) مليار دولار إلى بلدهم سنويا. وبالعودة بالحسابات إلى عدة سنوات إلى الخلف، يتبين أن قام المغتربين اللبنانيين في السعودية قاموا بتحويل مبلغ (70) مليار دولار إلى لبنان خلال السنوات ال (25) الأخيرة. وعلى صعيد الصادرات، تصل قيمة الصادرات اللبنانية السنوية إلى إيران حاليا نحو (3) ملايين دولار فقط. أما الصادرات اللبنانية إلى السعودية، فتبلغ قيمتها (378) مليون دولار سنويا.

ومع ذلك، فإن الدولة الخليجية الغنية التي يحاول السعوديون تدميرها، أي قطر، قد تحاول مد يدها للإنقاذ. وبالفعل أعلنت قطر أن اللبنانيين ليسوا بحاجة إلى الحصول على "الفيزا-تأشيرة الدخول" قبل الدخول إلى الأراضي القطرية، وإنما يكفي إبراز جواز السفر في المطارات القطرية فقط.

ولا شك بأن الهدف السعودي من القيام بمس الرموز السيادية للبنان هو إسقاط الحكومة، وإجراء انتخابات جديدة، وبالتالي طرد وزراء حزب الله الشيعي من الحكومة اللبنانية، مما يبدد قوة إيران في لبنان ولو تدريجيا، وفق الكاتب. ويبدو أن هذا محل اهتمام خاص لدى ولي العهد ابن سلمان.

وبالفعل، دعا الحريري في مقابلته مع "المستقبل" إلى ضرورة إحداث "خرق" مع حزب الله، إذا أريد له أن "يعود إلى بيروت وأن يسحب استقالته". وكانت هذه أول إشارة ضمنية الى إمكانية سحب الاستقالة، وفق الكاتب.

ولكن، أي نوع من "الخرق" ذلك الذي يتحدث عنه الحريري؟ وكيف يمكن إسقاط الحكومة اللبنانية بهذه السهولة؟ فمن الواضح أن حزب الله، الذي تدفع له الحكومة الإيرانية كل ما يلزمه، لن ينزع سلاحه ولن ينسحب من الحكومة اللبنانية.

وقال الحريري في تصريح صحافي: "إن حياتي لا تعني لي شيئا، واهتمامي هو وحدة لبنان وسلامته".

يتساءل الكاتب: حسنا، ولماذا لا يركب الحريري أول طائرة متجهة إلى بيروت؟

ويضيف، لا شك بأن ما حدث قد أثار الكثير من السخرية السياسية لدى اللبنانيين، فهو يذكرهم بتهديدات سعودية قديمة. فقد تداولوا إلى حد كبير، خلال الأيام القليلة الماضية، عدد 28/2/1967 من صحيفة "الهدف" البيروتية، والذي عنونته ب: "التهديد السعودي للبنان يثير ردود فعل مختلفة". وقد تضمن ذلك التهديد، القديم-الجدي، وفق الكاتب: طرد العمال اللبنانيين من السعودية، وسحب الأموال السعودية من لبنان. وهذه هي أبرز المشكلات والتحديات التي تواجه الحكومات اللبنانية المتعاقبة في العادة، وعلى مر تاريخها. كان سبب التهديد السعودي القديم، هو محاولة ثني اللبنانيين عن دعم "العدو" القومي المصري جمال عبد الناصر، كما يحاولون بالضبط إقناعهم بالتخلي عن حزب الله وإيران هذه الأيام. وقد فضل اللبنانيون آنذاك، بمن فيهم المسلمون السنة، دعم جمال عبد الناصر. وقالت صحيفة "الهدف" إن بعض اللبنانيين كانوا يدعون إلى "الاعتدال"، مثلما هو الحال حيال الأزمة الحالية.

يضيف الكاتب، هناك حالة تاريخية أخرى تثير السخرية التاريخية، والتي وثقها نيكولاس نو، وهو زميل دراسة أمريكي للكاتب: قبل (74) عاما بالضبط، قامت السلطات الفرنسية، تحت حكم شارل ديغول، باختطاف رياض الصلح، في محاولة لمنع استقلال لبنان، وكان الصلح على وشك أن يصبح أول رئيس وزراء للبنان. وكان الصلح جد الوليد بن طلال. أما الان، فعلى النقيض تماما. حيث يقوم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بمحاولات لإقناع ولي العهد السعودي بإطلاق سراح الحريري وإعادته إلى بلده.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي إندبندنت"

تصميم وتطوير